خبر كتب صالح النعامي : هكذا عرى ليبرمان محور « الاعتدال » العربي!

الساعة 11:32 ص|18 فبراير 2009

عند تحليل نتائج الانتخابات الإسرائيلية، فإن القاسم المشترك للقراءات العربية أنّ المجتمع الإسرائيلي انزاح نحو اليمين والتطرف، على اعتبار أن عدد المقاعد التي حصلت عليها ما توصف بـ " أحزاب يسار الوسط واليسار "، قد تهاوى من 63 مقعدًا إلى 44 مقعدًا موزعةً على كُلٍّ من حزبي " كاديما "، و " العمل " وحركة " ميريتس "، في حين حصلت الأحزاب اليمينية على 65 مقعدًا.

 

إن هذا التحليل صحيحٌ بصورة نسبية، فإن كان ثمةَ أحَدٌ يرى أن الانتماء ليسار ويسارِ الوسط في إسرائيل يعني الاعتدال، فإن علينا أن نذكر الحرب الإجرامية الأخيرة على غزة، والتي أشرف على تنفيذها كُلٌّ من حزبي العمل وكاديما، والتي لم تجرؤ على شنها حتى أعتى الحكومات الإسرائيلية يمينيةً وأشدها تطرفًا، ناهيك عن مسلسل التسويف والمماطلة الذي تعاملتْ به حكومة كاديما والعمل مع ملف التسوية، وتحويلها مؤتمر " أنابوليس " إلى نقطة انطلاق في تكثيف الأنشطة الاستيطانية والتهويدية في الضفة الغربية.

 

المفارقة أن هناك من العرب مَنْ يُبْدِي أسفه لسقوط حكومة " كاديما والعمل "، وهي الحكومة التي عُرِفَتْ بـ لاءاتها الشهيرة: لا لعودة اللاجئين، لا للانسحاب إلى حدود العام 67، لا لتقسيم القدس.

 

لقد انزعجت أنظمة الحكم في دول ما يسمى بـ " محور الاعتدال " من نتائج الانتخابات الإسرائيلية، ليس لأن صعود اليمين الصهيوني سيضر بالقضية الفلسطينية، أو حتى المصالح القومية للدول التي تحكمها تلك الأنظمة، بل لأن صعود اليمين سيُعَرِّي هذه الأنظمة، ويَحُدُّ من قدرتها على تبرير مواقفها المتخاذلة.

 

ففي وجود اليمين الإسرائيلي لن يكون بِوُسْعِ بعض الأنظمة العربية الزعم أنّ حركة حماس تُهَدِّدُ الأمن القومي لدولها، وذلك لتبرير محاصرة الحركة والتآمر عليها والتواطؤ مع إسرائيل في ضربها كما حَدَث في الحرب الأخيرة على غزة، ومحاصرة الشعب الفلسطيني، والضغط عليه، على أمل أن يثور ضد الحركة.

 

فعلى سبيل المثال: ليس بوسع هذه الأنظمة تبرير موقفها من حماس، في الوقت الذي يتولى فيه أفيغدور ليبرمان زعيم حزب " إسرائيل بيتنا " منصبًا هامًّا في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وهو الذي يطالب بقصف السد العالي من أجل إغراق شعب مصر، وهو الذي انتقد سفر المسئولين الإسرائيليين للقاهرة للقاء الرئيس المصري حسني مبارك، قائلًا " فليذهب مبارك للجحيم ". وليبرمان هو الذي يدعو إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في صحراء سيناء، فضلًا عن دعوته لتدمير القصر الرئاسي في دمشق.

 

لن يكون من المريح لأنظمة الاعتدال أن يُكَرِّرَ ليبرمان دعوته لِفَرْضِ السيادة اليهودية على المسجد الأقصى، ومنع المسلمين من الصلاة فيه، ونزع الشرعية عن وجود فلسطيني 48 فوق أرضهم، ناهيك عن مطالبته بإلقاء قنبلة ذرية على قطاع غزة من أجل القضاء على الوجود الفلسطيني مرة واحدةً وللأبد!

