خبر لفني وليبرمان ضد نتنياهو فهل سينجحا..يديعوت

الساعة 11:34 ص|13 فبراير 2009

بقلم: ناحوم برنيع

تسيبي لفني تروي بانها قد توجهت لاحد اللقاءات مع بيل كلينتون بصحبة زوجها نفتالي شبيتسر. كلينتون احاط نفتالي بذراعه وسار معه على طول الغرفة وهما متعانقين. عندما رأى ان تسيبي تنظر لهما طمأنها قائلا: "لقد قالوا عني امورا كثيرة الا انهم لم يقولوا عني مثل هذه الامور".

لفني انفجرت ضاحكة. قبل سنة لم تكن لفني لتروي مثل هذه الحكاية لصحفي او انها كانت لترويها مع ابتسامة مرتبكة خجولة كفتاة في مقتبل العمر تظهر بعض الخطيئة. في السنة الاخيرة تغير عندها شيء ما. هناك تغيرات طرأت العصفورة. هي اصبحت اكثر انفتاحا واكثر وردية واكثر استعدادية للتعبير. الاضواء اثارت عندها هذه التغيرات كلمسة ذهبية او قبلة امير على شفتي اميرة من الاساطير القديمة.

عشية الانتخابات سافرت متوجهة لقاعدة التدريبات التابعة للمظليين في النقب حتى تشارك في حفل انتهاء دورة الاغراض التي شارك فيها ابنها. المناسبة جرت في قاعة كرة السلة في القاعدة. عندما دخلت في ذروة البرنامج، لاحظ احد الاهالي وجودها فشرع بالتصفيق. اخرون قلدوه وتدريجيا انجرفت القاعة كلها في تصفيق حاد. لفني ارجعت رأسها في البداية للوراء، فربما يصفق الجمهور لشخص ما اخر غيرها. عندما اكتشفت انها هي المقصودة في محبة الجمهور هذه شع وجهها سعادة وسرورا.

الامور التي تثير سعادة لفني ستطرح من قبلنا فيما بعد. عندما التقينا في يوم الاربعاء غداة الانتخابات، كانت لديها اسباب غير قليلة للشعور بالسعادة. يوم الانتخابات انتهى في ساعات الفجر مع خطاب فوز مفعم بالادرينالين والدموع، في قاعة مليئة من نشطاء كاديما المتحمسين. في اليوم التالي ظهر فجر جديد مليء بالنشوة. تطلعها الاكبر هو ان تسبق الليكود في عدد المقاعد، وقد تحقق لها ذلك بفضل مقعد واحد في الكنيست. ولكن هذا الانتصار بلا مغزى حقيقي. من الناحية الاخرى هي ترى رئاسة الوزراء الا انها لن تأتي اليها.

احد اعضاء الكنيست الجدد في الليكود اجرى مقارنة قاسية بين وضع لفني وبين وضع جحا، شخصية النوادر والفكاهات العربية، عندما اراد ابعاد الاشخاص الذين يضايقونه فقال لهم اذهبوا الى هناك انهم يوزعون الطعام بالمجان، وبعد ذلك لم يتمالك نفسه وتبعهم مصدقا الكذبة التي ابتدعها لنفسه.

مقارنة اكثر سخاءا تقول: لفني انتصرت في المباريات الا انها خسرت في مباراة البطولة. القوائم لا تكذب: هي تعطي لنتنياهو فرصة شبه اكيدة بجمع عدد الاصوات المطلوب لتشكيل الحكومة.

في ساعات الظهيرة جاء لزيارتها صديق قديم: افيغدور ليبرمان. صداقتهما منذ سنوات طويلة. عندما انتخب نتنياهو رئيسا للوزراء سنة 1996 عين ليبرمان مديرا عاما لديوانه. ليبرمان بدوره عينها وهي محامية شابة مع حقوق الاباء والتطلعات السياسية، مديرة عامة لسلطة الشركات. هي كانت قد حظيت برعايته وهو امدها بعمل في الحكومة. في شهر تشرين الثاني 1997 بعد عام ونصف من التحقيقات البوليسية والفضائح السياسية المتلاحقة قام نتنياهو بابعاد ليبرمان عن المنصب.

ليبرمان لم ينس ولم يغفر: لديه تحت الجلد القاسي جلد ناعم جدا وحساس. هو شعر بالاهانة وهو ممتلىء بالضغينة والرغبة بالانتقام. حزبه الذي اقامه موجه لضرب بيبي اكثر مما هو موجه لضرب العرب.

