خبر شهود من غزة: الجيش الإسرائيلي استخدمنا كدروع بشرية .. هآرتس

الساعة 12:18 م|20 فبراير 2009

بقلم: عميرة هاس

على سؤال "من هناك؟" جاء الرد: "جيش الدفاع الاسرائيلي". مجدي عبد ربه البالغ من العمر 39 عاما ضابط في المخابرات الفلسطينية في سلطة رام الله، الذي يقطن في حي عزبة عبد ربه شرقي جباليا في غزة، نزل لفتح الباب. قبالته وقف ابن الجيران محمود ضاهر ومن وراءه جندي، يغرز فوهة بندقيته في ظهره. الجندي ازاح محمود حينئذ وصوب بندقيته نحو مجدي. "هو امرني بان اخلع بنطالي ففعلت. هو طالبني بان ارفع قميصي للاعلى فرفعت. طلب مني ان استدير فاستدرت" قال مجدي وعندئذ امتلأت الغرفة بالجنود. "12 جنديا تقريبا".

هذا حدث في يوم الاثنين الخامس من كانون الثاني بين التاسعة والنصف والعاشرة صباحا، بعد بدء الهجوم البري الاسرائيلي على غزة بـ 40 ساعة. في يوم الاحد مساءا تموقع الجنود في بيت ضاهر. قبل ذلك جمعوا ابناء العائلة في الطابق الارضي. صوت الرصاص سمع في المحيط. بعد ذلك طلبوا منهم الصعود الى الطابق الاول. ابناء العائلة تساءلوا لماذا فعل الجنود ذلك – الاب والام والاولاد وطفلين وجدة عجوز – تحديدا لغرفة باردة وغير مريحة، ولكنهم لم يستطيعوا رفض الامر. حينئذ لم يكونوا يعرفون بعد ان الانتقال للطابق الاول قربهم من مدى النيران. في وقت لاحق ادركوا ان ثلاثة مقاتلين من عز الدين القسام كانوا يتواجدون في البيت الفارغ من الجهة الشمالية الشرقية التي يعود للجار ابو حاتم الذي سافر سكانه منذ زمن للخارج. منزل مجدي عبد ربه المرتفع ملاصق لمنزل ابو حاتم الضيق.

قبل ذلك في صبيحة يوم الاثنين، في السابعة تقريبا اخرج الجنود من المنزل شفيق ضاهر الذي يبلغ من العمر 53 عاما الذي يعمل مديرا ماليا ويتلقى راتبه من رام الله هو وابنائه الثلاثة. هنا انفصل الاب وابنائه عن بعضهم البعض. الجنود قادوا شفيق ضاهر الى منزل الجار جبر زيدان من الناحية الشرقية. الباب كان مفتوحا. هو وجد الجيران متزاحمين في غرفة واحدة. البحث هنا مثلما حدث في اربعة بيوت اخرى طلب منه ان يدخل اليها في ذلك اليوم جرى بصورة مشابهة: هو يسير في الامام والجنود من وراءه. احد الجنود يصوب بندقيته الى كتفه اليمنى ويضغط باصبع يده الثانية على يده اليسرى. يدخلون كل غرفة وكل طابق. جمعوا ابناء عائلة زيدان بعد ذلك في المنزل المجاور من الناحية الشرقية الذي يعود الى توفيق كاتري. الرجال والفتيان من 14 حتى 16 عاما قيدوا. بعضهم قيدت يديه للامام واخرون للوراء.

الجنود سيطروا على منزل كاتري في يوم الاحد مساءا في الرابعة من كانون الثاني. وهم ايضا الزموا بالبقاء في الطابق السفلي والنيران تطلق من حولهم طوال الوقت. في احد الطوابق العلوية تموقع الجنود وحولوا النافذة الشمالية الشرقية – القريبة من منزل ابو حاتم الى موقف لاطلاق النار. "كان هناك جندي طيب واحد قال لنا ان المكان الذي نجلس فيه خطير وازاحنا نحو الداخل" قالوا.

