خبر الانتخابات الإسرائيلية وتداعيات زلزال غزة ..وحيد عبد المجيد

الساعة 10:27 ص|16 فبراير 2009

ـ الحياة 15/2/2009

أظهرت حملة انتخابات الكنيست ازدياد الميل إلى التطرف في أوساط الرأي العام الإسرائيلي بأكثر مما انعكس بشكل مباشر في نتائجها. ولا مفاجأة في ذلك، لأن هذا الميل آخذ في الانتشار في المجتمع منذ فشل مفاوضات الوضع النهائي (كامب ديفيد 2) في تموز (يوليو) 2000، واندلاع المواجهات الأطول زمنا والأشد عنفا في الضفة وغزة منذ احتلالهما في 1967. غير أن الحرب على القطاع، عشية الانتخابات، أوضحت تسارع الميل إلى التشدد في المجتمع الإسرائيلي، وأكدت أن فوز «حماس» في انتخابات 2006 التشريعية ثم انفرادها بالسيطرة على القطاع في العام التالي، كانا نقطة تحول في هذا الاتجاه. فقد بدأ في صيف 2007 التغير النوعي، الذي ازدادت معدلاته كميا في الأسابيع الأخيرة. وليست هذه المرة الأولى التي تتسبب غزة في إحداث تحول نوعي في الصراع العربي-الإسرائيلي. قبل نحو 54 عاما، ساهمت غارة إسرائيلية مفاجئة عليها ضربت معسكرا للقوات المصرية في بلورة وإطلاق تحول كبير كان يختمر في المنطقة حينئذ. لم تكن القيادة المصرية الجديدة حينئذ قد حسمت أمرها في شأن موقع الصراع ضد إسرائيل على جدول أعمالها. فجاءت الغارة على غزة، التي كانت تحت الإدارة المصرية عندئذ، لتدفعها إلى إعطاء أولوية متقدمة لهذا الصراع، وتبني سياسة راديكالية بدأت بعقد صفقة السلاح المشهورة مع الاتحاد السوفياتي السابق عبر تشيكوسلوفاكيا، ثم تأميم قناة السويس. وأدى ذلك إلى تغيير المعادلات في الشرق الأوسط عموما، وليس فقط على صعيد الصراع العربي - الإسرائيلي. وها هي غزة، المتناهية الصغر والبؤس معا، تغير المعادلات مجددا ولكن بصورة مختلفة. ولا يعود الاختلاف إلى الزمن الطويل الذي غير الكثير في المنطقة والعالم فحسب. فقد صارت القضايا المتعلقة بالصراع العربي-الإسرائيلي، وما يرتبط بها، أقل وضوحا وأكثر لبساً.

ومع ذلك فما يبدو واضحا اليوم بدرجة أو بأخرى أن ما حدث بين حزيران (يونيو) 2007 وكانون الثاني (يناير) 2009 يشبه زلزالا لم تنته تداعياته. فقــد زُلزل خيار السلام، الذي ظل يحكم الكثير من معادلات المنطقة على مدى نحو ثلاثة عقود.

ومثلما لم يأت الحسم العسكري الذي وضع غزة بين يدي «حماس» من فراغ، وإنما سبقته مقدمات تفاعلت فلسطينياً لعدة سنوات، كذلك الحال بالنسبة لانتخابات الكنيست الأخيرة. فقد تراكمت العوامل المؤدية إلى هذا المشهد الذي جعل مصير خيار السلام موضع شك عميق. وهو سيظل كذلك، من دون استبعاد احتمال سقوطه، ما دامت تداعيات الزلزال مستمرة. ولا يمكن وضع حد لهذه التداعيات بغير معالجة الوضع في مصدر الزلزال نفسه، أي في غزة. ولا تكفي أية تهدئة بين المسيطرين عليه وإسرائيل لتحقيق ذلك، لأنها تعالج أحد تداعيات الزلزال، وليس مصدره في العمق.

