خبر نتانياهو والحكومة الجديدة.. ثلاثة سيناريوهات محتملة ..سعيد عكاشة

الساعة 11:46 ص|25 فبراير 2009

ـ إسلام أون لاين 25/2/2009

 لم يكن قرار الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بتكليف بنيامين نتانياهو رئيس حزب الليكود بتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة مفاجئا، فمع أن نتانياهو قد خسر الانتخابات، التي جرت في العاشر من فبراير الجاري، أمام منافسته تسيبي ليفني رئيسة حزب كاديما بفارق مقعد واحد، فقد نظر إليه منذ إعلان النتائج باعتباره المرشح الأوفر حظا لتشكيل الحكومة الإسرائيلية، نظرا للفوز الكبير الذي حققه اليمين الإسرائيلي بحصوله على 65 مقعدا تمكنه من تشكيل الحكومة بصورة منفردة، علاوة أن حظوظ ليفني لم تكن كبيرة فيما يخص تشكيل الحكومة، فشريكها السابق إيهود باراك أعلن أن حزبه سيبقى في المعارضة، إلى جانب أنها رفضت في السابق الخضوع لابتزازات الأحزاب اليمينية، ما قلل بصورة كبيرة من قدرتها على تشكيل الحكومة.

سيناريوهات ثلاثة

ويمكن القول إن خيارات نتانياهو الخاصة بتشكيل الحكومة، تنحصر في ثلاثة احتمالات رئيسية، تتمثل في:

1 – ائتلاف ضيق من اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو بقوة 65 مقعدا.

2 – ائتلاف موسع بقيادة نتانياهو ويضم كاديما وإسرائيل بيتنا والليكود بقوة 70 مقعدا.

