خبر التحوّل الإسرائيلي من الصهيونية إلى اليهودية .. محمد السمّاك

الساعة 11:28 ص|23 فبراير 2009

بقلم: محمد السمّاك

بعد الانتخابات العامة التي جرت في إسرائيل، بات من الطبيعي طرح السؤال التالي: من كان الرابح، ومن كان الخاسر؟. غير أنه قد يكون من غير الطبيعي أن يكون الجواب على هذا السؤال هو أن الخاسر كان الصهيونية، وأن الرابح كانت اليهودية.

لقد كرّست نتائج الانتخابات هزيمة الصهيونية كحركة سياسية يقودها يهود علمانيون. أما الوجه الآخر لهذه الهزيمة فيتمثل في تكريس يهودية "الدولة" الإسرائيلية بقيادة متعصبين من اليهود.

هذا يعني تراجع إسرائيل عن المشروع القومي الى المشروع الديني، وتحولها من العنصرية القومية الى العنصرية الدينية. لم يحدث ذلك بقرار سياسي اتخذته الحكومة الإسرائيلية أو أي من أحزابها السياسية المتنافسة، ولكن الخطورة فيه تنطلق من كونه قراراً اتخذه الإسرائيليون أنفسهم وكرّسوه في الانتخابات التي جاءت بأقصى المتطرفين في أحزاب "الليكود" و"كاديما" و"بيتنا إسرائيل". أما حزب العمل الذي حكم إسرائيل منذ إقامتها على الأرض الفلسطينية المحتلة، فقد أصبح من الأحزاب الأشد ضعفاً والأكثر تراجعاً، والأقل عدداً وتأثيراً في الكنيست (البرلمان).

ففي حسابات الناخب الإسرائيلي أن الصهيونية فشلت في تحقيق أحلام اليهود بإقامة دولة فوق ما يعتبرونه الأرض الموعودة؛ فقد اضطرت حكومة إسرائيل ليس فقط الى الانسحاب من غزة، بل الى تفكيك بعض المستوطنات والى القبول، بل الى المناداة، بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة. وهذا الفشل يعني عملياً تبدّد حلم مشروع الدولة من النيل الى الفرات، بل وسقوطه والإقرار بهذا السقوط. فالتخلي عن أراضٍ يعتبرها اليهود جزءاً من الوعد الإلهي (المزعوم) لا تقتصر أهميته على مساحة هذه الأراضي أو على موقعها، ولكن هذا التخلي من حيث المبدأ يطعن بشرعية قيام "الدولة الدينية" من الأساس، ويطعن بهويتها التوراتية.

كذلك فشلت الصهيونية في بناء الهيكل اليهودي على أنقاض المسجد الأقصى ـ حتى الآن على الأقل ـ وهو الشرط اللازم لظهور المسيح اليهودي الذي ينتظره اليهود، الذين ينكرون أن المسيح عيسى ابن مريم هو المسيح الموعود.

صحيح أن الصهيونية نجحت في إقامة دولة عسكرية تتمتع باقتصاد عصري قوي، إلا أنها فشلت في تحقيق الأمن رغم مرور ستين عاماً على قيامها.

أدى هذا الفشل الى استقواء الحركة الدينية اليهودية التي جاءت الانتخابات الأخيرة لتلقي ضوءاً ساطعاً على المرحلة التي وصلت اليها في التقدم على الحركة الصهيونية.

فالصراع الحالي بين الحركتين الدينية والقومية يدور حول الموقف من مبدأ التسوية السياسية مع الفلسطينيين خاصة ومع العرب عامة.

لقد وافقت إسرائيل الصهيونية على مبدأ التسوية وإن لم تسمح لها بأن تصل الى أي نتيجة. غير أن التطورات الأخيرة التي أثبتت ان إسرائيل غير قادرة على فرض شروطها بالقوة العسكرية ـ لا في لبنان ولا في غزة ـ، دفعت بإسرائيل باتجاه قبول المبادرة العربية التي أقرّتها القمة العربية في بيروت في عام 2003. ومما عزّز هذا الاتجاه فشل الإدارة الأميركية السابقة برئاسة الرئيس جورج بوش في نسف هذه المبادرة رغم كل المحاولات السياسية والعسكرية التي قامت بها لحماية الرفض الإسرائيلي لها. وعزّز ذلك أيضاً التحرك السريع للإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس باراك أوباما في محاولة منها لتحقيق التسوية على أساس هذه المبادرة بالذات ـ ولو بعد إدخال بعض التعديلات عليها ـ لتكون التسوية مدخلاً الى تطبيع العلاقات الأميركية مع العالم الإسلامي والتي بلغت درجات خطيرة جداً من التدهور.

