خبر الارض الموعودة..معاريف

الساعة 11:31 ص|13 فبراير 2009

بقلم: بن كاسبيت

في ذروة الحملة الانتخابية اقترح احد قادة الليكود دس حبة ريتالين في كأس بنيامين نتنياهو. ربما سيؤدي ذلك الى تهدئته وتهدئة المحيطين به، الذين تجولوا اسابيع طوال حول انفسهم كمن اصابهم المس. الذروة حدثت في اليوم الاخير. الليكود اعلن عن مؤتمر صحافي عاجل ومصيري، مع نتنياهو ويوفال رابين. ابن رابين كما وعد ينوي الاعلان عن تأييده لنتنياهو. وكأنه لم تكن في ميدان صهيون شرفة ابدا. الصحافيون سارعوا على عجل لتغطية الحدث التاريخي. في غضون ذلك وصلت رابين الابن رجل الاعمال الفاشل وشبه المثير للسخرية اتصالات هاتفية غير قليلة. من داليا ايتسك مثلا. بين هذا وذاك وجلس هناك وصرح عن تأييده لايهود باراك. هذا على ما يبدو ما انقذ باراك من الهزيمة. نتنياهو جلس منكمشا بجانبه. باراك انكمش في اليوم التالي. كان في الليكود مسؤولون كبار وحتى كبار جدا، شاهدوا هذا المؤتمر الصحفي امام التلفاز وفكروا بالانتحار. "انا لم اصدق ما تراه عيناي" قال احدهم في ذلك المساء، "من اجل من ومن اجل ماذا. ليس من الممكن ادارة حملة انتخابية على هذه الطريقة هذا امر هذياني".

بنيامين نتنياهو كان مركز اهتمام هذه الحملة. صحيح ان بعضا من وسائل الاعلام رغبت بانتصار تسيبي لفني. في بعض الاحيان كانت معالجتهم لقضيتها شبه اهانة مهنية كما جاء في مقالة المسؤول عن الاعدام الوطني اري شافيت في صحيفة هارس وفي بعض الاحيان بطرق شرعية. اما نتنياهو فلم يحظ بمثل هذا الاهتمام. تسببنا بنسيان الجمهور لنقاط ضعفه. هذه النقاط التي لم تتلاشى عبر السنين كما يظهر. وربما على العكس.

قبل الانتخابات بعدة ايام وصلتني حكاية. سائق سيارة تكسي من الخضيرة يقول انه يقوم بنقل ابناء عائلة نتنياهو وخصوصا سارة والاولاد بصورة دائمة منذ مدة طويلة. سفيرات طويلة من قيسارية الى باقي ارجاء البلاد وايابا. هذا مشروع. الا ان السائق حدثني ان اجره الذي يبلغ قدرا كبيرا من المال يدفع من قبل الليكود. من خزينة الحزب التي هي خزينة الدولة. الحكاية التي لم تأتي من جهات سياسية وصلتني قبل الانتخابات باربعة ايام وتم التحقق منها وتبين انها صحيحة (رد نتنياهو: "عائلة نتنياهو تقوم بتغطية كل نفقاتها الخاصة. ان كانت هناك حالات قليلة دفع فيها المال من قبل مدير عام الليكود فقد اعيد بعد ذلك بمبادرة من نتنياهو"). الحيرة كانت شديدة. قررت عدم نشر مثل هذه الحكاية عشية الانتخابات لان ذلك سيعتبر نوعا من الملاحقة المقصودة. فنتنياهو مر بمثل هذه الحكايات في اكثر من مرة. ما الجديد في ذلك؟ ربما كنت مخطئا.

في يوم الجمعة الاخير قبل الانتخابات قدم بنيامين نتنياهو الى استديوهات القناة الاولى لاجراء مقابلة في برنامج "يومان". وجاء بصحبته الناطق يوسي ليفي. كما جاء الحراس والمرافقون ومعهم شخص ما. وجه معروف. "انا زئيف روبن شتاين من نيويورك صديق بيبي", عرف عن نفسه. زئيف دخل مع نتنياهو الى غرفة الماكياج. بعد ذلك جلس من وراء الكواليس. وبعدها اتضح انه قد دعى نتنياهو والعائلة الى وجبة عشاء في مطعم مقدسي. احد كبار المسؤولين في الليكود قال ان هناك اشخاص كثيرين من امثاله وكلهم يأتون ويذهبون. بعضهم يسافر معه في السيارة. وهو تحت التاثير طوال الوقت. بدلا من ترك المهمة للمهنيين. هم يفقدونه صوابه. يقنعونه ويؤثرون عليه ويدخلون في تفاصيل حياته. ويسيرون وراءه. هم مع الزوجة والاصدقاء والكثير جدا من المستشارين الخارجيين الخفيين الذين يعملون في موازاة الثمانية عشرة مستشارا القائمين. ليس من الممكن ادارة حملة انتخابية في مثل هذه الصورة، قال المسؤول. السؤال هو هل يمكن بهذه الطريقة ادارة الدولة.

اخفينا نتنياهو في هذه الحملة. لم نتحدث عن سلوكه وعن ترفه وبذخه ذلك لان الرحلة الشهيرة الى لندن لم تحدث في الحدث السابق. لم نتحدث عن زوجته وعن تأثيرها الملموس الدراماتيكي الذي لم يتوقف للحظة واحدة. قدمنا له خصميات ضخمة واسعارا كما في العروض. افترضنا ان الجمهور يعرفه جيدا. صدقنا انه تغير وفي الحقيقة يتبين ان هذا لم يحدث. بيبي ظل على حاله خيرا او شرا. موهوب فصيح ذو فهم جيوسياسي عميق وقدرة عالية على الاقناع ورؤية واضحة ونهجا حصل على مصادقة الشعب في يوم الثلاثاء. لكن فوق كل ذلك يحلق بيبي المعروف غريب الاطوار، الضعيف، الذي يشعر بالضغوط وينضغط. ان لم يدرك بسرعة ان على رئيس الوزراء ان يحيط نفسه بثلاثة اشخاص وليس ثلاثين ستكون امامه ولاية قصيرة ومريرة.

