خبر فرصة سلام أم وهمٌ بالسلام يروج له إنديك ..هاني المصري

الساعة 08:18 م|24 فبراير 2009

 

ـ الأيام 24/2/209

"نتائج الانتخابات الإسرائيلية قد تكون فرصة سلام"، هذا هو عنوان المقال الذي كتبه، مؤخرا، مارتن انديك، أحد مستشاري المرشح للرئاسة الأميركية باراك أوباما، وقد لا يتبوأ منصبا في الإدارة الأميركية الجديدة، إلا أنه سيبقى مقربا من الرئيس الأميركي أوباما.

ولمن لا يعرف انديك فهو رئيس "الايباك" الأسبق (اللوبي الصهيوني الأكثر تأثيرا في الولايات المتحدة الأميركية) وهو السفير الأميركي السابق في اسرائيل.

انديك سبق وقدم نصيحة لأوباما في ذروة حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، بعدم إعطاء الأولوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، خصوصا الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والاكتفاء بالتعامل معه كجزء من المقاربة الشاملة للمنطقة، وفقا للسياسة الأميركية التي اعتمدتها إدارة بوش السابقة أي الاكتفاء بإدارة الصراع دون المجازفة بحله لتجنب الضغط على اسرائيل، وهو يحاول الآن بعد حرب غزة التي مثلت سقوطا أخلاقيا إسرائيليا كاملا وأعادت القضية الفلسطينية الى موقع الصدارة في الاهتمامات الدولية، دعا الى الاهتمام الأميركي في ملف الصراع الشرق أوسطي، حتى لا يفلت زمام المبادرة من أيدي الولايات المتحدة الأميركية حتى لا تتحمل اسرائيل المسؤولية عما سيصيب عملية السلام من ضربة قوية جدا، وربما تكون قاتلة، يحاول انديك أن يروج لبضاعة فاسدة من الصعب جدا تسويقها وهي أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية قد تكون فرصة سلام، وهي محاولة لبيع وهم السلام مجددا، من خلال الابقاء على عملية السلام دون سلام.

وإذا نظرنا للحجج التي يقدمها في مقاله المذكور نجد أنه يقدم ثلاثة أسباب هي "بروز شعبية تسيبي ليفني، على رأس حزب "كاديما" الوسطي، وتجربة ولاية بنيامين نتنياهو المريرة في الحكم يوم كان على رأس حكومة ليكودية يمينية، وتقويم مواقف افيغدور ليبرمان من المساومة على الأرض تقويما دقيقا".

ويتابع انديك، فليفني ونتنياهو وليبرمان حازوا حصة الأسد في الانتخابات، وبمقدورهم أن يشكلوا حكومة وحدة وطنية؛ لأن تشكيل حكومة يمينية بزعامة نتنياهو يشكل كابوسا لزعيم الليكود. ويتابع انديك "أغلب الظن أن يقع نتنياهو، في حال شكل حكومة يمينية، بين سندان مطالب الإدارة الأميركية حول وقف الاستيطان والانسحاب من معظم أراضي الضفة الغربية، والتزام حل الدولتين، ومطرقة حلفائه وشركائه في الحكومة، وهؤلاء يرفضون المساومة على الأرض، والانسحاب منها. وفي هذه الحالة لن تدوم ولاية نتنياهو في رئاسة الوزراء طويلا ما لم يتحالف مع حزب كاديما، ومن شأن مثل هذا التحالف لجم مطالب الأحزاب اليمينية. اذا يبحث انديك في طريقة لانقاذ اسرائيل من نفسها ولا يكلف نفسه ــ كما يدعي ــ عبء انقاذ عملية السلام، فهناك عملية دون سلام. والمطلوب ابقاؤهما كذلك.

انديك يبرز حاجة الأحزاب الثلاثة للمشاركة في حكومة واحدة، ويركز على التقاطعات التي يمكن أن تجمع بينها، متجاهلا أن مثل هذه الحكومة إذا قامت يمكن أن يكون تسويقها أميركيا ودوليا أسهل، ولكنها لا توفر الحد الأدنى من متطلبات إطلاق عملية سلام جادة قادرة على التوصل الى اتفاق سلام، أو منع تدهور المنطقة نحو جولات جديدة من الفوضى والحروب والدمار والموت. فاسرائيل بعد الانتخابات أصبحت أبعد عن عملية السلام عما كانت قبلها، وهذه حقيقة ساحقة لا يمكن لانديك ولا لغيره أن يغطيها بغربال.

ويلوح انديك بأن حكومة وحدة وطنية تشارك بها أحزاب كاديما واسرائيل بيتنا والليكود بمقدورها إذا لم يبرز شريك فلسطيني مسؤول من رحم الأزمة الفلسطينية السياسية الراهنة إرساء السلام مع السوريين، عوض الفلسطينيين. وهذا ما سبق أن سعى إليه نتنياهو يوم حاول كلينتون حمله على إبرام اتفاق سلام مع الفلسطينيين. فهو باشر مفاوضات سلام مع السوريين، وتعهد بالانسحاب من هضبة الجولان. السؤال هو: هل التزم نتنياهو بتعهده؟ وهل هو قادر الآن على تقديم هذا التعهد مجددا؟ لا طبعا فأعضاء حزبه المتطرفون أكثر منه، وحليفه ليبرمان يمنعانه من ذلك.

