خبر أوهام تغيير نظام الحكم في إسرائيل ..برهوم جرايسي

الساعة 12:28 م|21 فبراير 2009

ـ العرب القطرية 21/2/2009

رسّخت الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في العاشر من الشهر الجاري الأزمة السياسية الحادة التي تعانيها إسرائيل، وبشكل خاص في السنوات الـ14 الأخيرة، ولكنها أفرزت أيضاً أزمات أخرى كانت متوقَّعة قبل الانتخابات، ما جعل الحديث عن «ضرورة تغيير نظام الحكم» قضية مركزية بعد أيام قليلة من الانتخابات التي كان من المفترض أن تضع حداً للأزمة السياسية أو تقلل من حدتها.

والأزمة الأولى التي أفرزتها الانتخابات الإسرائيلية أنها أبقت على برلمان مكون من 12 كتلة برلمانية تتقاسم بتفاوت المقاعد الـ120 فيه، إلا أن أياً من الأحزاب الكبيرة لم ينجح في الوصول حتى إلى ربع المقاعد، إذ حصل حزب «كاديما» على 28 مقعداً، و «الليكود» على 27 مقعدا، وكثرة الأحزاب مع هذا التبعثر في توزيع المقاعد، تسهم بشكل كبير في عدم استقرار أية حكومة ستنشأ في الأيام المقبلة.

والأزمة الثانية، رأيناها في داخل معسكر اليمين المتشدد، وهي أيضاً كانت متوقعة قبل الانتخابات، إذ إن التكتل اليميني المتشدد، من 6 أحزاب، الذي أفرزته الانتخابات ويسيطر على أغلبية برلمانية واضحة (65 من 120 مقعداً) تبين أنه متفق في الجانب السياسي الخارجي، ولكنه متناحر على صعيد القضايا الداخلية، مثل الصراع العلماني الديني الذي عاد ليحتد من جديد، حول قوانين الزواج وتعريف من هو يهودي، وقضايا الحلال وحركة المواصلات أيام السبت وغيرها.

وبشكل خاص فإن القضية الثانية من شأنها أن تؤدي إلى قلاقل جديّة داخل أية حكومة يمينية، لأن التجربة في إسرائيل أثبتت أنه في ظل توافق سياسي تجاه الخارج، تتفجر الأزمات الداخلية الكثيرة.

وكما ذُكر، فقد قاد هذا إلى الحديث مجدداً عن «ضرورة تغيير نظام الحكم»، وهي قضية طُرحت على الحلبة السياسية الإسرائيلية منذ حوالي 20 عاماً، وبحثت إسرائيل الكثير من الأساليب التي تعتقد أنها من خلالها تنهي أزمة تبدل الحكومات المتسارعة، فخلال 60 عاماً جرى تشكيل 30 حكومة إضافة إلى المقبلة، وهذا غير أنه خلال هذه الفترة جرت انتخابات برلمانية 18 مرة، غالبيتها الساحقة مبكرة، علماً بأن الولاية البرلمانية الكاملة هي من أربع سنوات.

وفي منتصف سنوات التسعينيات انتقلت إسرائيل إلى نظام الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة، في حين أبقت على المنصب الفخري لرئيس الدولة، واعتقدت الحلبة السياسية الإسرائيلية أن الانتخاب المباشر هذا -إضافة إلى الصلاحيات التي من الممكن وضعها بيد رئيس الحكومة- يؤدي إلى أن تُحل الأزمة، وأن تضغط على الأحزاب الصغيرة كي لا تبتز أكثر في مفاوضات تشكيل الحكومة.

إلا أن هذا الأسلوب عمّق أكثر حالة التشرذم السياسي والتفكك البرلماني، وكي يضمن المرشح لرئاسة الحكومة فوزه بالمنصب راح يفاوض الأحزاب الصغيرة حتى قبل الانتخابات، ما خلق أزمات من نوع آخر، حتى اقتنعت إسرائيل في العام 2002 بضرورة العودة إلى النظام الذي كان قائماً من قبل.

