خبر د. أسعد أبو شرخ يكتب : رسالة الهرولة إلى « كيري » في غزة!

الساعة 06:13 ص|22 فبراير 2009

أكاديمي وكاتب فلسطيني - جامعة الأزهر بغزة

 

هل كان من الصواب تسليم هذه الرسالة إلى السناتور الأمريكي كيري الذي يقوم بزيارة إلى قطاع غزة المنكوب، بغض النظر عمن أرسل هذه الرسالة سواء كانت حركة حماس أم الحكومة المقالة أم أي جهة أخرى؟! إن هذه الرسالة التي سلمت بيد مرتجفة مهرولة ومجهولة جعلت الأمر في البداية ينسب إلى حماس التي سارعت إلى النفي فخرج من يقول إن من وراء هذه الرسالة هي الحكومة المقالة! يتساءل رجل الشارع المذهول هل هناك من فرق بين حماس والحكومة المقالة لوناً وفكراً؟! إذا كان بعض "المعتدلين" أو العقلاء" أو " الدبلوماسيين" يرون تسليم الرسالة إلى السناتور كيري الذي تجاهل تماماً وقصداً حماس وحكومتها في تصريحه من داخل غزة، فهل كان هذا هو الأسلوب الوحيد لإيصال الرسالة، أي عن طريق وكالة الغوث؟! ولماذا فعلاً لم يتم إرسالها كرسالة مفتوحة عبر وسائل الإعلام أو عبر البريد الإليكتروني ليعرف الناس فحواها ومعناها ومبناها؟! ولماذا أولاً وقبل كل شيء يهرولون بهذه الطريقة الذليلة ويستجدون شخصاً رفض في الأساس أن يقابل الممثلين المنتخبين، إن لم يكن الحكومة، فعلى الأقل أعضاء المجلس التشريعي، بصفته عضواً في هيئة تشريعية أمريكية؟!

 

هل إرسال مثل هذه الرسالة هو الأسلوب الذي يعكس إرادة قوى المقاومة والنضال والتحرير والصمود الذي أبداه الشعب الفلسطيني أثناء العدوان الصهيوني والأمريكي على قطاع غزة؟! أم أنه ينطلق من منطلقات حزبية ضيقة، تتسابق مع الآخرين لكسب ود الراعي الأمريكي، ليتكرم بالجلوس معها وتقدم نفسها على أنها أفضل من الطرف الفلسطيني الآخر الذي جربه الأمريكان؟! وهل تعتقد هذه الجهة التي أرسلت "الرسالة الغلط" أن الأمريكيين يمكن أن يتعاملوا معهم، بأفضل مما تعاملوا مع من سبقهم؟! أشعر أن هناك بعض الهواة الذي يحاولون أن يجعلوا من القضية الفلسطينية "حقل تجارب"، ربما بسبب بريق السلطة الوهمية والمناصب السرابيه التي يتبوؤون، أو بسبب قلة الخبرة أو قصر النظر أو أسباب أخرى لا أعرف الحكمة من ورائها!

 

إن كيري جزء من منظومة النظام الإرهابي الأمريكي (أي إرهاب الدولة) التي تمارسه أمريكا، والتي مارسته فعلاً على الشعب الفلسطيني في المحرقة الأخيرة حيث الفوسفور الأبيض الذي استخدمته إسرائيل ضدنا والذي كان أمريكياً، بل إن الأمريكيين نصحوا الإسرائيليين باستخدامه ضدنا لأنهم أنفسهم سبق وان استخدموه ضد شعبنا العربي العراقي، وخاصة في منطقة الفلوجة وكذلك طائرات الـ 15، 16F  و 35F والأباتشي طائرات أمريكية الصنع والتدمير، وكذلك الصواريخ والدبابات والبوارج بل ورصاص Dime واليورانيوم المنضب بل والتخطيط العسكري، والضوء الأخضر لغزو قطاع غزة كان أمريكياً. فأمريكا متورطة مادياً ومعنوياً وبالفيتو، بل إنها لم تصدر أي تصريح يدين المحرقة الصهيونية ضدنا!!!

