خبر « أمل وسعاد ».. حكاية إعدام بدم بارد للطفولة الفلسطينية

الساعة 09:55 ص|17 فبراير 2009

فلسطين اليوم – صحيفة الانتقاد

عندما تتوقف عجلة الزمن عن الدوران، وتبقى الأحداث شاخصة أمام ناظريك بكل ما بها من قساوة ومرارة تعجز الكلمات عن وصفها، إذاً فأنت في قطاع غزة حيث ما زال المواطنون يعيشون آخر اللحظات التي جمعتهم بأحبائهم قبل أن ينتقلوا إلى جوار ربهم شهداء على إجرام الصهاينة ووحشيتهم أولاً، وعلى حالة الهوان التي أصابت أمة المليار ثانياً، فباتت ميتة في عالم لا يعرف للإنسانية معنى ولا طريقا.

"الانتقاد" واصلت البحث بين ركام المنازل المدمرة في القطاع، الذي تحول إلى مزارات يتوافد إليها أصحابها ليسترجعوا من خلالها ومعها المشهد الأخير قبل إسدال الستار الفسفوري واللاهب على فصول حكايتهم بشكل نهائي.

عائلة "عبد ربه" واحدة من الأسر الفلسطينية التي اكتوت بنيران الحقد الصهيونية خلال حرب الإبادة التي تعرضت لها غزة على مدار نحو ثلاثة أسابيع متتالية،  اخترناها للتعرف الى المآسي التي شهدتها منطقة "العزبة" الواقعة إلى الشرق من مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع.. والبداية مع عائلة المواطن "خالد عبد ربه" الذي التقينا ابنه إبراهيم (14 عاماً) بينما كان يجلس على كومة من الحجارة كانت في السابق منزلاً مكوناً من (4) طوابق، يجمع بين جدرانه (53) فرداً أصبحوا الآن من "المشردين".

يقول إبراهيم: "حوصرنا ساعات داخل منزلنا، لم نكن قادرين على المغادرة، فالقصف يطال كل شيء يتحرك، ودوي القذائف والصواريخ يبدد صمت المكان الذي اعتدناه، إلى أن اقترب الليل من الرحيل، عندها كانت الفاجعة".

ويتابع الفتى الذي بدا أكبر من سنه بكثير: أنه وأفراد أسرته بدأوا يرددون الشهادة بانتظار أجلهم بعد أن باتوا يرون الموت نصب أعينهم مع كل قذيفة تسقط عليهم، وما هي إلا لحظات قليلة حتى تعالت صرخات الجنود الصهاينة لسكان المنزل بالخروج منه، وإلا فإنهم سيفجرونه على رؤوسهم!! وبالفعل بدأ الجميع بالمغادرة، لكن السبب الذي دفعهم إلى ذلك كان أول المستهدفين، إنهم الأطفال والنساء.

لماذا؟!

يروي إبراهيم: "أول ما بدأنا نخرج من البيت كان هناك حوالى (5) آليات بالقرب من الباب مباشرة، شاهدنا عدداً من الجنود على إحداها، فجأة وبدون ما نشعر راحوا يطلقوا النار باتجاهنا، سقطت ابنة أخي أمل على الأرض، وبعدها سقطت أختها سعاد.. الطخ ما سكت.. والدتي مسنة عمرها (65 عاماً)، حاولت إنقاذهن، فأطلقوا عليها الرصاص.. ما عرفنا شو نعمل، الجنود بيطلوا علينا وبيضحكوا!!!.. كانوا شايفينا منيح".

في الأثناء تمنى الجميع أن يمر الوقت سريعاً لعل أحداً من الصليب الأحمر الدولي أو أطقم الإسعاف يتمكن من الوصول إليهم، لكن ذلك لم يحدث، فظلت العائلة بكل حسرتها تنظر إلى طفلتيها أمل (عامان) و سعاد (7 سنوات)، مسجيتين على الأرض ولا حول لها ولا قوة، وبين الفينة والأخرى تخرق أسماعهم تمتمات الجنود من حولهم يصاحبها إطلاق نار، ولسان حالهم يقول: "على من يا ترى سيكون الدور"؟ عندها تجدد صراخ الجنود نحوهم بأن يغادروا المكان فوراً، ليدخلوا فصلاً جديداً من العذاب مسافته 1.5 كم، ومدته تتجاوز كل الساعات والأيام وحتى السنوات، حيث بدأ الجميع بالسير على الأقدام حاملين معهم طفلتين كانتا قبل ساعات فقط من الأحياء، في مشهد ربما اعتاد الكثيرون رؤيته في الأفلام والمسلسلات، لكنه اليوم حقيقة تمزق مع كل خطوة يخطونها قلب والديهما، وما هي إلا لحظات حتى دوى تفجير منزل العائلة من دون أن يتمكن أصحابه من الالتفات وراءهم لإلقاء النظرة الأخيرة على ما كان في السابق "قصرهم" الذي شهد أجمل لحظات حياتهم، وها هو يتحول في طرفة عين إلى كومة من الحجارة بعد أن شهد أسوأ أوقاتهم، وكأنها لحظة الوفاء التي باتت غائبة عن عالم المعادلة فيه: معاقبة الضحية لأنها ضعيفة!!