واليوم يجري الحديث عن تغيير النظام في اتجاهين، الاتجاه الأول: هو السعي إلى تحويل إسرائيل إلى دولة رئاسية جمهورية، بمعنى منح رئيس الدولة صلاحيات تنفيذية، وهذا الاتجاه يتبناه زعيم حزب «يسرائيل بيتينو» اليميني العنصري أفيغدور ليبرمان، ولكن الأحزاب الكبيرة لا تتحمس لهذا النوع من النظام.

أما الاتجاه الثاني، فإنه يدعو إلى تغيير طريقة نظام الانتخاب البرلماني، وهناك عدة مقترحات، الأول الذي يحظى بتأييد واسع، هو رفع نسبة الحسم التي هي اليوم %2 إلى %3 وحتى %4، وهذا أمر موجه بالذات ضد فلسطينيي 48، الذين يشكلون %13 من ذوي الاقتراع، بينما هم %17 من مجموع السكان، ويتمثلون اليوم بـ11 مقعداً من خلال ثلاث كتل برلمانية.

أما الاقتراح الثاني في هذا الاتجاه فهو يدعو إلى اتباع طريقة الانتخابات مناصفة بين النسبية العامة والمنطقية، بمعنى التنافس على ممثلي المناطق الجغرافية، مع إمكانية إضافة عدد مقاعد البرلمان من 120 إلى 150 مقعداً.

هذا الاقتراح بالذات سيصطدم بقوة مع طبيعة المجتمع الإسرائيلي المتفكك، فهو وإن كان موجَّهاً بالأساس لمحاصرة تزايد التمثيل الفلسطيني في البرلمان الإسرائيلي، فإنه سيكشف عن حدة الصراعات الداخلية الإسرائيلية، إذ إن هذه الطريقة ستضرب بالأساس التمثيل الطائفي لليهود في الكنيست، وستمنع تمثيل قطاعات مختلفة من داخل المجتمع اليهودي، مما سيؤجِّج الصراعات الداخلية بشكل أكثر حدة.

إذ إن المجتمع اليهودي يعج بمجموعات مهاجرة من دول عربية وإسلامية، وأخرى من دول أوروبية وأميركية، إضافة إلى التباين بين مجموعات المهاجرين حسب سنوات وصولها إلى إسرائيل، وغيرها من التعقيدات الكثيرة في داخل هذا المجتمع، التي وجدت لها تمثيلاً ضمن الأحزاب الكبيرة، أو من خلال أحزاب صغيرة تمثلها مباشرة، واتباع الاقتراح الثاني سيضع حداً لتمثيلها هذا.

قد تظهر مقترحات وتختفي أخرى، ولكن كل هذا يبقى في إطار بحث إسرائيل عن حلول سطحية لأزمات جوهرية تعانيها إسرائيل منذ اللحظة الأولى لقيامها، فإسرائيل وبعد 60 عاماً على قيامها تثبت عدم نجاحها في صهر مجتمع متجانس، وهو لا يزال عبارة عن مجموعات مهاجرة أو طائفية متفككة داخلياً، حتى وإن ظهرت للخارج وكأنها متوافقة سياسياً.

ولكن الأزمة الجوهرية الأهم التي تعانيها إسرائيل، هي قضية الصراع الإقليمي، خاصة اصطدامها بقوة بالقضية الفلسطينية، التي تسعى لإنهائها من خلال القوة والحروب والاحتلال والاستيطان، رغم اعترافها الداخلي بأن هذا لن ينهي الصراع، وهذا التناقض الداخلي يدخلها في متاهات سياسية ومجتمعية عميقة.

إن كل الحديث عن تغيير نظام الحكم، هو محاولة من إسرائيل لتأجيل الانفجار الكبير لأزماتها الداخلية والخارجية، وهي تدرك في الوقت نفسه، أنها إذا كانت قد نجحت في الماضي في تأجيل تفجر الأزمات لسنوات طوال، فإن تراكم هذه الأزمات وزيادتها جعلاها تصارع أيضاً عامل الوقت الذي لم يعد يعمل لصالحها، ولهذا فإن إسرائيل باتت تقترب أكثر من أي وقت مضى من مرحلة ستحسم مصيرها المستقبلي.