        علاقته الدافئة مع لفني تواصلت. احد موظفي وزارة الخارجية في الماضي حدثني ان اي طلب تقدم به ليبرمان للوزارة كان يحظى بعناية خاصة. راحيل توليدانو هي ناشطة مركزية في حزب اسرائيل بيتنا، حزب ليبرمان. ابنة ليمور توليدانو بارمن، هي موظفة بارزة في ديوان لفني. هذا ليس صدفة. في حفل زفافها كما يدعى رقص ليبرمان ولفني معا متضاحكين.

عندما نصت على مسامع لفني ما سمعته حول علاقتها مع ليبرمان، ابتسمت كمن يضبط في خطوة سياسية ناجحة وواعدة. هي لم تعتذر ولم تبرر ذلك. ليبرمان هو الرافعة الوحيدة التي بقيت لديها في مساعيها لاجبار نتنياهو على تقاسم الحكم معها.

هي اكدت على الامور المشتركة بينها وبين ليبرمان مثل دعوته لتغيير طريقة الانتخابات. في السابق اعتقدت ان الطريق المتبع هي الحل الصحيح للمجتمع المتنوع كالمجتمع الاسرائيلي لانها تضمن التمثيل لكل اقلية وكل مجموعة. هذا الى ان دخلت في الحكومة وشاهدت الامور من الداخل حيث يسود عدم الاستقرار وغياب المسؤولية المشتركة. "تعلمت امرا اضافيا: لدينا هنا مشكلة بنيوية. الطريقة هي التي تقود نحو التطرف وبدل من التوحيد تشرذم الصفوف وتبرز الفوارق بدلا من تشجيع التعاون والمشاركة. في الاشهر الاخيرة بدأت باجراء مداولات لاجراء تغيرات في القانون من اجل تعزيز الاستقرار السلطوي. انا انوي مثلا ادخال تعديلات تصعب اسقاط الحكومة ومن الواجب التفكير بخطوات اخرى مثل التوجه نحو انتخابات رئاسية. جدعون ساعر من الليكود قدم اقتراح قانون يقول مسبقا ان الحزب الاكبر هو الذي سيشكل الحكومة. لو ان اقتراح القانون قبل لشكلت الحكومة القادمة. ولكن لحسن حظه قامت شاس بعرقلة الاقتراح". نتنياهو ايد بحماس في الماضي الانتخابات الشخصية لرئاسة الوزراء، لدرجة انه خاطر بموقعه في الليكود عندما خالف ارادة الكتلة الحزبية وصوت مع تغيير الطريقة. هو لا يؤمن بالانقالابات. الاحزاب الصغيرة لن تسمح لذلك وخسارة على الوقت كما يقول.

لفني تحدثت مع ليبرمان حول الزواج المدني بالاضافة الى تغيير طريقة الانتخابات. هذه مسألة هامة جدا لناخبي حزبه. اما بالنسبة لها فهي اداة ناجعة لتوسيع الشرخ في تكتل اليمين. شاس لم تسمح، وبيبي عالق في اتفاقه مع شاس. توسيع الشرخ في اليمين هو مهمتها في الايام القادمة.

هي تبحث عن جانب ايجابي في مواقف ليبرمان السياسية. من حيث الصورة هو موجود في اقصى اليمين، ولكن ان تحققنا من افكاره واحدة واحدة يتبين ان من الممكن التوصل الى قاعدة مشتركة. هو يؤيد تقسيم البلاد بما في ذلك القدس. مطلبه بالتصرف بيد قاسية مع الارهاب تشبه وجهة نظر كاديما.

اجل، هو قال في حملته امورا متطرفة حول عرب اسرائيل. انا تسيبي لفني قلت امورا اخرى. قلت ان العرب يستحقون المساواة المدنية الا انهم يحققون تطلعاتهم الوطنية في الدولة الفلسطينية وليس هنا. من الممكن ايجاد قاسم مشترك هنا.

انا افترض ان ناخبي اليسار اولئك الذين انتقلوا في اللحظة الاخيرة من العمل وميرتس الى كاديما، يبتلعون ريقهم عندما يقرأون هذه السطور. ولكن هذا ليس حال وزراء كاديما الذين دخلوا الى لفني بعد ان ذهب من عندها ليبرمان. هم يعولون على الاحتقار الذي يكنه ليبرمان لنتنياهو وتطلعه لتحول في يوم من الايام الى زعيم لليمين كله. وهم يعولون ايضا على خوف ليبرمان من التحقيقات البوليسية. شخصيته تشير الى انه واثق انه سيكون الوزير الابرز في حكومة يمينية ضيقة ان تشكلت وفي هذه الحالة سيستخدمون الشرطة والنيابة العامة بكل قوة لادانته. يا ليتنا كنا قادرين على القول بثقة انه مخطىء.