ولما كانت إسرائيل ـ الصهيونية ملتزمة بالخطوط العريضة للستراتيجية الاميركية، فقد بات متوقعاً أن تعيد النظر في تصلّبها من المبادرة العربية مما يعني عملياً الانفتاح على مبدأ قيام دولة فلسطينية وحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين.

إلا أن الانتخابات العامة الأخيرة وجهت بنتائجها ضربة شديدة الى هذا الأمر، ودفعت بإسرائيل اليهودية الى مزيد من التصلّب والتشدّد على قاعدة إعادة الاعتبار الى الأسس التوراتية الثلاثة للدولة، وهذه الأسس هي:

لا دولة سوى إسرائيل من النهر (الأردن) الى البحر (المتوسط).

القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل.

إسرائيل دولة يهودية (صافية) لجميع يهود العالم.

يعني الأساس التوراتي الأول أن لا دولة فلسطينية على أي جزء من الأرض الموعودة(؟). وأنه إذا كان لا بد من دولة فلسطينية، فالبديل هو الأردن.

ويعني الأساس الثاني أن لا شراكة مع اليهود في القدس، وأن المدينة المقدسة هي مقدسة بيهوديتها ولأنها يهودية، وأنه لا يكفي أن تكون القدس مجرد مدينة وعاصمة، ولكنها يجب أن تكون يهودية حجراً وبشراً.

ويعني الأساس الثالث أن لا بقاء لعرب 1948 داخل الخط الأخضر (داخل إسرائيل). فالحضور العربي هو بالنسبة لليهود بمثابة قنبلة ديموغرافية موقوتة تهدّد هوية الدولة اليهودية إذا جرى استيعاب الفلسطينيين فيها. أما إذا لم يستوعبوا ولم يمنحوا حقوق المواطنة، فإن ذلك سوف يشوّه ويشوهون سمعة إسرائيل ونظامها الديموقراطي. ذلك أن مجتمعاً متعدداً لا تستقيم فيه الديموقراطية ما لم يتمتع كل المواطنين بحقوق متساوية على عكس ما هو قائم حالياً. ومن هنا يطرح مبدأ "الترانسفير" وهو يعني تطهير عرقي يستهدف إبعاد بقية الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين، تحقيقاً لصفاء الدولة اليهودية.

من هنا السؤال: كيف سيتعامل العالم العربي مع هذا الواقع الإسرائيلي الجديد؟.

يتمثل هذا الواقع بأمرين أساسيين: الأول هو المزيد من التطرف اليهودي في رفض الحقوق الفلسطينية على قاعدة دينية، أما الثاني فهو المزيد من التطرف الإسرائيلي في استخدام القوة العسكرية على النحو الذي جرى أخيراً في غزة.

يعكس هذان الأمران معاً الحالة النفسية التي تسود المجتمع الإسرائيلي بأكثريته التي عبّرت عنها الانتخابات الأخيرة. وهي حالة "السايكوبات" التي يحددها قاموس "هريتج" الأميركي بأنها "المعاناة من اضطراب في الشخصية يتجلى في سلوك معادٍ للناس وللمجتمع".

ومما يؤكد هذه الحالة ان الإسرائيليين مارسوا "السادية" في غزة بمعنى الشعور بالسعادة من خلال تعذيب وقهر الآخرين. وقد سجلت صور فوتوغرافية ومشاهد تلفزيونية حية تعكس هذه السادية بشكل جلي وواضح.

ومما يؤكدها أيضاً أن الإسرائيليين استخفّوا بردّ الفعل العالمي المستنكر للجرائم الجماعية التي ارتكبوها على قاعدة شعورهم ـ بل وإيمانهم ـ بأنهم فوق القانون الدولي، بل وفوق البشر!.

وفي خضم الانقسامات العربية العربية ، ومع اختيار القمة العربية مبدأ السلام كاستراتيجية وحيدة للتسوية مع إسرائيل، ترتفع علامات استفهام أولاً حول ما إذا كان يجوز أن يبقى هذا الخيار، خياراً وحيداً. وثانياً حول الكيفية التي ستتعامل فيها دول العالم مع إسرائيل الجديدة عندما يتكرس تحوّلها الى دولة دينية لا ديموقراطية. وثالثاً حول موقف المنظمات والحركات الصهيونية في المجتمعات الغربية وبخاصة في أوروبا والولايات المتحدة التي لا تخفي قلقها من تصاعد التطرف الديني اليهودي داخل إسرائيل وتآكل النفوذ الصهيوني فيها.

إن هذا التحوّل الجذري الذي تعيشه إسرائيل ما بعد الانتخابات الأخيرة يضع العالم العربي، بل إنه يضع العالم كله، أمام معطيات جديدة، فأي خيارات سوف تتولّد عن هذه المعطيات؟!.