صفقة القرن واستراتيجية "الضفدع المغلي".. بقلم: حسن لافي

الساعة 11:53 م|31 يناير 2020

فلسطين اليوم

قاعةٌ تغصّ بمُرتدي القبّعات اليهودية الدينية. أساطين مالٍ تعتريهم هَلْوَسات أساطير معركة "هار مجدون". سياسيون أبرز ما في سيرتهم الذاتية خبرتهم في مجال السَمْسَرة. سفراء دول تطبيع عربي يرتبط بقاء حكم أمرائها بالرضا الصهيوأميركي. أما أصحاب الحفلة، فهما رئيسان فاسدان على أعتاب الانتخابات، يعزفان على أوتار الشعبوية الدينية القومية في كرنفالية "صهيو-أنجليكانية".

بعيداً من دلالات طريقة الإعلان عن "صفقة القرن" المُستفزِّة لمشاعِر كل الأمَّة، فإنَّ عرّابيها اعتمدوا على استراتيجية "الضفدع المغلي" المبنية على القصَّة الشائِعة التي تقول إنّ "الضفدع سوف يقفز فوراً عندما يوضَع في ماءٍ حار، بينما إذا وضِعَ في ماء مُعتدِل الحرارة، ثم تمّ تسخينه ببطءٍ، فإنه لن يقفز، وسيبقى في الماء، حتى بعدما يصير حاراً جداً، لأنه لن يشعر بالخطر التدريجي الحاصِل، وبذلك يموت عندما تبلغ درجة حرارة الماء قدراً مميتاً".

ولذلك، إنَّ الإعلان عن الصفقة بهذا الأسلوب الوَقِح تمّ بعد تنفيذ أكثر من 90 في المائة من بنودها الجوهرية، فالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على المُستوطنات في الضفة الغربية غير منطقيّ ما لم يكن قد سبقه على أرض الواقع مشروع استيطاني صهيوني على مدار خمسة عقود من الزمن، بات تعداد مُستوطنيه أكثر من نصف مليون مستوطن، ووصل إلى حد ابتلاع 30% من أرض الضفة فعلياً رغم توقيع اتفاقية "أوسلو". وبالنسبة إلى غور الأردن، فالتمركز العسكري الإسرائيلي موجود فيه منذ العام 1967، وحتى عندما وقَّع الأردن على اتفاقية "وادي عربة" للتسوية بينه وبين "إسرائيل" لم يتم الاعتراض على هذا التواجد.

أما مدينة القدس، فلا يدَّعِ أحدٌ المُفاجأة! لقد أعلنها ترامب عاصمةَ "إسرائيل" الموحَّدة ونقل سفارة بلاده إليها منذ العام 2018، والموقف الأميركي من حركتي حماس والجهاد الإسلامي ليس وليد اللحظة، بل هو موقف مُتماهٍ مع التصنيف الإسرائيلي للمقاومة الفلسطينية " كإرهاب" منذ البدء.

كما أنّ قضية مركزيّة قطاع غزَّة في جغرافية الكيان الفلسطيني، بحسب خطة "كوشنير - غرينبلانت"، هي تطوير لفكرة غزَّة وأريحا التي أضاف إليها الشهيد ياسر عرفات كلمة "أولاً". وعندما أدرك أنَّ الإسرائيلي اعتبر غزَّة "أولاً وأخيراً"، قرَّر الاستشهاد في رام الله كرسالةٍ سياسيةٍ على مركزيّة الضفة في جغرافية الدولة الفلسطينية.

وبالنسبة إلى مَن ادَّعى استغرابه حضور سفراء التطبيع العربي كرنفالية الإعلان، ألم يُدرِك بعد طبيعة التحالف الخليجي العَلَني مع "إسرائيل" ضدّ كلّ ما هو مقاوِم للمشروع الصهيوني في المنطقة، وأنَّ دول التطبيع العربي باتت تتعامل مع القضية الفلسطينية كعقبةٍ أمام تطوّر شراكتها الاستراتيجية مع المشروع الصهيو-أميركي!؟

أمام هذا الواقع المرير والمعقَّد، إنّ الاستغراق في تحليل بنود الصّفقة، وإمكانيات تطبيقها، ودراسة تداعياتها، وما إلى ذلك من تساؤلات، هو هروب من لحظة الحقيقة التي تطالبنا أن نواجه أنفسنا، ونعترف أنَّنا منذ ابتعدنا عن سؤال "كيف نُحرِّر كامل الأرض الفلسطينية من بحرها إلى نهرها؟"، بدأ تطبيق "صفقة القرن".

والمقصود هو التحرير بالمعنى الحقيقيّ لفعل التحرير، الذي لا يتأتَّى إلا من خلال استعداد فلسطينيّ للَفْظِ أوهام التسوية وسراب حلّ الدولتين، واسترجاع المشروع التحرّري الكفاحي، بعيداً عن أحلام حكم سلطة فلسطينية تحت بساطير الاحتلال، والإعلان عن انطلاق مقاومة فعلية على أرض الواقع في جبال الضفة الغربية وأزقّة القدس وحدود غزَّة، وكل مكان يتواجد فيه المشروع الصهيوني.

وبذلك يصنع الفلسطينيّ حالة اصطفاف جديدة داخل الأمَّة حول فلسطين كقضيةٍ مركزيةٍ للأمَّة. وبذلك يواجه الفلسطيني استراتيجية "الضفدع المغلي" التي ينتهجها المشروع الصهيوني، بالعودة إلى استراتيجية التحرير الكامِل والشامِل، وإلغاء فكرة التعايش مع الاحتلال الصهيوني بالمُطلَق على أية بقعةٍ من الأرض الفلسطينية، وإعادة العلاقة مع المشروع الصهيوني وكل مَن يصطفّ معه إلى مُربَّع الصِراع الصفري.

وبذلك من المُمكن إخراج القضية الفلسطينية من الماء المغلي قبل أن يصل المشروع الصهيوني إلى القدر الذي يُميت في داخل الأمَّة فكرة تحرير فلسطين

كلمات دلالية