كهرباء في الهواء

الامر المثير في حملة تسيبي لفني هو الطريقة العفوية التلقائية والمنفلتة التي جرت فيها. خلافا لحملة اوباما مثلا التي كانت منضبطة بكل تفاصيلها، وخلافا لحملة ليبرمان المركزة، كانت حملة لفني عفوية بدرجة كبيرة. مستشاروها حذروها من انها تبدد نفسها الا انها اصرت على مواصلة الحديث والكلام.

خلال الحملة الانتخابية زارت ديوان المسؤول عن الدعاية لديها رؤوفين ادلر مرتين او ثلاثة. شارون اعتاد على زيارة ادلر يوميا خلال الحملات الانتخابية. وكان يتصل من هناك بالصحافيين ويقول لهم انه يتحدث من اعماق قبو ادلر، السرية كانت هامة جدا في ادارة الانتخابات. ذات يوم دخلت الى ادلر حتى ارى كيف يظهر مخبىء شارون هذا، فاكتشفت انه غير موجود وانما فقط سياسي يغلف نفسه بالغموض والسخرية من الصحافيين الراغبين بالسرية.

لفني فعلت العكس بالضبط يتوجب التعرف عليها لادراك مدى دراماتيكية التغير. هي فضلت خلال مسيرتها السياسية طرح وجهات نظرها من خلال عبارات مركبة ملتوية تبعث على الاحباط ولا يمكن تلخيصها. الانطباع السائد كان انها تجد صعوبة في بلورة رأي وخوض الكفاح من اجله. هي تفضل السير في الطرق الوسطى تاركة المجال لطريق العودة دائما. هي لا تتلوى مثل باراك وانما تستخدم التعريج. خصومها اتهموها بذلك بعد حرب لبنان الثانية وبعد شهادتها امام لجنة فينوغراد. لفني قالت لي "بيبي كان محقا عندما رفض المواجهة معي. هناك في اخر المطاف شيئا ما مؤثر في وجود الشخص امام التلفاز مباشرة. ظهرت في كل مكان وتحدثت من دون اجندة خفية ومن دون عبارات صاغها لي خبراء الانتخابات. كانت لدينا في كاديما مجموعات تركيز ولكني لم اشاهد في اي مرة من المرات الافلام التي صورت في هذه النقاشات والمداولات. بيبي كان في الزاوية المعاكسة: وخشي من قول اي شيء حتى لا يفسد الامور على نفسه. في الايام الاخيرة فقط بدأ يتحدث عندما اضطر للظهور وعندها ظهر بيبي الحقيقي".

سألت تسيبي لفني ان كانت قد شعرت بالاهانة مما قاله عنها بيبي وباراك. "انا غضبت من ذلك اكثر من الشعور بالاهانة". قالت. هي غضبت بصورة خاصة من حملة "هذا كبير عليها". هناك فرق بين الادعاء بانها غير مجربة بدرجة كافية وبين الادعاء بانها لن تتمكن ابدا من الوصول الى العظمة المطلوبة لهذا المنصب. باراك تعامل بصورة فوقية وطريقته هذه تتسبب بنزعة تناحرية مناهضة، وهي تشير الى شخصيته اكثر مما تشير الى خصومه.

هجمات نتنياهو وباراك على قدرات لفني تسببت لها بالضرر في نظر بعض الناخبين وتساؤلوا الناس ان كانت ملائمة فعلا لرئاسة الوزراء. الا انها كانت نافعة لدى الجزء الاخر مثل النساء اللواتي اعتبرن هذه التهجمات شوفينية رجولة حيث يسعى الرجال الى التأكيد ان مكانهم في رئاسة الوزراء وان مكانة المرأة في المطبخ. لفني التي لم تبرز ابدا في فعاليات مناصرة المرأة والتي لم تنظر لنفسها كممثلة للنساء في السياسة، استمتعت بهذه التفرقة التصحيحة الجندرية.

