خبر على باب الدم ..عبد الحليم قنديل

الساعة 12:47 م|16 فبراير 2009

16/02/2009

بفارق مقعد واحد لاغير، أصبح حزب كاديما هو الأول ـ قبل الليكود ـ في نهاية انتخابات إسرائيلية شرسة، لكن هذا المقعد الإضافي في الكنيست لا يحجز له بالضرورة مقعد رئاسة الوزراء، لا يحجز لتسيبي ليفني ـ زعيمة كاديما ـ فرصة رئاسة الحكومة، ولا يحرم نتنياهو ـ زعيم الليكود ـ من مقعد الرئاسة نفسه، واستنادا إلى فوز غالب لليمين القومي والديني، وانحسار ـ ربما اندثار ـ حزب العمل بزعامة الجنرال إيهود باراك جزار حرب غزة .

وأيا ما كانت نتائج المشاورات، وسواء كانت ليفني هي رئيسة الحكومة المقبلة بعد ذهاب أولمرت، أو كان نتنياهو، لا تبدو الفوارق جوهرية، فيما يخص مفاوضات التسوية بالذات، صحيح أن حجز المقعد القلق لليفني ـ إن حدث ـ ربما يعطي أملا للراغبين في التفاوض العبثي على الجبهتين السورية والفلسطينية، وصحيح أن رئاسة نتنياهو ربما تقطع الطريق من أول لحظة، ونظرا لإعلانات نتنياهو المتكررة عن رفض مبدأ الانسحاب من الضفة الغربية، أو التجاوب مع أي حلول بصدد وضع القدس، وهو الذي يجعل غايته ما يسميه' السلام الاقتصادي ' مع الفلسطينيين، أي أن يتعامل مع الفلسطينيين كجماعة بشرية بائسة، ويرمي إليها فتات المساعدات، وعلى أن تكون المساعدات والهبات بديلا عن حلم الدولة الفلسطينية، وحتى لو كانت منقوصة السيادة، ومنزوعة السلاح (!)، فيما تبدو ليفني أقرب للغة اللين مع الحفاظ على ذات المضمون، والذي يلحظ تصريحاتها الأولى عقب فوز كاديما النسبي، يرى أنها تتحدث عن كاديما بصفته مزيجا من أنصار فكرة 'أرض إسرائيل' وأنصار السلام في الوقت نفسه، وحرصها على أن يبدو كاديما كأنه حزب يمين الوسط، بينما الحزب في تكوينه الغالب أقرب إلى بنية الليكود، وقد تكونت نواته ـ قبل سنوات ـ بقرار من شارون زعيم الليكود السابق، وعقب صدام شارون مع نتنياهو الذي وقف ضد قرار الإنسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، وتفكيك مستوطناتها، فكاديما يظل ـ في البدء والمنتهى ـ حزب شارون الضائع في غيبوبة ممتدة .

 

والمحصلة

 

والمحصلة، أن رئاسة ليفني قد توحي بباب موارب لاستمرار مفاوضات ما، بينما رئاسة نتنياهو تعني قطع الحبال في صورة صادمة لمدمني التفاوض على الجبهة الفلسطينية بالذات، والمحصلة واحدة رغم اختلاف نسبي في لغة السياسة المتداولة، بل ربما جاز أن يحدث تحول في اللغات إلى الاتجاهين، ودون تغير في جوهر السياسة، فأي حكومة مقبلة في إسرائيل هي حكومة ارتباك تاريخي، وقد يبدو الارتباك مغلفا بكلام عن حكومة وحدة وطنية، وفي سياق السباق إلى مغامرات حربية تبدو مرجحة، وسواء كان الهدف ـ بإعلانات نتنياهو الصريحة ـ ضرب حزب الله وحركة حماس، وبهدف خوض حرب اقتلاع لمنظمتي المقاومة الرئيسيتين، أو بهدف جعل الصدام مع إيران هو محور السياسة الإسرائيلية، وهنا تبرز مشكلة أفيغدور ليبرمان الذي لايمكن تجنبه، وبعد أن حل حزبه ـ إسرائيل بيتنا ـ ثالثا بعد كاديما والليكود، وبعدد مقاعد أكثر من حزب العمل، ولغة ليبرمان أكثر صراحة من ليفني ونتنياهو، فهو يريد إفناء غزة ولو بقنبلة ذرية، وربما تدمير السد العالي لإغراق مصر كما صرح غير مرة، ووجوده في أي حكومة يبدو واردا، هذا إن لم تحدث معجزة، وتتشكل حكومة من أحزاب كاديما والليكود والعمل، وهي معجزة غير واردة بسهولة، وممكنة فقط لو دخلت واشنطن على الخط بشدة، ولو اتفقت ليفني مع نتنياهو على رئاسة تداولية لمقعد رئاسة الحكومة، وهو ما يبدو متصادما مع طموحات نتنياهو وحرصه على كسب ود ليبرمان، والذي يشاطره أفكاره نفسها، ويتحدث عن خطط لتنفيذ ترانسفير ـ طرد جماعي ـ لعرب 1948، وبدعوى عدم الولاء ليهودية إسرائيل، والتخلف عن أداء الخدمة العسكرية، وربما تمضي القصة ـ حال عدم اتفاق الليكود وكاديما والعمل ـ في اتجاه إجرائي آخر، هو مغازلة حركة ' شاس ' الدينية المتطرفة، وتقديم تسهيلات مالية لمؤسساتها الدينية المتضخمة، وإن كانت المصيبة أسوأ، فعدد مقاعد شاس ـ الخامس في الترتيب الحزبي ـ ربما يفيد في جلب ثقة الكنيست، لكن حاخام شاس هو الحاخام الأكبر في إسرائيل، وكراهته للعرب والسلام أفظع من كراهة ليبرمان، وقد عارض شارون حين قرر الانسحاب من غزة، ودعا عليه بالموت السريري، وبغير استجابة كاملة للدعاء.