جمال خاف

قرابة الساعة التاسعة صباحا من يوم الاثنين اقتاد الجنود الابن جمال من منزل عائلة كاتري. خلال الايام الاربعة التالية تجول جمال هذا مع الجنود وادى عدة مهمات: طلبوا منه ان يدخل قبلهم الى المنازل وان ينادي اصحابها للنزول للاسفل. هو يقدر المنازل التي دخلها بعشرة بيوت. كما ان جمال سار امام الجرافة العسكرية العملاقة التي كانت تتجول في الحي مدمرة الطرقات. "انا خائف من ان يقوم الجنود من اطلاق النار علي" قال للجندي، فقال له هذا الاخير "لا تخف".

في هذه الاثناء، في يوم الاثنين صباحا واصل ضاهر اداء مهمات الحماية التي كلف بها لحماية جنود جيش الدفاع الاسرائيلي. هو لم يعرف ان ولديه الكبار يتجولون في الوقت ذاته مع مجموعتين اخريين من الجنود مطالبين بفتح ثغرات في جدران المنازل بواسطة المطارق الثقيلة التي اعطيت لهما. هو ايضا لم يعرف ان جنديا كان في الوقت ذاته يصوب بندقيته بظهر ابنه الثالث قبالة بوابة مجدي عبد ربه كما اسلفنا. مجدي نفسه وبعد ان طولب بفتح ثغرة في الجدار الفاصل بين سطحه وسطح الجيران طولب بفتح ثغرات اخرى في عدة منازل مجاورة للمسجد، واقتحام السيارة المجاورة وتفتيش منزل زيدان، وحينئذ جلب لمنزل عائلة كاتري حيث قابل شفيق ضاهر هناك وقال له ان ابنه بخير.

طولب بالانصياع

في الساعة الثانية ظهرا اقتاده جندي نحو الخارج واشار الى منزل ابو حاتم قائلا له كما يقول: "في هذا البيت مسلحين لقد قتلناهم، فلتنزع ملابسهم ولتأخذ سلاحهم". في البداية رفض الامر وقال ان هذا ليس عمله. "فلتنصاع للاوامر" قالوا له. هو انصاع ونزل الى منزل ابو حاتم من منزله صارخا بالعربية انه صاحب البيت. هو وجد ثلاثة مسلحين من عز الدين القسام احياءا جدا. هم طلبوا منه ان لا يعود اليهم "لاننا سنطلق النار عليك".

هو عاد للجنود، وطلب منه ان ينزع ملابسه وان يستدير، وحينئذ قال لهم ان الثلاثة احياء. الضابط الذي فوجىء من الامر اراد معرفة هويته فاكتشف انه من المخابرات الفلسطينية التابعة لابو مازن حينئذ قيدوه ووضعوه جانبا وسمع اطلاقا للنار. حينئذ ارسلوه مرة اخرى للتأكد مع نفس التهديدات ونفس الوعود بان الثلاثة قد قتلوا الان. هو وجد ان احدهم قد اصيب وان الاثنين الاخرين على ما يرام. احد مقاتلي حماس قال له: "قل للضابط انه ان كان رجلا فليصعد الينا".

الجنود لم يشعروا بالرضى مما سمعوه. احدهم اخذ يشتم كما يقول قيدوه مرة اخرى ووضعوه جانبا. الظلام بدأ يخيم وهو سمع صوت مروحية وصوت صاروخ ينفجر، فقال له الجندي: لقد قتلناهم الان بالصاروخ هيا. هو جاء ورأى ان الصاروخ قد اصاب منزله المجاور. "انت مجنون"؟ سأله الجندي. "لا"، قال له مجدي عبد ربه "الصاروخ اصاب منزلي انا" وكل شيء قد تحطم هناك: المياه تسيل والاسمنت يتدحرج ومن حوله اطلاق نار لا يتوقف "ليس طبيعيا" واصوات انفجارات كثيرة وصوت مروحية وانفجارات.

