خبر دلالات الانتخابات الإسرائيلية ..د. محمد مورو

الساعة 07:41 م|16 فبراير 2009

ينبغي بالطبع أن نرصد المجتمع الإسرائيلي في كل تفاصيله، وهذا جزء من الواجب الشرعي والوطني، باعتبار أنّ معرفة ذلك من الواجبات البديهية، ومَنْ عرف لغة قوم أَمِنَ مكرهم، وكذلك من عرف تركيبهم وتوجيهاتهم والتطورات النوعية والكمية في هذا الصدد وآخر المستجدات فيه .

 

هذا من حيث العموم، ولكن هناك مستجدات ذات طابع خاص حملتها نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.

 

فقد أظهرت النتائج  حصول حزب كاديما على ثمانية وعشرين مقعدًا، وهو حزب شارون اليميني، الذي تشكل إثر انشقاقه على حزب الليكود، بينما حصل حزب الليكود بقيادة نتنياهو  على سبعة وعشرين مقعدًا، وحصل حزب إسرائيل بيتنا على خمسة عشر مقعدًا، مع ملاحظة أن هذا الحزب تَقَدَّم بصورة أكبر من غيره، بالنظر إلى تاريخه في الانتخابات السابقة " 11 مقعدًا في انتخابات 2006"، وكذا فإن من الصعب تجاهله في أي حكومة مقبلة، سواء كانت بقيادة نتنياهو أو ليفنى، ومن ثَمَّ فإن نفوذه اتسع بصورة ملحوظة، وهو حزب قومي متطرف يدعو إلى اجتثاث حماس، حتى ولو استدعى الأمر ضرب غزة بقنبلة ذرية!

 

كما أنه يرفض حل الدولتين، ويدعو إلى ترحيل عرب 1948 إلى خارج إسرائيل، كما أن زعيمه جوزيف ليبرمان كان قد دعا ذات مرة إلى ضرب السد العالي في مصر، وإغراق مصر بالمياه من أسوان إلى القاهرة !!

 

وهناك حزب شاس الذي يمثل اليهود الشرقيين، وهو حزب ديني أساسًا، قد تحصل على 11 مقعدًا.

 

وكانت المفارقة في الانتخابات متمثلةً في تراجع حزب العمل الإسرائيلي، وحصوله على 13 مقعدًا فقط, وكان قد فاز في انتخابات 2006 بـ 19 مقعدًا، أي أنه فقد حوالي 30% من قوته في ثلاث سنوات.

 

 وكذا حزب ميريتس اليساري، الذي تراجع من 5 مقاعد عام 2006 إلى 3 مقاعد في 2009، وهذا معناه مباشرةً أن هناك تراجعًا واضحًا فيما يُسَمَّى باليسار الإسرائيلي، فحزب ميريتس مع العمل حصلا على 16 مقعدًا، أي أقل من 15% من الأصوات، وفي هذا دلالةٌ نوعيةٌ على تراجُعٍ كبيرٍ في اليسار الصهيوني، وصعودٍ كبيرٍ لليمين الإسرائيلي. وهذا الأمر له دلالاته الخطيرة، ومنها :

 

نزوع الناخب الإسرائيلي إلى التطرف والعدوان المباشر، وتأييد سياسة المذابح الصهيونية في غزة، ووصوله إلى أقصى حالات الجزع والخوف التي يترجمها في نزوعه نحو اليمين، وفى الحقيقة فإن الإحساس الصهيوني بِقُرْبِ نهاية الصهيونية، أصبح يسيطر على كل إسرائيلي، فالقوات الصهيونية- التي هي الدرع الأخير لوجود إسرائيل- فشلت في القضاء على منظمتين، ينظر إليهما الإسرائيلي باعتبارهما خطرًا وجودِيًّا على إسرائيل، وهما: حزب الله هى 2006 وحماس في 2009، وهذا معناه أن من الممكن ظهورَ قوةٍ راديكاليه في أي دولة مواجهة، وتقضي على إسرائيل بكتيبة مدفعية فقط تستهدفها عشرة أيام فقط، دون أن يستطيع الجيش الصهيوني القضاء عليها، وهذا معناه نهاية إسرائيل!

 

 لأن فكرة الصهيونية في جانبها اليهودي قامت على توفير ملاذ آمن لليهود الذين اضطهدوا في أوربا والعالم حسب المزاعم أو الحقائق، فإذا أصبحت فلسطين المحتلة "إسرائيل" ملاذًا غير آمن، بل أكثر الأماكن خطرًا بالنسبة لليهودي في العالم كله، فإن فكرة الصهيونية تُنْسَفُ من أساسها، وهذا الإحساس يعرفه المفكرون والإسرائيليون, ويحس الجمهور الإسرائيلي، فيصاب بالتوتر والخوف من المستقبل، وهذا يقود الناخب الإسرائيلي نحو اليمين والتطرف!

 

إن نتائج الانتخابات التي أفرزت اليمن بوضوح تعني نهاية "وهم" حل الدولتين، أو فكرة الحصول على بعض الحقوق عن طريق التفاوض، وهذا معناه نهاية مُبَرِّر وجود مجموعة محمود عباس في رام الله، بل إن صائب عريقات نفسه- وهو أحد رجال رام الله- قال تعليقًا على الانتخابات الإسرائيلية: إنها تنسف فكرة التفاوض، وتنسيق حل الدولتين، وتعيدنا إلى المربع صفر.

 

إن نتائج هذه الانتخابات تَعْنِي ضعفًا شديدًا في حزب العمل، وهو الحزب التاريخي الذي أنشأ إسرائيل، وحَكَمَها، وربما تكون هذه الانتخابات بداية نهاية هذا الحزب وخروجه من التاريخ والجغرافيا، وهو أَمْرٌ له دلالته المعنوية بالنسبة لإسرائيل وتاريخها ومستقبلها، وكذا له دلالة بالنسبة لحلفاء إسرائيل، خاصةً إدارة أوباما الجديدة، التي تراهن على إمكانية تحقيق نوع من الحل، فإذا كان حكام إسرائيل كلهم من اليمين، فإن فرصة المناورة أمام حلفاء إسرائيل تصبح قليلًة، ولا يمكنهم استخدام أسلوب الخداع التقليدي في إقناع العرب؛ لأن أطروحات اليمين الصهيوني لا تسمح  بأي هامش من الخداع والمناورة، فهم مثل الذئاب، يعلنون عن نوايا القتل وشرب الدماء دون مواربة، وهذا يُحْرِجُ المعتدلين العرب، ويُضْعِفُ قدرة أوباما، وحلفاء إسرائيل عمومًا على المناورة.

 

وإذا كان لابد من قراءة موضوعية لنتائج الانتخابات الإسرائيلية، فإن على معسكر الاعتدال العربي أن يعرف أن أطروحته قد أفلست، وليس هناك طريق سوى التَّوَحُّد خلف خيار المقاومة، ووضع المصلحة الفلسطينية والعربية والإسلامية فوق الإحساس بالذات، أو الدخول في مهاترات الحسابات الشخصية، أو الأمراض النفسية، أو الثأر الجاهلي من بعضنا لبعضنا!