كتب أ‌. محمد حميد..في الذكرى السنوية لاستشهاد الشيخ أحمد ياسين

الساعة 09:49 ص|21 مارس 2020

فلسطين اليوم

عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي

أ‌. محمد حميد (أبو الحسن)

كنت ممن عرفوا الشيخ الشهيد/ أحمد ياسين في منتصف سبعينيات القرن الماضي بعد أن حدثني أحد الأصدقاء –وقد كنا صغار السن - عن خطيبٍ مميزٍ في المسجد الشمالي الواقع في مخيم الشاطئ (مسجد الشيخ أحمد ياسين حالياً) يتمتع بملكة خطابية قريبةٍ من القلب، وعقدت العزم برفقة هذا الصديق على أن أقصد ذلك المسجد في أول جمعةٍ تالية، فشاهدت بحماسٍ الصعود العسير لذلك الشيخ، وسمعت خطبته اليسيرة الهادئة المزدانة بقدر كبير من التلقائية المحببة إلى النفس.

تابعت أنا وصديقي خطباً عدة لهذا الشيخ في ذات المسجد حتى انتقل إلى منطقة الصبرة جنوب مدينة غزة التي كانت النواة الأولى للمجمع الإسلامي، وقدر لي أن ألتقيه أكثر من مرة في المدرسة الابتدائية التي كان يعمل بها مدرساً للغة العربية والمجاورةً للمدرسة الثانوية التي تخرجت منها، حيث يبادلنا السلام برحابة صدرٍ وقَبولٍ كبير.

شهد مطلع ثمانينات القرن الماضي اعتقال الشيخ برفقة مجموعة من الإخوة على خلفية حيازة سلاح،ٍ هذا الاعتقال سجل موقفاً حازماً ومشرفاً للشيخ الشهيد الذي فوّت على نفسه فرصة تخفيف الحكم مقابل الاعتراف أن السلاح المضبوط موجهٌ إلى بعض القوى الوطنية العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة في حينه، وليتم الله نعمته على الشيخ الشهيد ويتنسم بعدها بسنتين آفاق الحرية عقب صفقة تبادلٍ أبرمتها الجبهة الشعبية- القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل عام 1985 برفقة مئات الأسرى ذوي المحكوميات العالية "المؤبدات".

مستهل الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة" وتحديداً في العام 1988م أعيد اعتقال الشيخ الشهيد وثلة من قيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس على خلفية مقاومة الاحتلال والمشاركة في فعاليات الانتفاضة وقد حكم عليه في حينها بمحكومية عالية. ليمن الله عليه مرةً أخرى ويعانق طيف الحرية مرةً أخرى عقب محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس الأخ/ خالد مشغل  الفاشلة عام 1997 في مدينة عمان الأردنية، والتي من تبعاتها الإفراج عن الشيخ الشهيد في إطار عملية تبادلية مع معتقلَيْن صهيونيين بإشراف الحكومة الأردنية، و تمكن الشيخ من إجراء جولة لمعظم الدول العربية وعددٍ من الدول الإسلامية منها الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي التقى فيها مرشد الجمهورية السيد/ علي الخامنئي، حيث لم يكن لدى الشيخ الشهيد أي حساسيات طائفية أو مذهبية وكان شغله الشاغل في هذه الجولة الإسلام والمقاومة وفلسطين.

شهدت بداية انتفاضة الأقصى نشاطات مقاومة للاحتلال للشيخ الشهيد ولحركة حماس ولكل قوى المقاومة، وخلال هذه الفترة كانت صحة الشيخ الشهيد في منحىً تنازلي، فبالإضافة إلى عجزه عن الحركة، تفاقمت مشاكله الصحية التنفسية بسبب الربو، وقد زرته في تلك الفترة بصحبة قيادات من الحركة وهو في حالة صحية شديدة الخطورة، وكان صوته خافتاً جداً إلا أن قلبَه عامرٌ بما يحمل من معنوياتٍ عالية زادتنا ثباتاً على هذه الأرض المباركة.

ليلة استشهاد الشيخ الشهيد، وعقب أدائه صلاة الفجر باغتته طائرات الاحتلال في ذات الليلة أثناء عودته من المسجد إلى منزله، وقد بلغ التعب الجسدي مداه وأطلقت تلك الطائرات حقدها الدفين ما أدى إلى استشهاد الشيخ الشهيد برفقة عددٍ من المصلين، وذلك في الثاني والعشرين من أذار للعام 2004 لتصعد روحه إلى السماء تروي غطرسة هذا العدو الجبان، وأدت صلاة الجنازة عليه جماهيرٌ غفيرة في المسجد العمري الكبير بمدينة غزة.

 ما يلفت النظر في هذه الشخصية الفلسطينية أمورٌ عدة، لعل أبرزها إيمانه العميق بقدرة الإسلام على قيادة هذه الأمة وتحشيد طاقاتها الإيجابية والمبدعة نحو التضحية والفداء فقد علّم أبناءه أن فلسطين من البحر إلى النهر ملك للعرب والمسلمين وأن الطريق الوحيد لتحريرها هي المقاومة لا غير. فضلاً عن استعداده الدائم والمستمر لدفع تكلفة خياراته الأساسية التي انحاز لها رغم أن لديه العذر الشرعي بسبب أوضاعه الصحية إلا أنه آثر طريق ذات الشوكة وأكرمه الله تعالى فيه بأجمل ما يكون، وكذلك حرصه الدائم على تقديم نفسه من خلال فريق عمل أساسي يعمل معه في جميع المحطات المفصلية رغم رمزيته العالية في إطار جماعة الإخوان المسلمين أو إطار حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، فكان بإمكانه أن يكون القائد المؤسس والملهم والمعجز، وما إلى ذلك من المسميات الوهمية إلا أنه آثر الجماعة، سواءً في بداية الدعوة أو في محطات الجهاد والمقاومة المختلفة، بمعنىً آخر كان الشيخ مؤمناً بالعمل الجماعي وفي إطار المؤسسة التي يتحرك بها دعوياً أو جهادياً، وأيضاً سعيه المستمر إلى إنشاء مؤسسات راعية لأنشطة الجماعة المختلفة وذلك خدمةَ للمجتمع كالجامعة الإسلامية والجمعية الإسلامية والمجمع الإسلامي، والنقابات المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني التي خرّجت مئات الكوادر الحركية المميزة في إطار الحركة الإسلامية و لخدمة المجتمع الفلسطيني.

   رحم الله الشيخ الشهيد وجميع الشهداء القادة وكل الشهداء وأسكنهم فسيح جناته، فلقد كان علماً من أعلام الإسلام والمقاومة في فلسطين، لم يتلوث بالمال ولا بالجاه ولا بالسلطان ولا بالإعلام، عاش بسيطاً وانتقل إلى جوار ربه مجاهداً ومرابطاً، ولم يورث أبناءه درهماً ولا ديناراً، والكمال لله تعالى.

كلمات دلالية