ظاهرة الإنتحار...هل الجانب الوعظي هو الحل؟

الساعة 03:31 م|05 يوليو 2020

د. محمد مشتهى

قضية الإنتحار ذات بُعد وطابع إنساني، وعندما ينتحر أحدهم فإن ذلك يُعتبر خسارة كبيرة وجُرح يلامس كل شخص عنده ذرة إنسانية، وبكل تأكيد ان المنتحِر لم يفعل ذلك من ترف بل بسبب ظروف طاحنة وقاهرة ألمت به، ومعالجة هذه الظاهرة لا تتم فقط من جوانب وعظية (مع أهميتها)، والأهم هو دور المجتمع المدني والتنظيمات في فتح أُفق للناس والتخفيف عنهم، فلا يُعقل أن يكون شخص يعيش كالملوك وآخر مسحوق لا يجد الخبز لأولاده، والكوارث المجتمعية عادة تحدث مع ظل عدم العدالة في التوزيع والظلم ومصادرة الآراء والقمع.

إن المخرج للأزمة هو الجهاد والمقاومة....كيف ذلك؟

الجهاد يفتح أُفق كبير في العقل والنفس البشرية ويُزيل كم هائل من الأمراض الاجتماعية وحتى الجسدية، وهو كفيل بمعالجة تلك الأمراض، فالجهاد يفتح باب العزة وكذلك يفتح أوتوستراد عريض للجنة، يفتح تلك الابواب بدون تنظير أو جهد أو محاضرات أو خُطَب، الجهاد يُشعِر الشخص بالتميز والترفع عن الآخرين، الجهاد يشعر صاحبه بغنى النفس فيصبح لا يرى كل هذه الدنيا، فتح الأفق للناس يتم من خلال الجهاد ومقاومة العدو الصهيوني الذي هو عدو لله وللدين وللوطن، والجهاد يعزز الانتماء والثقة بالنفس والثقة بالله عز وجل، أما في غياب قيمة الجهاد فإن الاشخاص سيذهبون لقياس أنفسهم مع الآخرين فيقولون هذا يأكل وهذا لا يأكل، وهذا يركب سيارة فارهة وهذا يمشي..وهكذا، وهذا يؤدي بالأشخاص للمتاهة والتوهان، فالصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يتحاسدوا في ظل حضور قيمة الجهاد بينهم، لأنهم يتطلعون لما عند الله من جنة وما فيها من قصور وحور عين ..الخ، وعندما يكون القلب معلقا بالجنّة فإنه لا يرى هذه الدنيا وما فيها، لذلك إنّ أقصر الطرق لعلاج ظاهرة الانتحار وغيرها من الظواهر المجتمعية المرضيَّة هو الجهاد، فالجهاد قيمته عالية جدا، والمجاهد يكون سعيد حتى باستشهاده، يكون سعيد حتى باستشهاد ابنه، لأنه يعلم أن ما عند الله خير وأبقى، فالوعظ الديني على أهميته لكنه ليس هو الحل الوحيد لقضية الانتحار، فالواعظ يقول للشخص: الرزق على الله والتوكل على الله، وتقوى الله، والانتحار هلاك للنفس التي حرم الله قتلها....وهكذا من أمور وعظية مهمة، لكن للاسف الواعظ لا يُعلِّم الشخص كيفية حل أزمته ومشكلته، الواعظ يقول للشخص أُخرج من الأزمة لكنه لا يُعلِّمه كيفية الخروج منها، لذلك مطلوب من المشايخ والعلماء والخطباء ليس ممارسة دور الوُعَّاظ فحسب، بل تعليم الناس ممارسة الجهاد والزُّهد، تماما كالأب الذي ينادي كل يوم على إبنه كي يدرس ويلجأ في بعض الأحيان لشتمه وضربه كي يدرس، بينما مطلوب من الأب أن يُعلم ابنه كيف يدرس وكيف يحل مشاكله بالتدرج، نعم القول له بأن يدرس ضروري لكنه ليس كافي، وكذلك الجانب الوعظي للناس ضروري لكنه ليس كافي، مثلا الشخص الذي عنده يأس لا يكفي أن تقول له: لا تيأس أو أخرج من اليأس، بل مهم أن تعلِّمه خطوات الخروج من اليأس.

فالمَخْرَج لحل العديد من المشكلات ومنها ظاهرة الانتحار هو الجهاد، فالمرض النفسي والجسدي والأخلاقي علاجه الجهاد، وبالجهاد الله عز وجل يفتح للشخص بابا للجنة ويُزيل به كافة الأمراض، لذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم قلوبهم معلقة بالجهاد، أما في غياب الجهاد أو تجميده تارة وفتحه تارة أخرى فإن الناس تنظر وتقارن بعضها ببعض فيتحول المجتمع لمجتمع عبارة عن نفسي نفسي، مجتمع فيه كراهية، ويصبح كله ضد كله، وهذه ليست بيئة صالحة للانسجام والتوافق النفسي، لذلك ظاهرة الانتحار تعتبر أزمة عامة، وتعليم الناس كيفية الخروج من أزماتها هو الأهم.

للأسف الكثير من المثقفين يذهب للقول: يجب كذا ويجب كذا ثم يجب كذا، مثلاً يذهبون للقول: يجب حل أزمة البطالة، ويجب توفير عمل، ويجب عمل كذا وكذا، دون أن يقدم هؤلاء المثقفين أي حلول، كما قال الشاعر محمود درويش في وصف هؤلاء:

يجب الذهاب الى اليمين

يجب الذهاب  الى اليسار

يجب التمترس في الوسط

يجب الذي يجبُ

 

لذلك على المثقفين ألا يطالبوا بالعدالة فقط بل أن يقولوا للناس وللمسؤولين كيف يمكن تطبيق العدالة، ألا يطالبوا بعدم مصادرة حرية الرأي وهم أنفسهم بحاجة الى تعلُّم حرية الرأي لأنهم يصادرونها، *فلن يُطفئ النار الحديث عن الحريق*، لذلك الامور بحاجة الى خطوة الى الوراء مع مزيد من الانتباه، فالغريق عندما يدخل بدوّامة البحر لا يجوز الاكتفاء بالقول له يجب الخروج من الدوّامة بل من الضروري أن تمد يدك له لانقاذه من الغرق، لذلك تعليم الناس الجهاد وكيفية ممارسته على الأرض هو المُنقِذ لواقعنا وللكثير من الأمراض المجتمعية.