كورونا والمقارنات الغير عادلة- بقلم: صالح الكاشف

الساعة 12:40 م|21 مارس 2020

فلسطين اليوم

مع انتشار وباء كورونا " كوفيد19 " ظهرت دعاوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي تطلب من رجال الدين أن يُخرجُوا لنا لقاحاً أو دواءً بدل الدعاء ووعظ الناس، وظهر صنفٌ آخر من الناس يدعو للتوقف عن بناء المساجد وبناء المستشفيات بدلاً منها؛ إذ لم تنفعنا المساجد-حسب قولهم- في الأزمة وأسعفتنا المشافي والمراكز الطبية، فهل هذه مقارنات عادلة؟.

 أمَّا بالنسبة لبناء المساجد وبناء المشافي فلا يمكن الاستغناء عن أيِّ منهما، فالمسجدُ له دوره والمشفى لها دورها ولا تعارض بينهما، لكن لماذا هذه المقارنة؟، لماذا لم نسمع هؤلاء يتحدثون عن بناء الملاعب الرياضية التي تكلِّف ملايين الدولارات فضلاً عن الحديث عن دوريات كرة القدم وأثمان اللاعبين وميزانيات نوادي الرياضة؟، ألم يسمع هؤلاء أنَّ الحجم الإجمالي لقطاع الرياضة في العالم يصل إلى قرابة 600 مليار دولار، وماذا لو علم أولئك أنَّ تكلفة بناء استاد رياضي وصل لـ 300 مليون دولار في بعض بلادنا العربية؟!، ولماذا لم يقارن هؤلاء بين حجم الإنفاق الرياضي والإنفاق الطبي؟، هل بناء الملاعب الرياضية وإقامة الدوريات أهم من بناء المساجد وإقامة الصلوات؟!. أليس الإنفاق على البحث العلمي والمختبرات أولى من الإنفاق على كرة القدم والدوريات؟. أنا لا أهاجم هنا قطاع الرياضة، وإنما أسوقه كمثال على عدم العدالة في المقارنة آنفة الذكر، فما يُقال عن الرياضة يمكن أن يُقال عن السياحة، والإعلام والفضائيات، وغير ذلك.

أمَّا المقارنة بين علماء الطب وعلماء الشرع، فهي مقارنة في غير محلها، فما يُطلَب من الطبيب لا يطلب من المهندس ونحو ذلك، فلماذا لا يطلب هؤلاء الدواء من المهندسين والإعلاميين مثلاً؟، وما هذه الهجمة من البعض على الدين وعلمائه وعلى المساجد وكأنَّها تمنع العناية الطبية؟!. الناس لها حاجات دينية وحاجات دنيوية، فمهمة علماء الأدوية الآن أن يبحثوا في مخابرهم عما يوصل البشرية لبرِّ السلامة والشفاء، ومهمة علماء الدين أن يبثوا الطمأنينة بين الناس ويعلقوا الناس بربهم، فعمل الأوائل في البحث العلمي والماديَّات، ومجال علماء الشريعة في الاجتهاد للنوازل الفقهية وعمل الوعاظ في الروحانيَّات، ولا ينبغي أن يطغى طرف على الآخر.

ألم يقرأ هؤلاء تغريدة رئيس أكبر دولة في العالم تمتلك المختبرات، وتصنع الطائرات، وتغزو الفضاء وهو يدعو شعبه للصلاة في الكنائس والتضرع لله لإنقاذهم من المرض؟، ألم يسمع هؤلاء بحاخامات اليهود الذين جابوا البلاد ليدعوا ويطلبوا النجاة من الله؟، لماذا لم نسمع منهم نقداً تجاه تلك الدعوات والأفعال؟!. ماذا لو كتب رئيسُ دولةٍ مسلمةٍ على تويتر يدعو شعبَه للاستغفار والتوبة والصلاة والدعاء حتى ينقذنا الله تعالى من وباء كورونا؟ ما ردُّ هؤلاء وما حجم الاستخفاف والتهكم الذي سنسمعه تجاه تلك الدعوة؟!.

حالة الانهزامية النفسية والروحية، وحالة الانحياز للماديات وطغيانها على حساب الروحانيات هي من أسباب تلك الدعاوى.

المسلمون يمتلكون كنزاً مفقوداً عند غيرهم. هذا الكنز خامته اليقين بقدرة الله وحسن الظن به والتوكل عليه، هذا الكنز مدفون بأرض القلوب العامرة بذكر الله والرضا بقضائه وقدره، هذا الكنز المفقود بدأ الغربُ الماديُّ يبحث عنه ويحاول العثور عليه والاستفادة منه في زمن لم تُغنِ فيه كل الإمكانيات الماديَّة والتطور العلمي والازدهار الاقتصادي.

لا يَفهم أحدٌ من كلامي أنه دعوة للاعتكاف والدعاء وترك العمل، لا بل كل نصوص الشريعة تشهد لوجوب الأخذ بأسباب الحماية والوقاية في وقت الأزمات، بل والعمل على الوصول للقاح ودواء ينقذ البشرية من هذا الوباء، فديننا عالمي الرحمة، إنساني النزعة، قال تبارك وتعالى: (ومن أحياها فكأنَّما أحيا الناسَ جميعاً).

 

كلمات دلالية