نتنياهو اعتقد ان ذلك ليس عادلا: من المسموح لكاديما ان تشوه صورته، ولكن عندما يرد بصورة مشابهة يتهمونه بشوفينية الرجولية. ربما كان ذلك صحيحا، ولكنه صحيح ايضا عندما اظهرت لفني في حملتها التفاؤل والرفق والنعومة التي افتقدتها الحملات الاخرى تماما. حتى من لم يرضى عن ارائها ولم يقدر قدراتها، ارادها ان تكون جارة له في الطرف المقابل. وليس من المؤكد انه يرغب بباراك او بيبي في حارته.

 في اغلبية الاماكن في البلاد حصل كاديما  على قدر اقل من النسبة المئوية مما حصل عليه في الانتخابات السابقة في 2006، ولكنه في بعض المدن ارتفع بصورة دراماتيكية مثل تل ابيب – يافا، حيث ارتفع من 27.9 الى 33.8. جزء كبير من هذا الانجاز يعود لممثل شاب اسمه تسفكي ليفن. هذا الممثل جلب للفني شبانا كثيرين وكذلك جلب لها تأييد المثليين جنسيا رجالا ونساءا رغم سنوات نشاط زهافا جالئون من اجل هذه الشريحة من الشاذين ورغم ان نيتسن هروفيتس عضوا محترما في هذه الفئة الا ان الاصوات ذهبت للفني.

سألت لفني كيف تفسر نجاحها عند المثليين جنسيا. هي قالت انها لا تملك تفسيرا. هذا حدث فجأة من دون تخطيط مثل امور كثيرة حدثت لها في الاشهر الاخيرة.

وراء المعسكر

"في الهامش هناك اشخاص يؤمنون ايديولوجيا باليمين واليسار" قالت لفني. "هم اقلية. الاغلبية تصوت وفقا للمرشح".

لفني تعتقد ان هذا جوهر السياسة الاسرائيلية الجديدة، خلافا للسياسة القديمة التي كان مفترق الطرق فيها الموقف من المناطق حيث انقسمت المعسكرات الى يمين ويسار.

عبارة لفني مطروحة للنقاش. ليس من المؤكد ان تقسيم جمهور الناخبين الاسرائيلي الى معسكرات قد اختفى، وان كان ذلك صحيحا فليس من المؤكد انه جيد. انتخاب انسان وفقا لصورته لم يؤكد نجاحه اكثر من انتخاب الحزب او الموقف او التقاليد الموروثة او ميول القلب يسارا او يمينا.

سياسيو الليكود اكثروا من تكرار العبارة التي ابتدعها روني ميلو منذ سنوات: المعسكر الوطني. هم ضمنوا في هذا المعسكر ليبرمان والبرتقاليين والاصوليين من طريقة الحاخام ماغور والحاخام اليشيف الذين يبصقون على كلمة "صهيونة" بنفس الازدراء الذي يبصقون فيه كلمة "النازية".

"المعسكر الوطني" تقول لفني، "هو اسم جماعي الا انه ليس صحيحا من حيث الحقيقة وهو ايضا مكروه بالنسبة لي. احادية البعد والنظرة تخنق الدولة".

تحطيم التقسيم الى معسكرات هو طبعا جوهر كاديما. احد الاشخاص المركزيين في كاديما شبهه بحزب ديغول في فرنسا الذي بدل اسمه وسياسته وقيادته من انتخابات لاخرى لانه حافظ على نفسه كحزب حاكم. هذا تميزكاديما وهذا ضعفها.

عشية الانتخابات نعت ايهود باراك كاديما بـ "حزب المزاج"، "معسكر لاجئين" وغيرها من النعوت التي تشير الى ان هذا الحزب عابر وصدفي لا يتكرر. اليوم هذا الحزب هنا ولكنه غدا لن يكون. في يوم الثلاثاء اجتاز كاديما بنجاح اختباره الثاني في صناديق الاقتراع، الاختبار الذي تتلاشى فيه اغلبية احزاب الاجواء والمزاج الهوائية (انظروا مثلا الى ما حدث مع حزب المتقاعدين) . هذا انجاز لفني الملموس كقائدة للحزب. ويتيح لها مواصلة الامساك بمقاليد الامور في كاديما خلال المفاوضات الائتلافية. الوزراء لن يتجرؤ على تحدي قراراتها – على الاقل حتى المفترق القادم .

كلمة طيبة

في احدى نقاط التردي التي شهدها حزب كاديما خلال الحملة الانتخابية ظهر حاييم رامون ودالية ايتسك لدى اولمرت طالبين منه ان يقول كلمة طيبة فوافق من دون تردد قائلا انه عضو وفي في كاديما وانه ان طلبت منه تسيبي ذلك فسيفعل كل ما تريده.