 

في ظل وجود حكومة اليمين لن يكون بوسع " محور الاعتدال " مواصلة التبشير بثمار " المسيرة السلمية "، فإن كانت حكومات الوسط واليسار في إسرائيل قد حولت المفاوضات العبثية إلى هدفٍ بحد ذاته، وهو ما راق لأنظمة " الاعتدال "، التي ظلت تُوَاظِبُ على تحميل حماس المسئولية عن إفشال جهود التسوية، فإن الأخبار السيئة لـ " المعتدلين " العرب تتمثَّلُ في أن حكومة اليمين لن تقبل مواصلة مجرد المفاوضات رغم عبثيتها.

 

نتنياهو في أحسن الأحوال سيعود لمعزوفة " السلام الاقتصادي "، أي العمل على تحسين ظروف حياة الفلسطينيين، مقابلَ تنازلهم عن حقوقهم الوطنية، ومقابل كل ذلك، فإن حكومة اليمين ستطالب العرب بالتعاون معها في القضاء على حكم حماس، وضرب المشروع النووي الإيراني.

 

في ظل حكومة اليمين لن يكون بوسع النُّخَبِ في العالمين العربي والإسلامي، سواء الحاكمة أو المثقفة، تسويغُ مشاركتها في مؤتمرات والتطبيع والتقارب بين الأديان التي تجمع المسئولين الصهاينة بالمسئولين العرب والمسلمين.

 

فالكثير من قادة أحزاب اليمين الديني التي ستشارك في الحكومة القادمة، يؤمنون بحكم " علقيم " التوراتي، والذي ينُصُّ على أنه يجوز قتل الفلسطينيين، سواء كانوا شيوخًا أو أطفالًا أو نساءً، وحتى الدواب. وعندما يسيطر الخطاب الصهيوني في نسخته الأكثر عنصريةً وتخلفًا، لن يكون من السهولة بمكان على الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس نفث أكاذيبه و تمرير أحابيله وتضليله.

 

سيحرج عرب " الاعتدال "، ولن يتمكنوا من تسويغ تطبيعهم للعلاقات مع إسرائيل، في ظل وجود حكومية يمينية، لسبب بسيط: أن الساسة اليمينيين في إسرائيل لا يُولُون اهتمامًا نحو التطبيع مع العرب.

 

ففي العام 2004 رفض ليبرمان، وكان وزيرًا للبنى التحتية، دعوةً من قطر لحضور أحد المؤتمرات التي عقدت هناك، قائلًا: إن إسرائيل ليست في حاجة لعقد مثل هذه المؤتمرات.

 

صعود اليمين للحكم سيكون مصدر حرج أيضًا للإدارة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وسيفضح المعايير المزدوجة، وسياسة الكَيْل بمكيالين التي تحكم السياسات الأوروبية والأمريكية في كل ما يتعلق بالعلاقة مع العرب وإسرائيل. لقد لعب الغرب دورًا هامًّا ومحوريًّا في فَرْضِ الحصار على الشعب الفلسطيني، ومنع عنه الطعام والدواء، وحرم أطفاله من الحليب، فقط من أجل دفع الشعب الفلسطيني للتمرد على حركة حماس، لكنّ هذا الغرب أعلن بشكل واضح وجَلِيٍّ أنه سيواصل التعاون مع الحكومة اليمينية الجديدة في إسرائيل.

 

على الرغم من هذا الموقف، إلا أنه سيكون من الصعب أيضًا على الغرب تسويغ نفاقه، وسيكون عليه اتخاذ موقف أكثر أخلاقيةً، عندما يُعَبِّرُ قادة الحكومة الإسرائيلية الجديدة عن مواقفهم العنصرية الواضحة والجلية، والتي تهون إلى جانبها مواقف النازية والفاشية.

 

رُبَّ ضارة نافعة، فعسى أن يشكل صعود اليمين في إسرائيل نقطةَ تحولٍ فارقةً، تدفع نحو بلورة ترتيب جديد لسلم الأولويات، ويتم إعادة تحديد التهديدات التي تواجه العرب، وبكل تأكيد يُفْتَرَضُ أن تساهم التطورات في إسرائيل في فتح صفحة جديدة في العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، والعلاقات العربية العربية.