ويهدد انديك الفلسطينيين باحتمال تركهم بقوله "والحق ان حمل أوباما على الانحراف عن مسار السلام مع الفلسطينيين الى مسار السلام مع السوريين، ومنح فلسطينيي الضفة الغربية "سلاما اقتصاديا" مثلما يخطط نتنياهو، يصب في مصلحة الإسرائيليين والأميركيين. فهذا الحل يقطع خطوط إمداد "حزب الله" بالسلاح الإيراني، ويزرع الشقاق بين إيران وسورية، ويحمل "حماس" على المهادنة، ويوفر غطاء لشبكة علاقات بين الدول العربية وإسرائيل".

اولاً نقول لانديك إن الذي حال دون السلام هو تعنت اسرائيل ومخططاتها التوسعية والعدوانية والاستيطانية، وثانيا الشريك الفلسطيني يمكن أن يكون جاهزا كما كان سابقا، اذا توفر شريك اسرائيلي لصنع السلام.

ان ما يروج له انديك مجرد أوهام بإمكانية وجود فرصة سلام رغم نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي تدل على أن ما يسمى أحزاب الوسط واليسار في اسرائيل والتي يمثلها حزبا كاديما والعمل أساسا، لا تختلف كثيرا عن أحزاب اليمين. والدليل الملموس على ذلك أن حكومة اولمرت تمارس الحكم منذ ثلاث سنوات ولم تستطع أن تحقق السلام لأن ما عرضته على الفلسطينيين لا يمكن أن يقبله أكثر الفلسطينيين اعتدالا، كما أنها واصلت السياسات الإسرائيلية السابقة العدوانية والتوسعية والعنصرية، التي بلغت ذروتها في شن حرب همجية وعنصرية ضد غزة. لا أعرف شخصيا ماذا بمقدور حكومة يمينية ضيقة بزعامة نتنياهو أن تفعل أكثر من ذلك.

ان الفرق الجوهري الحاسم بين حكومة وحدة وطنية إسرائيلية وحكومة يمينية ضيقة، أن الحكومة الأولى يمكن أن تبيع وهم السلام مجددا، بينما حكومة يمينية ضيقة ستكون مفضوحة وعارية أمام العالم بأسره، لذا قد يكون هذه المرة حدوث الأسوأ (تشكيل حكومة يمينية ضيقة) أفضل من حدوث السيئ (أي حكومة وحدة).

لسنا بحاجة الى شراء وهم السلام مرة أخرى، فقد اشترى الفلسطينيون والعرب هذا الوهم مرات ومرات خلال العشرين عاما الماضية ولم يقبضوا مقابله سوى المزيد من الاستيطان وخلق الحقائق الاحتلالية على الأرض التي تجعل الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد المطروح والممكن عمليا.

فما يطرحه حزب كاديما حول السلام وحل الدولتين ومسار انابوليس، كلام فارغ لم ولن يحقق السلام، وإنما ساعد اسرائيل على التنصل من تحمل المسؤولية عن الاحتلال، وجعلها تمضي في طريق تسويق نفسها عربيا ودوليا. فليفني زعيمة كاديما الذي يسمي نفسه حزب وسط متمسكة باللاءات الاسرائيلية، وتطرح مواقف، في بعض القضايا، أكثر تطرفا من اليمين الاسرائيلي نفسه. فهي ترفض عودة لاجئ واحد، وتعتبر أن الدولة الفلسطينية التي تقبل بها، هي الدولة التي تحقق المصالح الاسرائيلية، من خلال أن تكون وطنا قوميا لكل الفلسطينيين بما في ذلك فلسطينيو 1948، وهذه دعوة مبطنة لتهجيرهم من وطنهم الأصلي، وتدعو لضمان اسرائيل كدولة يهودية. ليفني تستعد للتفاوض حول القدس وغيرها من قضايا الوضع النهائي، ولكنها لا تقدم حلا على مائدة المفاوضات يستجيب للمطالب الفلسطينية أو لما هو موجود في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وبالتالي عمليا لا فرق جوهريا بينها وبين ليبرمان الذي يرفض التفاوض لأنه يرفض الاستجابة للحقوق الفلسطينية.

بعد ذلك بماذا تختلف ليفني عن ليبرمان وهي من أجل أن تفوز بكرسي رئاسة الحكومة وافقت لحزب اسرائيل بيتنا على معظم مطالبه اليمينية والعنصرية.

أما حزب الليكود، فهو الذي يدعو لاستكمال الحروب غير المنتهية التي خاضتها اسرائيل في لبنان وغزة، والاستعداد لخوض حرب ضد ايران، وربما ضد سورية.

فالحكومة الاسرائيلية تحت رئاسة نتنياهو هي التي قضت على اتفاق اوسلو، وحزب الليكود الآن أكثر تطرفا عما كان عليه عام 1996، واسرائيل تمر في مرحلة تشتد فيها الرياح اليمينية واليمينية الأكثر تطرفا مما يجعل الاحتمال الأكثر ترجيحا أن تتجه نحو الحرب والتوسع والعدوان، فنحن الآن يا انديك امام اسرائيل عدوانية أكثر ولسنا أمام فرصة سلام!!