هكذا يقتبس السنوار قصة الكرمة والنسر من سفر “العهد القديم”- هآرتس

الساعة 03:33 م|18 ابريل 2020

فلسطين اليوم

بقلم: رونيت مرزان- هآرتس 17/4/2020

منذ انتخاب يحيى السنوار رئيساً لحماس في غزة، يواجه تحديات وطنية وسياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية معقدة، تهدد المس بأحد مصادر القوة الرئيسية له ولحماس – التأييد الشعبي. فيروس كورونا وضعه ووضع حماس في مواجهة مع عدو من نوع جديد، يمكنه أيضاً أن يقوض حكمهما. وفي هذه المرة يعرف السنوار أن مفتاح الحفاظ على حكم حماس في القطاع لا يوجد فقط في أيدي الوزارات الحكومية أو كتائب عز الدين القسام، بل بالأساس في أيدي كل شخص من سكان غزة. ويكفي مصاب واحد ليصاب مخيم كامل للاجئين بالعدوى وبعد ذلك جميع القطاع.

في خطوة استثنائية، للمرة الأولى، جلس السنوار في 2 من الشهر الحالي أمام العدسات في استوديو قناة “الأقصى” الناطقة بلسان حماس، في حوار مفتوح مع الجمهور الفلسطيني. في اللقاء أجاب عن أسئلة أرسلها إليه الجمهور عبر الشبكات الاجتماعية و”واتساب”. بواسطة تأمين وباء كورونا وتبني خطاب العائلة وحقوق الإنسان، أمل في إقناع الجمهور الفلسطيني بتجديد الثقة بحماس. لقد اعتقد أن المنظمة بذلك ستحظى بعفو الجمهور لأنها حولت الكثير من الشباب في غزة إلى جيل يسير على العكازات وأرسلتهم للمشاركة في مسيرات العودة العنيفة، و كانت قاسية مع كثيرين لأنهم تجرأوا على الاحتجاج على ظروف الحياة السيئة في القطاع.

وقد توجه إلى السكان في غزة مثلما يتوجه إلى أبناء عائلته (“أبناء عائلتي”، أبناء بلادي” و”ناسي”). واعترف بشكل صريح بالفوضى والحرج اللذين ميزا الأيام الأولى من مواجهة كورونا. وقد أشركهم في الاعتبارات التي توجه إرسال أشخاص إلى الججر المنزلي أو المدارس أو الفنادق أو منشآت خاصة، ووصف أمامهم التضحية الشخصية للطواقم الطبية ورجال الأمن الذين يقفون في خط الدفاع الأول والذين لم يشاهدوا أبناء عائلاتهم منذ فترة طويلة. وقد طلب منهم الحرص على الوقاية واستخدام الكوفية، إحدى رموز النضال الوطني، كبديل عن الكمامة الطبية. ثم شرح لهم المنطق الوطني والإنساني والديني الذي يقف من وراء السماح بخروج مرضى السرطان لتلقي العلاج في مصر رغم الخطر الذي يكتنف ذلك. وطلب من المشاهدين التخلي لفترة معينة عن العادات والتقاليد التي ترتبط بالاحتكاك الجسدي وتفصل بتوسع الخطوات الاقتصادية والطبية المتبعة من أجل تخفيف معاناة السكان.

في موازاة ذلك، طلب من رجال الدين أن ينشروا في أقرب وقت فتاوى تحدد قواعد سلوك خاصة في شهر رمضان وعيد الفطر وموسم الحج من أجل منع الزيارات العائلية والتجمعات في المساجد. السنوار تحدث كثيراً عن المسؤولية الوطنية، لكنه في هذه المقابلة اختار عدم الربط بين المسؤولية الوطنية والتضحية بالنفس، بل على العكس، طلب من سكان القطاع الحفاظ على حياتهم لمنع انهيار “حصن الصمود” والمس بالأمن الوطني من أجل مستقبل مشروع التحرير والعودة.

 

ما لم تنجح في فعله منظمات المجتمع المدني في آذار 2018 عندما اقترحت على حماس والفصائل الأخرى تبني المقاومة الشعبية غير العنيفة والعمل لصالح السكان في غزة، فعله وباء كورونا. السنوار يدرك الآن أكثر مما كان في السابق بأنه يجب الإصغاء والتعامل بشفقة مع نشطاء الشبكات الاجتماعية، ويوضح لهم بأنهم عنصر رئيسي في تشكيل في صياغة قرارات قيادة حماس والحكومة، بل وأبلغهم بأنه من الآن فصاعداً، سيتم اعتقال نشطاء الشبكة فقط بأمر من قائد قوات الأمن وممثل وزارة الداخلية وذلك للحفاظ على حرية التعبير ومنع السلوك العنيف من قبل الأجهزة الأمنية.