فالمدخل الوحيد الذي قد يفيد هو حل أزمة الانقسام الفلسطيني، التي يُرجح أن تحدث فيها الهزة المقبلة ضمن تداعيات الزلزال. وقد تكون منظمة التحرير المنطقة المرشحة لهذه الهزة، بعد أن أخذت عوامل الانقسام في الاقتراب منها منذ أن دعا رئيس المكتب السياسي لـ»حماس» خالد مشعل إلى مرجعية وطنية فلسطينية جديدة اسماها «مرجعية المقاومة». ومن هنا تكتسب المحاولة المصرية الجديدة لتنظيم حوار فلسطيني يستهدف مصالحة ما أهمية خاصة ربما تفوق أية محاولة سابقة في هذا المجال. غير أن المحاولة، وقد تبدأ الأسبوع المقبل، لن تجدي إذا أعاد القائمون عليها إنتاج جهودهم المتكررة التي أخفق آخرها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عندما رفضت «حماس» في اللحظة الأخيرة المشاركة في الحوار. وحتى بافتراض أنها لم ترفض، وأن الحوار حدث وأسفر عن اتفاق، فليس هناك ما يضمن أن يكون مصيره أفضل من ثلاثة اتفاقات سبقت بين آذار (مارس) 2005 في القاهرة وشباط (فبراير) 2007 في مكة. وإذا كانت هذه الاتفاقات ظلت حبرا على ورق قبل «موقعة غزة»، فقد صار صعبا بعدها الوصول إلى اتفاق يضاف إليها ويلقى مثل مصيرها. ويعود ذلك لأسباب في مقدمتها تشبث «حماس» بسيطرتها على القطاع، وحرص بعض قادة «فتح» والسلطة في رام الله على امتيازاتهم. لقد كانت السلطة، التي باتت شائهة بعد انهيار أوسلو التي نشأت في إطارها، عائقا جوهريا أمام تنفيذ عدة اتفاقات للتوافق. وعندما انقسمت  جغرافيا وسياسيا، وغدت سلطتين بالأمر الواقع، صار التوصل إلى اتفاق أصعب من ذي قبل. فلا استعداد لدى «حماس» أو «فتح» للمخاطرة بفقد ما في اليد. ولذلك لم يعد المنهج الذي تعتمده مصر، في سعيها لترتيب حوار فلسطيني، منتجا لأنه يتضمن تشكيل حكومة توافق تشرف على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة. فلهذه الانتخابات سيناريوان رئيسيان: -أن تنتهي إلى نتائج لا تختلف عما أسفرت عنه رئاسية 2005 وتشريعية 2006، أي رئيس من «فتح» وأغلبية نيابية لـ«حماس». وأن تفوز إحدى الحركتين بالرئاسة والأغلبية معاً. وإذا كان السيناريو الأول لا يضمن تحقيق مصالحة، وإلا لكان ممكنا بلوغها من دونه، فالثاني يثير مخاوف الحركتين معاً، ما يجعل كلا منهما في حال تردد في شأن الإقدام على انتخابات قد تخسر فيها كل شيء، وخصوصا «حماس» التي يبدو حصولها على شرعية عربية ودولية هدفها الأول بلا منازع الآن. لا يعني ذلك أن الحوار أصبح عصيا. فما زال إجراؤه، والتطلع إلى نجاحه، ممكنا بشرط أن تكون المقاربة واقعية. ولما كان التشبث بالسلطة مصدر عدم واقعية المقاربة المصرية الأخيرة، فقد فتح الصراع في شأن منظمة التحرير بابا لمقاربة أخرى تبدأ بالسعي إلى إصلاحها في المرحلة الأولى، على نحو قد يفيد في مد جسور بين الحركتين وبناء شيء من الثقة المفقودة. وربما تكون هذه المقاربة الجديدة للحوار أقدر على كسر الجليد ومد الجسور بما يخلق أجواء جديدة في الساحة الفلسطينية قد تنعكس إيجابا على الضفة وغزة وفي ما بينهما. وعندئذ، فقط، يمكن الحديث عن إمكان إنهاء تداعيات الزلزال الذي هز خيار السلام وبات يهدد بتبدد الآمال المعلقة على إدارة أوباما. فالرسالة التي حملتها الجولة الأولى لمبعوثها الجديد جورج ميتشيل هي أنه معني بإدارة الأزمة وليس السعي إلى حل الصراع ما دام الانقسام الفلسطيني مستمرا. كما أن توافقا فلسطينيا عبر مقاربة جديدة لهذا الانقسام يبدو شرطا لا غنى عنه لخلق فرصة جديدة لاحتواء الانقسام العربي قبيل القمة العربية الدورية المقبلة في الشهر القادم حتى لا يكون حلول موعدها منذرا بتكريسه وربما مفاقمته.