خبر عقبات التحقيق الدولي في جرائم غزّة .. 3 خيارات لتحريك المحكمة الجنائيّة

الساعة 06:21 ص|17 فبراير 2009

فلسطين اليوم – قسم المتابة

إطلاق نار عشوائي. استخدام القنابل الفوسفورية. استهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف... جرائم لا تعد ولا تحصى ارتكبتها القوات الإسرائيلية في غزة، تستحق أن ينال المسؤولون عنها قصاصهم سواء أمام المحكمة الجنائية الدولية أو أي محكمة أخرى

 

جمانة فرحات

أمام هول الجرائم التي ارتُكتبت خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والتي خلّفت وراءها أكثر من 1300 شهيد فلسطيني، بينهم 400 طفل، طُرح موضوع مقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، وقامت بالفعل العديد من المنظمات الحقوقية الفلسطينية والدولية برفع شكاوى ضد إسرائيل أمام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو. ولكن قُوبل هذا الطرح بالعديد من التساؤلات عن إمكان قبول المدعي العام إجراء التحقيق، وخصوصاً في ظل وجود عدد من الإشكاليات التي يمكن أن تعوق اتخاذ هذه الخطوة، رغم وجود إجماع على حدوث الانتهاكات.

معوقات كثيرة تقف أمام المضي قدماً في إجراء التحقيق من جانب المحكمة الجنائية الدولية، أوّلها الإشكالية المتعلقة بالاعتراف بـ«الدولة الفلسطينية». فقبل أيامٍ قليلة، أعلن أوكامبو أنه يعكف حالياً على دراسة «الوجود الشرعي للدولة الفلسطينية». أي إنه رغم قيام السلطة الفلسطينية، ممثلةً بوزير العدل علي خشان، بالتقدم ببيان لدى كاتب المحكمة الجنائية الدولية يعترف فيه بصلاحية المحكمة القضائية، فإن ذلك لا يسمح بالبدء الفوري بالتحقيق. لأنه إذا خلص أوكامبو إلى عدم الاعتراف بالوجود الشرعي للدولة الفلسطينيّة، يُستبعد بالتالي خيار قيام إحدى الدولتين «فلسطين» أو «إسرائيل» بطلب إجراء التحقيق، لأنّ أيّاً منهما غير موقّع نظام المحكمة.

بناءً عليه تبقي، وفقاً لنص المادة 13 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ثلاثة خيارات أمام السلطة الفلسطينية يمكن اللجوء إليها لمقاضاة إسرائيل. الخيار الأول يتمثّل في قيام دولة طرف بإحالة القضية على المدعي العام. وفي هذا الإطار طرح إمكان قيام إحدى الدول العربية أو الغربية الداعمة للقضية الفلسطينية والموقعة نظام روما، كالأردن أو جيبوتي أو جزر القمر أو بوليفيا، بهذه الخطوة.

لكن هذا الخيار أيضاً يثير عدداً من الإشكاليات القانونية، لأنه بموجب المادة 12 من نظام روما يقتضي أن تعترف إسرائيل باختصاص المحكمة لكي تصبح المحكمة صالحة للنظر في القضية، وهو ما لا يمكن توقعه.

أما الخيار الثاني، فهو إقدام مجلس الأمن، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، على إحالة القضية إلى المدعي العام، على غرار قضية دارفور، غير أن حق النقض الأميركي سيكون حاضراً لإجهاض أي مشروع قرار من هذا القبيل،

الخيار الثالث يركن إلى مباشرة المدعي العام التحقيق من تلقاء نفسه، مع مراعاة أحكام المادة الخامسة عشرة، وهو ما يتطلب توفير رأي عام عالمي ضاغط لإجباره على تحمل مسؤولياته وعدم الرضوخ للضغوط السياسية التي يمكن أن تمارس عليه. وتؤدّي المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني، إضافةً إلى المؤسسات الإعلامية، الدور الأبرز في هذا السياق، من خلال تسليط الضوء يومياً على الانتهاكات الإسرائيلية وضحاياها.

وأمام عدم وجود يقين من توجه المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق في الجرائم الإسرائيلية، تبرز مجموعة من البدائل التي يمكن اللجوء إليها لعدم السماح بتسويف القضية، وفي مقدمتها تقديم دعاوى بحق مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحاكم الوطنية الأوروبية التي تطبق مبدأ الاختصاص الجنائي العالمي، أو العمل على إنشاء محكمة دولية خاصة، وهو ما يتطلب بعثات متخصصة لجمع الأدلة الشرعية التي توثّق نوعية الأسلحة المستخدمة، إضافةً إلى تأليف لجان تتركّز مهمتها على توثيق الجرائم المرتكبة وتوصيفها بدقة مع تحديد المسؤولين عنها.

 

توصيف الجرائم

 

يشار إلى أن التوصيف القانوني للجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، لا يزال محل أخذ ورد. فهل هي إبادة جماعية أم جرائم ضد الإنسانية؟ جرائم حرب أم جريمة عدوان؟

ويُجمع عدد من القانونيين على وجوب استبعاد جريمة الإبادة الجماعية لعدم اكتمال عناصرها والتشديد في المقابل على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المنصوص عليها في المواد 5 و 7 و8 من نظام روما، وخصوصاً في ظل توافر العديد من الأدلة على تعمّد الإسرائيليين استهداف المدنيين والأماكن المدنية، ووجود أدلة تشير إلى وجود أوامر صريحة من الجيش الإسرائيلي بالسماح للقوات الإسرائيلية بقتل المدنيين في حال الشك في وجود أي عنصر من عناصر «حماس» بينهم. أوامر أشارت إليها الوزيرة الإسرائيلية السابقة، شالوميت ألوني، في مقالٍ بعنوان «دماء على أيدينا» نشرته صحيف «يديعوت أحرونوت».

وأكدت ألوني أن الجيش الإسرائيلي أصبح «جيشاً غازياً ووحشياً». ووصفت سياسة العقاب بحق الفلسطينيين بأنها تقوم على «استهداف المناطق المأهولة بالسكان، وإلقاء قنابل وزنها طن على أحياء المدنيين، واستخدام القنابل العنقودية».

كذلك تتوافر معطيات عن تعمد قتل الأطفال. وأشار الناشط الحقوقي، الدكتور هيثم مناع، إلى «تعمّد إصابة المدنيين عبر اختيار بدء عدوانها في أوقات الانتقال بين الدوامين الصباحي والمسائي للتلاميذ في غزة، وهو ما أدى إلى رفع عدد الإصابات بين الأطفال».