خبر الحوار الفلسطيني بين التفاؤل والحذر: النيّات متوافرة... والشيطان في التفاصيل

الساعة 06:35 ص|24 فبراير 2009

وسام متى

 

عشية انعقاد مؤتمر الحوار الفلسطيني في القاهرة، ما زالت التوقعات حول فرص تحقيق المصالحة الوطنية غامضة بعض الشيء. ويبدو الحذر، الذي يحيط بالأجواء الإيجابية التي شهدتها الأيام الأخيرة، مشروعاً بالنظر إلى فشل التجارب السابقة، وعدم اتخاذ أي من حركتي فتح وحماس سوى خطوات خجولة لتهيئة مناخ المصالحة.

لكن المتفائلين في امكانية تحقيق اختراق ينهي جانبا من مأساة الشعب الفلسطيني، الذي تشرذمت قيادته بين واحدة في الضفة وأخرى في غزة، يتحدثون عن عوامل دفع إيجابية من شأنها أن تجعل مؤتمر القاهرة هذه المرّة مختلفاً عن تجارب كثيرة سبقته.

ومن بين عوامل الدفع، التي يستند إليها المتفائلون، وصول مساعي التسوية السلمية إلى ما يشبه الطريق المسدود مع تشكيل حكومة يمينية في إسرائيل، والحرب الأخيرة على غزة، التي أفرزت واقعاً جديداً سواء في القطاع، حيث كرست حماس نفسها رقماً صعباً في المعادلتين الإقليمية والدولية، أو في الضفة، حيث أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تصاعداً في شعبية الحركة، والأهم من ذلك، التغيير الذي طرأ على موقف الإدارة الأميركية، التي أصدرت في اليومين الماضيين أكثر من تلميح استشف منه المراقبون ضوءاً أخضر لتشكيل حكومة وحدة.

أمّا غير المفرطين في التفاؤل، فيبدون خشيتهم من عوامل كبح قد تعرّض المؤتمر للفشل، إن لجهة عدم انعقاده أصلاً، أو لجهة عدم خروجه بالنتائج المرجوة. ومن بين عوامل الكبح تلك، استمرار موجة الاعتقالات والمضايقات بين فتح وحماس، وعدم اتخاذ الحركتين أية خطوة جدية لوقف الحملات المتبادلة بينهما، فضلاً عن التعقيدات الشائكة في ملفات الحوار، خصوصاً أن «الشيطان يكمن في التفاصيل».

وبحسب الدعوة المصرية الأخيرة للمؤتمر، فمن المتوقع أنّ ينطلق الحوار الفلسطيني غداً، بلقاء بين وفدي فتح وحماس، وذلك بهدف «تذليل العقبات»، على أن تنضم إليه في اليوم التالي باقي الفصائل، في «جلسة افتتاحية» ستشهد تشكيل لجان لمناقشة ملفات المصالحة تمهيدا للتوصل إلى اتفاق.

لا أحد يستطيع التكهن بما ستسفر عنه النقاشات، خصوصاً أن التجارب الماضية تقف عائقاً أمام أي تفاؤل مفرط. وفي هذا الإطار يقول الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية النائب مصطفى البرغوثي لـ«السفير» إنه من «المبكر الحديث عن توقعات خصوصاً أن الأمور ما زالت غامضة»، لكنه يرى أنه «بالنظر لما أسفرت عنه نتائج الانتخابات الإسرائيلية، لم يعد من المبرر على الإطلاق التقاعس عن تشكيل حكومة وحدة وطنية وقيادة وطنية موحدة للشعب الفلسطيني»، خصوصاً أنّ «الصراع مع الاحتلال أصبح مفتوحاً على مصراعيه، مع فشل المراهنات على اتفاقات مع إسرائيل وانهيار عملية أنابوليس».

ويشدد البرغوثي على أنّ الفلسطينيين اليوم في مرحلة «إدارة الصراع وليس حله، وهذا لا يمكن أن يتم بصفوف مقسمة». ويضيف البرغوثي أنّ «نجاح الحوار يعتمد على ثلاثة عناصر: أوّلاً إدراك عميق وجدي بضرورة إنشاء قيادة موحدة وليس الاستمرار في الصراع على سلطة تحت الاحتلال. وثانياً، القدرة والإرادة على الصمود أمام أي ضغط خارجي يسعى إلى إعاقة الوحدة الفلسطينية، وثالثا، أن يشمل الحوار الجميع وألا يستثني أحداً، لأن ذلك سيدل على مدى الجدية في أن يكون الحوار منتجاً».

ويضيف البرغوثي أن هناك تحديات كبيرة أمام الحوار، وهي تستوجب اتخاذ خطوات سريعة وجدية، أولها الإفراج الفوري عن كل المعتقلين السياسيين، سواء في الضفة أو في غزة، ووقف التراشق الإعلامي بين الطرفين، مشيراً إلى أنّ عدد المعتقلين هم بالمئات، وحتى الآن لم يتم الإفراج سوى عن العشرات.

بدوره، يرفض عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رباح مهنا الدخول في التوقعات، معتبراً أنّ المهم هو البدء بخطوات جدية لتحقيق المصالحة. ويشير مهنا لـ«السفير» إلى أنّ هناك بعض الخطوات الإيجابية قد اتخذت، سواء مع إعلان سلطة رام الله الإفراج عن عدد من معتقلي حماس، والمساعي التي تبذل مع حماس لوقف ممارساتها في حق حركة فتح، كما أن هناك «تهدئة» إعلامية بين الحركتين، لكنه يرى أنّ الأمر الجوهري هو القناعة بضرورة التوصل إلى برنامج وطني وتوحيد المؤسسات.

ويشدد مهنا على أنّ «الحرب الإسرائيلية على غزة وتشكيل حكومة يمينية في إسرائيل، يتطلبان العمل على توحيد الموقف». ويرى أنّ «إنهاء حالة الانقسام مفتاحه حركتا فتح وحماس، ويمكن تحقيقه من خلال تغليب الحركتين للمصلحة الحقيقية للشعب الفلسطيني، والتخلي عن ذهنية المحاصصة، ووقف الاقتتال على كعكة سلطة أوسلو، وهذا يستوجب التوافق أولا، على تفعيل وإعادة تنظيم منظمة التحرير الفلسطينية بحسب اتفاق القاهرة ووثيقة الحوار الوطني، لأنها الأساس»، معتبراً أنّ «ما جرى للمنظمة على يد القيادة المتنفذة وحركة فتح هو السبب الرئيسي لكل مشاكل الشعب الفلسطيني».

أمّا المواقف الأميركية الأخيرة، فيرى فيها مهنا جزءاً من التحرك المصري الذي يتماهى مع السياسة الأميركية، محذراً من استخدام الحوار لإدخال فصائل المقاومة في مسيرة التفاوض.

مؤتمر القاهرة، إن أراد له قادة الفصائل أن ينجح، لن يكون سوى محطة أولى في مسيرة يتوقع أن تكون طويلة وشاقة، فالدم الفلسطيني الذي أهدر في الصراع على السلطة، وما شهدته الساحة الفلسطينية من أحداث منذ وصول حماس إلى الحكم في كانون الثاني من العام 2006، والاتهامات المتبادلة بين الفرقاء، التي بلغت أحياناً حد التخوين، واصطفاف هذا الفريق أو ذاك في محوري «الممانعة» و«الاعتدال» الإقليميين.. كل ذلك يجعل المصالحة صعبة أكثر من أي وقت مضى، رغم أنها ليست بمستحيلة إذا ما توافرت الإرادة لتحقيقها.