هي لم تتوجه اليه. كانت لديها نفس المعضلة التي مر بها الغور في عام 2000 عندما خاض المنافسة في مواجهة بوش. هل يطلب المساعدة من كلينتون ام لا؟ هو قرر تدبر امره من دون كلينتون وخسر.

لفني تقول انها لن ترغب في احراجه وشعرت ان طلب المساعدة منه بعد كل ما حدث بينهما وبعد كل ما مر به وما زال سيكون مبالغا فيه. هي لم تعرف ايضا ان كان موقفه سينفعها ام سيضرها.

في اخر المطاف قرر اولمرت الاعلان عن تأييده للفني من دون ان تطلب منه ذلك. الامر كان مفاجئة كبيرة لطاقم لفني التي سارعت للاتصال به وشكره على ذلك.

خلال الخطاب الذي القته بعد الانتخابات شكرت اولمرت على دعمه لها. كان بامكانها ان تسمح لنفسها باكثر من ذلك. خلال الاشهر التي مرت منذ اعلانها عن استقالته تحسنت صورته الشعبية بدرجة كبيرة. الناس عرفوا كيف يقدرون قدراته كرئيس للوزراء وقدرته على اتخاذ القرارات وتمريرها باجواء معادية معقدة. هي تدين بشيء من انجازها على ما يبدو لاولمرت.

الكارثة الاخرى

في السادس عشر من كانون الاول قبل الشروع في عملية غزة التي تسببت بازمة في العلاقات بين اسرائيل وتركيا باسبوع، ارسل ايهود غول احد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية رسالة لمدير عام الوزارة اهارون ابراموفيتش. الرسالة رمت الى تلخيص الفترة التي كان فيها غول سفيرا غير مقيم في عدة دول ومن بينها ارمينيا.

غول اقترح بان تقوم اسرائيل بدراسة علاقاتها مع تركيا مرة اخرى. في بؤرة رسالته تلك كانت المداولات السنوية التي يجريها الكونغرس الامريكي بصدد المذبحة التي ارتكبها الاتراك بحق الارمن بعد الحرب العالمية الاولى. مسالة مؤلمة تشغل اربعة دول على الاقل  في كل عام: تركيا، ارمينيا، اسرائيلي والولايات المتحدة.

الارمن يطالبون بان يتم احياء المذبحة التي يعتبرونها المحرقة الارمنية في الكونغرس الامريكي. حكومة تركيا تنفي وجود المذبحة وهي تكافح بكل ما اوتيت من قوة ضد ذكرها.

تركيا تتوقع من اسرائيل ومن اللوبي اليهودي ان يعملا على منع ذكر المذبحة في الكونغرس الامريكي. افتراضهم هو ان اليهود اقوياء في امريكا وبالنسبة لدولة ارمينيا والجالية الارمنية في امريكا فهم يخوضون الكفاح من اجل منع نسيان هذه المذبحة. المنظمات اليهودية ممزقة حيث تجد نفسها في نفس الزاوية مع المتنكرين للمحرقة اليهودية في اطار محاولاتهم التي يرغمون عليها بمساعدة الاتراك.

الضغوط الارمنية ستتواصل كما كتب غول الذي اصبح سفيرا لاسرائيل في البرتغال اليوم. هناك شك في ان نتمكن كيهود في ان نكون اخر من يؤيد المحرقة الارمنية ونعترف بها.

الازمة الدائرة حول ذكر المحرقة الارمنية تحدث في كل عام قبيل موعدها الموافق 24 من نيسان. في السنة الماضية منع بوش بتدخل شخصي منه وفي اللحظة الاخيرة اجراء مداولات حولها في الكونغرس. في هذا العام لن يكون للاتراك بوش الذي يعتمدون عليه واوباما لن يسارع الى تكرار ما فعله سلفه. اسرائيل ستضطر لاتخاذ قرار ان كانت ستمارس نفوذها في واشنطن ام انها ستقف متفرجة في هذه المعركة.

راموفيتش يقول ان الحكومة القادمة ستضطر لاجراء نقاش جدي حول العلاقات مع تركيا وهو معفي من اعطاء التوصيات وانه لن يخدم في الحكومات القادمة.