3 – ائتلاف أكثر اتساعا برئاسة نتانياهو يضم كاديما والليكود ومعه كافة أحزاب اليمين المتطرف بقوة 93 مقعدا. والواقع أن نتانياهو لا يحبذ حكومة من اليمين المتشدد لسببين رئيسيين: الأول: أنها ستكون حكومة معرضة للابتزاز من الأحزاب اليمينية الصغيرة التي بوسعها أن تنسحب في أي لحظة تاركة الائتلاف نحو الانهيار، ولنتانياهو تجربة سابقة في ذلك حينما فاز في انتخابات عام 1996 وشكل ائتلافا ضيقًا من أحزاب اليمين أصاب إسرائيل بالشلل، ولم يتمكن من الصمود حتى نهاية فترة حكمه عام 2000 ليخسر الانتخابات الإسرائيلية المبكرة عام 1999. وقد أعلن نتانياهو مؤخرًا ندمه على أنه لم يشارك حزب العمل في ائتلاف واسع عام 1996؛ وبالتالي من الصعب تصور إقباله على إعادة تجربة أعلن ندمه على خوضها في السابق، بالإضافة إلى أن أحد شروط حزب إسرائيل بيتنا هو تشكيل ائتلاف موسع يضم كاديما داخله وأعلن ليبرمان أنه لن يشارك في ائتلاف بدون كاديما. الثاني: أن إسرائيل بغض النظر عمن يحكمها تعتبر علاقتها بالولايات المتحدة "ثروة إستراتيجية"، ومن غير المرجح أن يغامر نتانياهو بتشكيل حكومة من اليمين المتشدد تؤدي إلى الصدام مع واشنطن الراغبة في حشد معسكر الاعتدال العربي معها لمواجهة الإرهاب والمشروع النووي الإيراني وهي قضايا تمس إسرائيل أيضا. كما أنه من شأن الائتلاف الحكومي الضيق أن يقود إلى تردي العلاقات مع واشنطن ومعسكر الاعتدال العربي معا دون أن يعود بأي فائدة لأمن إسرائيل، بل على العكس قد يقودها  للتورط في حروب واسعة بالمنطقة. ويبدو الخيار الأفضل أمام نتانياهو هو الخيار الأخير؛ لأنه سيحرم حزب إسرائيل بيتنا من المساومة؛ حيث لن يؤدي خروجه -إذا ما هدد بذلك- لانهيار الائتلاف الذي يلزم لبقائه تأييد 61 نائبا فقط، علاوة على أنه لا يعطي لأي حزب آخر بما فيه كاديما ذاته القدرة على تهديد الائتلاف، وينطبق الأمر نفسه على الأحزاب الأخرى الصغيرة بدءا من شاس (11 مقعدا) وحتى يهودت هتوراة (5 مقاعد) ووصولا إلى البيت اليهودي (7 مقاعد). ولكن ستظل العقبة الرئيسية هي قبول ليفني الدخول في ائتلاف مع نتانياهو بدون التناوب على رئاسة الحكومة، كما سيصعب إرضاء الأطراف التي يمكن أن تشارك في مثل هذا الائتلاف الموسع عند توزيع الحقائب الوزارية؛ حيث تضيق الكعكة على الراغبين في الحصول على نصيب معقول منها. فليفني تصرح بأنها لن ترضى بالدخول إلى حكومة تحت رئاسة نتانياهو حتى لو اضطرها الأمر للذهاب إلى المعارضة، وهو ما لا يصدقه الكثيرون داخل إسرائيل، ويعتقدون أن ليفني قد تتراجع في اللحظة الأخيرة وتقبل بالائتلاف مع الليكود مع حصولها على عدد من الحقائب الوزارية المهمة مثل الخارجية والدفاع. والسبب الذي قد يقود ليفني للقبول بحكومة بقيادة نتانياهو أنها تخشى أن يقوم عدد من  نواب كاديما بالخروج من الحزب والدخول في عضوية الليكود؛ خاصة أن نصف نواب كاديما كانوا من النواب السابقين عن الليكود، ولديهم أجندات سياسية مقاربة لأجندة نتانياهو، والسبب الوحيد الذي قد يبقيهم في كاديما هو وجوده في السلطة وليس في المعارضة. وأيا ما كان الأمر فإن تسيبي ليفني ستظل تضغط بإعلان رفضها الائتلاف مع الليكود تحت زعامة نتانياهو على أمل أن يقبل الأخير بحكومة تناوب كما حدث في انتخابات عام 1984، 1988 بين العمل والليكود حينما تناوبا على رئاسة الحكومة عامين لكل منهما في ظل رئاسة شيمون بيريز وإسحاق شامير. ويحبذ هذا الحل الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز حاليا، إلا أن نتانياهو لا يريد هذا المسار ويضغط هو بدوره بأنه على استعداد لتشكيل حكومة من اليمين المتشدد كخيار أخير، تاركا كاديما في المعارضة وعرضة في نفس الوقت للتفكك والانهيار، خاصة أنه حزب جديد ووافد على الحياة السياسية الإسرائيلية، وليس له قواعد اجتماعية ثابتة أو أيديولوجية يمكن أن يحتشد حولها الجمهور. وتبقى الإشارة إلى أن ليفني لا تملك فرصة حقيقية في تشكيل ائتلاف متماسك حتى لو فشل نتانياهو خلال الأسابيع الستة المقبلة في تشكيل الائتلاف الموسع الذي يريده، حيث يحق للرئيس الإسرائيلي تكليف ليفني بإجراء المحاولة عند فشل نتانياهو، وستكون فرصة ليفني الوحيدة في حال ذلك أن يقبل إسرائيل بيتنا وحزب شاس مشاركتها في ائتلاف يضم العمل وميرتس بقوة 70 مقعدا ولكن حتى هذا الائتلاف يبدو صعبا للغاية بسبب رفض العمل وميرتس الجلوس في حكومة واحدة مع حزب إسرائيل بيتنا.