السنوار ومحمد ضيف أيضاً يدركان بأن الواقع الجديد الذي خلقه وباء كورونا، يفرض على كتائب عز الدين القسام أن تضع نفسها في خدمة مهمات مدنية، مثل بناء ألف غرفة حجر للمصابين بكورونا، وزيارات بيوت الأشخاص الذين في الحجر للتأكد من أنه لا يوجد لديهم أي أعراض للمرض. وباء كورونا هو إذاً إشارة تحذير للسنوار وحركة حماس. فقد أوضح لهم بأن هناك عدواً قاتلاً أكثر من إسرائيل، وإذا بقوا على قيد الحياة فسيكون بعده لزاماً عليهم إدخال تعديلات بعيدة المدى في رؤيتهم للصراع مع إسرائيل، بما في ذلك تحويل جزء كبير من الموارد لزيادة القوة العسكرية إلى زيادة القوة المدنية والتقدم نحو تسوية سياسية بعيدة المدى مع إسرائيل.

ولكن من أجل حدوث ذلك، على القيادة الإسرائيلية التوقف عن الخطاب المتغطرس والمهين تجاه قيادة حماس في غزة. محظور المس بالصورة الوطنية للسنوار. لا يمكن عرضه كآخر الزعران الذي يأخذ الأتاوة من قطر وإسرائيل مقابل ضبط عسكري للنفس وتنازل عن المبادئ القومية، وعلى رأسها موضوع السجناء. كما أنه برفضه إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين يمنع دخول العلاج من إسرائيل إلى غزة، وأن نتوقع منه عدم تهديد إسرائيل أو مهاجمة زعمائها. السنوار الذي قضى في السجون الإسرائيلية أكثر من عشرين سنة، وقتل متعاونين مع إسرائيل بيديه، لن يسمح لأي سياسي في إسرائيل بعرضه كخائن، لا سيما في الوقت الذي تتعاظم فيه أزمة الثقة بين حماس وسكان غزة. لذلك، نجد السنوار يرد بغضب ويحذر بأنه إذا جاع الناس في غزة أو ماتوا بسبب عدم وجود أجهزة التنفس، عندها فإن 6 ملايين مستوطن إسرائيلي لن يتمكنوا من التنفس، وأن إسرائيل ستضطر إلى دفع “الأتاوة”.

مع ذلك، يرسل السنوار أيضاً وزير الدفاع الإسرائيلي لكي يقرأ الفصل الـ 17 من كتاب حزقيال من أجل تذكيره بما ينتظر إسرائيل إذا استمرت في إدارة ظهرها للفلسطينيين. وحسب المثال في هذا الفصل، فإن نسراً كبيراً زرع كرمة وتعهدها، ثم خوّنته لصالح نسر آخر. ولكن هذه الكرمة عوقبت وجفت. المشبه: ملك بابل الذي عين صدقياهو ونشر عليه حمايته، تمت خيانته من قبله لصالح فرعون، ملك مصر. وعملية الخيانة هذه أدت إلى خراب الهيكل الأول.

يبدو أن السنوار اختار مثال النسور من أجل أن يرمز إلى القيادة في إسرائيل بأنه يجدر بها البدء في احترام الاتفاقات التي وقعتها مع الفلسطينيين (حيث النسر شعارهم الرسمي)، والتوقف عن الركض نحو مصر (التي شعارها الرسمي هو النسر أيضاً) من أجل طلب المساعدة في إطفاء الحرائق التي تشتعل بين حين وآخر بين إسرائيل والفلسطينيين. السنوار يقدر أن قطر ومصر يمكنهما التضحية به ذات يوم ووضع زعيم مريح أكثر بدلاً منه. وعن طريق مثال النسور، فإنه يعطي إشارات لإسرائيل بأنه يمكن التنازل عن وساطة مصر وقطر والبدء في إجراء اتصالات مباشرة من أجل تبادل الأسرى والسجناء، وبعد ذلك التوصل إلى رفع الحصار عن غزة.