 

وقد تسأل

 

وقد تسأل: أيهما أفضل لقضية فلسطين الآن ؟، أن تحكم ليفني أو أن يحكم نتنياهو، ومع التسليم بعدم وجود فروق جوهرية، إلا أن رئاسة نتنياهو تبدو أفضل في اللحظة الراهنة، فهي ـ على الأقل ـ تنهي وظائف المفاوضين الفلسطينيين، وتحيلهم إلى الاستيداع، وتحول سلطة عباس إلى سلطة بلا عمل، ولو على طريقة تزجية أوقات الفراغ، وسوف تؤدي العدوانية الإسرائيلية المتجددة إلى دعم فكرة المقاومة الفلسطينية، واستعادة الحركة الوطنية الفلسطينية لأصلها التاريخي كحركة تحرير وطني، وباعتماد المقاومة المسلحة كأسلوب عمل رئيسي، وخلق أجواء ملائمة لإشعال انتفاضة جماهيرية ثالثة في الضفة الغربية والقدس، أي أن الحكم المباشر لقوى اليمين الإسرائيلي سوف يغذي بالمقابل فكرة المقاومة، ويجلب لها التأييد الشعبي الفلسطيني، ويعصف بآمال تسوية هي مجرد خداع بصر وسراب صحراوي، ولأن حركة التاريخ لاتعرف الفراغ، فسوف تتقدم كيانات المقاومة لاحتلال فراغ التسوية، وربما يكون هذا التطور مفيدا لحركة فتح بالذات، فبوسع الحركة ـ في الوضع الجديد ـ أن تتخلص من زمرة التسوية وجماعة إسرائيل، وأن تستصفي لنفسها وجهها الكفاحي المضئ، وبضغط من أسراها، وهم أغلب أسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل إلى الآن، وبينهم مروان البرغوثي المؤهل ـ بالتجربة والتأثير ـ لرئاسة فتح بأجيالها الجديدة، وهو ما قد يؤدي ـ لو حدث ـ إلى خلق فرصة لمصالحة فلسطينية حقيقية، ويختصر المسافات بين فتح وحماس، ويمهد لإعادة بناء جدي لمنظمة التحرير التي أخلت مواقعها من زمن، وقضت عليها 'أوسلو' التي جارت بالأذى على صورة حماس، وقبل أن تستعيد حماس بريقها بوقائع حرب غزة الأخيرة .

صحيح أن خلافات ليفني ونتنياهو قد تقتطع وقتا إضافيا لأولمرت، وتمد في عمر حكومته لأسابيع، وقد ينتهز أولمرت الفرصة، ويسرع إلى عقد اتفاق تهدئة مع حماس في غزة، ويستعجل صفقة الإفراج عن جلعاد شليط مقابل مئات من أسرى الفلسطينيين، وحتى يودع منصبه بإنجاز سياسي ما ، ولا نطوي صفحته على وقائع فساد شخصي ذائعة الصيت، لكن هذه الصفقات الصغيرة لاتغير كثيرا في مستقبل الصورة، فالنزعة العــــدوانية الإسرائيلية اكتسبت زخما شعبيا مضافا بالفوز الظاهر لقوى التشدد، وهذه النزعــــة سوف تشــــعل حروبا، وحتى لو مالت الإدارة الأمريكية الجديدة إلى ضبــــط نسبي لسلوك إسرائيل، فلدى إدارة أوباما ملفات شائكة لها الأولوية، وبدءا من علل الاقتصاد إلى وضع العراق إلى الحوار الصعب مع إيران، والأغلب أنها ـ بعد جولات مبعوثها جورج ميتشيل الاستطلاعية ـ سوف تعود إلى المربع الأول، أي إدارة الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية دون التوصل إلى حلول لها، فسوف تواصل حكومات إسرائيل الجديدة تجارب الاحتكام إلى السيف، وإلى أن يثبت لها أن سيوفها صدئت، وأن المقاومة العربية الجديدة لا تهزم ولا تفنى، عندها سوف يراجع التجمع الإسرائيلي الاغتصابي أوراقه، ويلجأ مجددا إلى حيل البحث عن فرصة سلام، والتسليم الحقيقي ـ هذه المرة ـ بحقوق الفلسطينيين.

كاتب مصري