استحقاقات داخلية وخارجية

وأيا ما كان شكل الائتلاف القادم في إسرائيل، فإنه بات من الواضح أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة لم تعط لأي من الكتل السياسية الكبيرة الفرصة لتشكيل ائتلاف حكومي مستقر وقابل للاستمرار حتى نهاية فترة حكمه المفترضة، والتي تمتد أربع سنوات قادمة. وعلى الرغم من أن هذا الوضع ليس جديدا وتعاني منه إسرائيل منذ الثمانينيات في القرن الماضي، فإن الاستحقاقات الداخلية والخارجية العاجلة المطلوب إنجازها أو التعامل معها  باقتدار تستدعي أكثر من أي وقت مضى إيجاد ائتلاف حكومي قوي وقادر على اتخاذ قرارات شجاعة ومؤلمة وذلك خلافا لحقبة الثمانينيات التي لم تكن الساحة الإسرائيلية تعاني مما تعاني منه الآن على صعيد التهديدات الداخلية والخارجية. فالائتلاف الحكومي القادم أيا كان تكوينه ومن سيرأسه سيكون عليه التعامل مع قضايا داخلية متفجرة وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية التي ستقود إلى مزيد من المعاناة للطبقات الفقيرة وإلى بطء نمو الاقتصاد الإسرائيلي، وهناك أيضا مشكلة الصراع بين العلمانيين والمتدينين حول قضايا الزواج المدني التي يتبناها حاليا حزب متطرف مثل حزب إسرائيل بيتنا الذي حصل على 15 مقعدا، وبات واحدا من الأحزاب المؤثرة في تشكيل أي ائتلاف مقبل، في مقابل حزب شاس المعبر عن اليهود السفارديم والذي حصل على 11 مقعدًا ويعتبر بدوره أحد المفاتيح المهمة في تشكيل الائتلافات الحكومية منذ حقبة التسعينيات في القرن الماضي. والمعروف أن كلا الحزبين سواء بسبب خلفياتهم الأيديولوجية أو بسبب حملات الكراهية المتبادلة بينهما لا يرحبان كثيرا بالجلوس معا في ائتلاف واحد، كما تعتبر علاقة الأقلية العربية في إسرائيل بحزب إسرائيل بيتنا، وهى علاقات عدائية صريحة، عائقا أمام رغبة أي رئيس حكومة مقبل في تحسين العلاقات مع العرب، طالما أن إسرائيل بيتنا سيكون شريكا في الحكومة المقبلة. أما على صعيد التهديدات الخارجية فإن إسرائيل مازالت تواجه خطر التورط في حرب مع حزب الله ومع حركة حماس، وربما حرب واسعة النطاق مع سوريا وإيران، فضلا عن توتر في العلاقات مع الدول العربية المعتدلة والتي تقيم معها علاقات دبلوماسية مثل مصر والأردن.

الحكومة القادمة وقضايا العرب

ستلقي تشكيلة الحكومة الإسرائيلية القادمة -بلا شك- بظلالها على القضايا العربية، فمن المنطقي أن وجود ليبرمان في أي ائتلاف مقبل سيكون سببا في مزيد من التوترات مع مصر خاصة إذا ما تولى أيا من منصبي الخارجية أو الدفاع، فتصريحات ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا في السابق عندما كان في المعارضة كانت قد أثارت ردود فعل عنيفة في مصر بعد تهديده بقصف السد العالي واتهام مصر بأنها تدعم تهريب السلاح للفلسطينيين عبر أنفاق غزة. كما أن الأردن لا تظهر ارتياحا لأفكار ليبرمان الداعية إلى إخراج عرب 48 أو أغلبهم من داخل إسرائيل وإلحاقهم بالدولة الفلسطينية المنتظرة. بالإضافة إلى أن أفكار ليبرمان ونتانياهو حول معالجة القضية الفلسطينية والحوار مع السلطة لا يصب في صالح تهيئة الأجواء لاستئناف عملية السلام وتخفيف خطر تكتل الفلسطينيين تحت راية المقاومة كما تريد حماس. وتجدر الإشارة أخيرًا إلى أنه، سواء تشكلت حكومة ضيقة (الخيار الأول) أو حكومات موسعة (الخيارين الثاني والثالث) فإن السياسة الإسرائيلية لن تذهب بعيدا في عملية التسوية قبل أن تخوض حروبا صغيرة أو كبيرة لتعطي لنفسها فرصة أكبر لفرض إرادتها على أعدائها، سواء حماس أو حزب الله أو إيران وسوريا، كما لن يكون بوسعها حلحلة الكثير من القضايا الداخلية مثل العلاقة مع الأقلية العربية والزواج المدني وتغيير نظام الانتخابات نظرا لاختلاف الأحزاب الإسرائيلية الفائزة في الانتخابات الأخيرة حول هذه القضايا وترتيب الأولويات فيها وربما يؤدي ذلك إلى ما سمي في الثمانينيات بحكومات "الشلل الوطني".