ملاحق غزة

في ذروة عملية الجيش الاسرائيلي في غزة اتصلت معي مراسلة صحيفة بريطانية كبيرة معادية للعملية ومعادية لاسرائيل. هي سألتني عن الفكرة التي تطرح في صحيفتها وفي صحف اليسار الاخرى بفرض مقاطعة دولية على اسرائيل. هذا الامر نجح مع جنوب افريقيا في فترة الابارتهايد فلماذا لا ينجح مع اسرائيل.

قلت لها انني اعتبرها مبادرة حمقاء وحاولت تفسير ذلك. المحادثة بيننا كانت كئيبة. وليس من البيسط ان توضح لانسان او لصحيفة بانه ضعيف العقل وان فكره ضحل وان تتوقع منه ان يفهم ذلك.

بعد ذلك باسبيع قلائل قرات عن رسالة كتبها حايم غناز البروفيسور في القانون في جامعة تل ابيب ردا على انضمام بنينا شربيت – باروخ رئيسة قسم القانون الدولي في النيابة العسكرية الرئيسية الى طاقم الجامعة التدريسي. اغناز اراد التعبير عن احتجاجه، ان اتضح ان شربيت – باروخ قد صادقت على تنفيذ جرائم حرب في غزة. اثر رسالته هذه نشرت مقالة رئيسية في صحيفة هارتس اوغلت اكثر من ذلك ودعت الجامعة الى الغاء تعيينها لشربيت – باروخ.

حملة اقالة باروخ اثارت غضب كبيرا في الجيش وخارجه ايضا. باراك احتج على ذلك واولمرت صرح بان الحكومة لن تدعم المؤسسات التي تمتنع عن قبول الضباط في الجيش الاسرائيلي للعمل. بعض الاشخاص توجهوا الى شربيت في الشارع وعبروا عن تضامنهم معها، البعض الاخر عبر عن الاسف بان النيابة العسكرية لا تسمح للجيش الاسرائيلي بقتل عدد اكبر من المدنيين في غزة. هؤلاء كانوا استثناءا.

الجامعة صرحت بانها ستتجاهل رسالة الاحتجاج وان المحاضرات ستبدأ كالمعتاد فزال اسم شربيت من عناوين الصحف على الاقل الى ان تبدأ وظيفتها الثانية كمحاضرة.

الا ان هذه الحكاية تركت طعما مريرا رغم ذلك. حتى اليوم اتخذت في العام خطوات قانونية ضد سياسيين وعسكرين كانوا ضالعين كما يزعم في جرائم حرب. مذيع في رواندا اتهم بالتحريض الذي ادى الى ابادة شعب. الخطوة التي مورست ضد شربيت – باروخ كانت محاولة اولى لجباية الثمن من المختصين في القانون.

كان من الممكن الترحيب بذلك لو اعتمدت هذه المحاولة على اساس وادلة. الاختلاف بين عملية غزة وعمليات الجيش الاسرائيلي اخرى لم يكن في التصاريخ والمصادقات التي اعطيت لها بل بالعكس في زيادة تدخل المختصين القانونيين في اعطاء التصاريح او الغاءها. وجودهم في مقرات القيادة وغرف العمليات وصل حتى مستوى الفرقة بينما لا يصل في امريكا اكثر من مستوى الكتيبة.

خلال العملية كانت هناك اهداف قليلة لم يصادق عليها بسبب معارضة النيابة العامة. جرائم الحرب كما هي معرفة لم تحدث في العملية لان الجريمة الحربية تحدث فقط اذا كان هناك ضرر يتم عن قصد واصرار. ان كانت هناك خروقات لقوانين الحرب وانا لست متاكدا من وجودها فليس المذنب المسؤولون في النيابة العامة وانما مستويات القرار والتنفيذ.

هناك مسألة واحدة مقلقة لم ينته التحقيق بصددها بعد: استخدام قنابل الفوسفور الابيض. القنابل اطلقت من الراجمات. وخلافا لما افيد خلال الحرب لم تقم وحدة واحدة بارتكاب الخطأ فيه وانما عدة وحدات. المسؤولون القانونيون منعوا وحدات الجيش الاسرائيلي استخدامه في غزة الا انهم خرقوا التعليمات.

خلافا لذلك هناك شيء ما يبعث على الغضب في محاولات اسرائيليين من اطراف اليسار تقليد سرعة التطرف الرائجة في الغرب، التي لا توجد لها صلة بالمشاكل العسكرية التي تواجهها دولتهم. هذا عمل شرير وبغيض واحمق ونتيجتها الوحيدة هي ان مزيدا من الشبان والجنود خريجي الجيش يقعون في اغراء التصويت لليبرمان.