 

إن من يجري وراء الأمريكان هو كمن يجري وراء السراب يغط في حلم جميل، ليستيقظ على كابوس قاتل! لقد وصلت الوقاحة والصفاقة بكيري أن دافع عن وجهة النظر الإسرائيلية أثناء زيارته إلى عزبة عبد ربه، بل واتهم المقاومين والمناضلين الفلسطينيين بالإرهاب فيما لم نسمعه يدين أو يشجب المحرقة الصهيونية. نعم إنها محرقة كما وردت على لسان بعض مجرمي الحرب الصهاينة!

 

فبدلاً من رسالة العار هذه التي تزيد من أرسلها إذلالاً على إذلال، كان يتوجب أن يستقبل بطريقة منتظر الزيدي، وأن تقوم المظاهرات في وجه هذا الأمريكي البشع لأنه يتحمل وإدارته الأمريكية الإرهابية حرب الإبادة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، ولا يجب أن ننسى أن هذا السناتور كان أثناء حملته الانتخابية من أشد المتحمسين لإسرائيل والمدافعين عن عدوانها على الفلسطينيين والعرب.

 

يرى الناس أن المطلوب ليس استبدال سلطة بأخرى، أو حكومة بأخرى أو أفراد بأفراد لنيل شرف التواصل مع الأمريكيين، مع علمنا أن التجربة السياسية والتفاوضية لحماس أو للحكومة المقالة قد لا تستوي وتجارب الآخرين ممن سبقوهم، حنكةً وخبرة ودهاءً وقدرةً ومناورة.

 

إن هذه العقلية التي تريد أن تبدأ من الصفر لن تفيد الشعب فتيلاً، بيد أن بريق السلطة وغوايتها قد تجعلها تفكر بغير ذلك.

 

إن الحفاظ على دماء الشهداء الذين سقطوا بالرصاص والقنابل والصواريخ والطائرات الصهيو أمريكية، والحفاظ على مشاعر أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان، خاصة قطاع غزة المنكوب، وكذلك الحفاظ على روح المقاومة والصمود والثبات على المبادئ لا يكون بالجري وراء السراب واللهاث وراء كيري أو غيره وبيع الناس وهماً بأن هؤلاء قد يبدأون مباحثات أو مفاوضات مع حماس أو الحكومة المقالة، ثم ماذا يجدي هذا الحوار أو المباحثات أو المفاوضات أو حتى العناق والتقبيل مع الأمريكيين حيث يتماهى القاتل والمقتول؟! ربما تفيد الأشخاص القائمين عليها والراغبين فيها فحسب، على حساب القضية الفلسطينية كما أثبتت الأحداث والظروف حتى الآن.

 

أقول بالنصيحة لا تقدموا أنفسكم بيادق في يد الأمريكيين والآخرين وتكررون التجارب السابقة نسخاً بائسة وناقصة منها.

 

إن تجربة العدوان الصهيوني الأخير تثبت، في كل دقيقة أننا لسنا بحاجة إلى سلطة أو حكومة لا تملك من أمرها شيئاً، بل المطلوب إقامة جبهة مقاومة عريضة يساهم بها الكل الوطني، وحل الحكومة هنا وهناك، بل وحل السلطة التي أصبحت عبئاً على الشعب الفلسطيني، كما وصفها الكاتب الإسرائيلي نيف جوردن في كتابه الاحتلال الإسرائيلي Israel's Occupation الصادر عن جامعة كاليفورنيا 2008 حيث قال: بأن إسرائيل أرادت من السلطة الفلسطينية - بغض النظر عمن يكون بها - أن تكون "متعهداً من الباطن للسيطرة على الشعب الفلسطيني وضبط الأمن لصالح إسرائيل".