تعرى مرة اخرى

عندما طلب من مجدي ان يتحقق مرة ثالثة من قتل عناصر القسام، كان الظلام قد خيم. الجنود اضاءوا له الطريق فاكتشف اثنين من المسلحين تحت الانقاض والثالث يمسك السلاح بيده. هذا الامر حدث قرابة منتصف الليل بين يومي الاثنين والثلاثاء وعاد للجنود وتعرى مرة اخرى واستدار ليقول لهم بان الثلاثة احياء. "انت مجنون؟". سألوه . "لا انا لست مجنونا، انا اقول لكم ما رأيته" رد عليه. جائع عطشان والاوجاع الفظيعة في راسه، اعيد مجدي الى منزل عائلة الكاتري.

في الساعة السادسة والنصف صباحا اقتادوه مرة اخرى نحو الخارج، وفي المنطقة المقابلة كان هناك ما كان بيته في ماضي الايام. الجنود جلبوا مكبر صوت وبدأوا يصرخون كما يقول: يا مسلحين امامكم 15 دقيقة لتسليم انفسهم فلتنزلوا وتخلعوا ملابسكم، الصليب الاحمر، والصحافة هنا، ونحن سنعالج الجريح. الجنود ارسلوا كلبا للمنزل المدمر، احد المسلحين اطلق النار فقتله. المسلحون شرعوا مرة اخرى بالصراخ عليهم مطالبين اياهم ان يخرجوا من المنزل. الرد لم يأتي. "حينئذ جاءت جرافة وتوجهت نحو البيت لتبدأ في هدمه امام عيني".

الجنود اعادوه الى منزل الكاتري عندما بدأت الجرافة بتدمير منزل ابو حاتم. كان هناك اطلاق للنار وعندما اخرج بعد ساعتين مع مجموعة اخرى من الرجال وجد اثنين من المسلحين "موضوعين على الاسمنت المهروس موتى" هو لم يشاهد الثالث. "اي جيش هذا الذي لا يستطيع اقتحام منزل واحد مع مسلحين؟" سأل نفسه.

عشرين شخصا استغلوا للحماية، ثمانية من سكان عزبة عبد ربه تحدثوا مع صحيفة هارتس مدلين بشهادتهم بانهم قد طولبوا بمرافقة الجيش الاسرائيلي في مهمات اقتحام المنازل وفتح ثغرات فيها والبحث داخلها، هذا عدا عن ابناء العائلات الذين وضعوا في المنازل خلال استخدام الجيش لمنازلهم ذاتها كمواقع لاطلاق النار او كقواعد. حوالي عشرون شخصا من السكان في عزبة عبد ربه يقولون انهم طولبوا بتنفيذ مهمات "المرافقة والحماية" المختلفة على هذا النحو الذي فصل سالفا ولفترات زمنية مختلفة بين الخامس من كانون الثاني والثاني عشر منه.

الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي قال ردا عن ذلك: "جيش الدفاع الاسرائيلي هو جيش اخلاقي وجنوده يتصرفون وفقا لروحية الجيش الاسرائيلي وقيمه، ونحن نقترح عليكم ان تتأكدوا جيدا من ادعاءات الجهات الفلسطينية المغرضة. قوات الجيش الاسرائيلي أومرت بصورة قاطعة بعدم الاستعانة بالسكان المدنيين في اطار القتال من اجل تحقيق اي هدف كان وخصوصا ليس كدروع بشرية. التحقق من الامر الذي جرى مع قادة القوات التي تواجدت في المنطقة المذكورة، يظهر انه لا توجد اية دلائل للحوادث التي ذكرت. كل من يحاول اتهام الجيش الاسرائيلي باعمال من هذا القبيل يتسبب باعطاء انطباع خاطىء ومضلل عن الجيش الاسرائيلي ومقاتليه، الذين يتصرفون وفقا لمقاييس اخلاقية ولمعايير القانون الدولي".