هو حرص على حدوث هذه الانتخابات وجلب اليها عدة اشخص جيدين. لديه رجل استطلاعات ممتاز، يسرائيل بخار، ربما الافضل من هذا القبيل في اسرائيل، الذي يبتعد عن وسائل الاعلام ويقوم بعمل صامت هادىء. ولديه ناطق فعال. رئيس الديوان اري هارو على ما يرام. رون دريمر الرجل القوي الناجح والموضوعي (والذي يتمتع بتأييد السيدة). المسؤول عن الاعلانات يوران باومن وصوفي شاكيت، قاموا بعمل جيد في اطار الوقت والمال المحدودين.

الون بن كاس الذي يتشاور نتنياهو مطولا معه في القضايا الخارجية هو العقل الاكثر المعية في هذا المجال (مرشح للسفارة في واشنطن او شيئا من هذا القبيل). بيبي اقترح ايضا منصبا حوله للصحفي حاونخ داون الذي لم يعطه الرد بعد.

ولكن فوق وتحت ومن وراء ومن امام كل هؤلاء جيش كبير وطويل من الاشخاص الذين يسيرون في هذا الذيل. هم هؤلاء الذين يديرون حياة نتنياهو وقد يحولون فترة حكمه اناصبح رئيسا للوزراء الى جهنم فوق الارض. نحن لن نشتاق لايهود باراك فقط (براعم هذا الاشتياق تظهر على الارض من الان) بل اننا قد نشتاق لايهود باراك. يوسي بيلد الذي قرأ في الصحيفة ان احد قادة الليكود وجه الانتقادات للحملة قال في جلسة قائمة الليكود صبيحة الانتخابات "لم انجح في النوم بعد ان قرأت ذلك" قال. "يوسي"، قال له عضو الكنيست جلعاد اردين، "في مثل هذه الوتيرة لن تنام كثيرا خلال الفترة الرئاسية القادمة".

يوم السبت قبل الانتخابات بثلاثة ايام جلست تيسيبي لفني على شاطىء البحر بعد جولة الصباح الدائمة التي تقوم بها. فجأة تقدم منها صبي في العاشرة من عمره واراد مصافحة يدها والتقاط صورة معها. لفني المعتادة على امور كهذه تعاونت معه بكل سهولة. بعد ذلك سألت الصبي مباشرة ان كان يؤيدها. الصبي قال لها انه لا يؤيدها. "انا اؤيد جدي". ومن هو جدك؟ ايهود باراك. هذا جد. في نفس المساء عقدت في القدس جلسة للثلاثية اولمرت وباراك ولفني. باراك جاء اليها بعد ان تلقى تقريرا من حفيده. الصبي اعجب بلفني ولكن ليس لدرجة قيامه بخيانته جده. من الناحية الاخرى باستثناء الحفيد وابناء العائلة المقربين يتبين ان كل من تبقى ضدهم. تسيبي لفني انتصرت في هذه الانتخابات انتصارا ساحقا حتى في الكيبوتسات.

والدك، ايتان لفني يتقلب في قبره، كما قال لها احدهم في غداة يوم الانتخابات. صحيح هي ابتسمت في طفولتها اعتادت الصعود الى سطح المدرسة في الاول من ايار سرا وانزال العلم الاحمر من فوقها. فجأة هي وجدت نفسها على رأس معسكر السلام. "المسألة تتعلق بالقيم" هي تقول، "المسألة ليست قضية حرب وسلام. انا اعتقد اننا قد سرنا في هذا الطريق معا منذ ذلك الحين وحتى اليوم. هم قاموا بنصف دورة وانا كذلك".

حملة لفني كانت جيدة. بوجه عام وفي تلك الليلة اطلق ادلر واراد كل ما كان في ترسانتهما. من "بيبي؟ انا لا اصدقه"، مرورا بـ "البوليغراف" و "ملفات نتنياهو". جلبوا كل جيد وخير في هذه البلاد. بعد بث تلك البرامج جرى نقاش. كل المترددين خفضوا بصورة دراماتيكية عدد نقاط نتنياهو في ذلك البرنامج. تاثير هذا البرنامج والندوة كان ضخما. كلهم رفعوا دفعة واحدة نقاط ليبرمان وجزءا كبيرا رفع نقاط لفني.

في ذلك المساء عرف اتباع بيبي انهم في مأزق. استطلاعات اسرائيل بخار اشارت الى ان نتنياهو لا يتجاوز الثمانية وعشرين مقعدا. من نشر استطلاعات مع فارق 12 مقعدا فعل ذلك من خياله فقط. الوضع الحقيقي بعد التحليل الصحيح لعملية تصويت المترددين اعطى 3 حتى 4 مقاعد اضافية لنتنياهو اي ان العدد يتراوح بين 24 حتى 28. ما حدث في الليلة الاخيرة هو انهيار باراك. وكذلك ميرتس. "تسيبي او بيبي" فعل فعله ولفني ابتلعت كل اليسار دفعة واحدة من دون ان يعرف احد من الذي جاء اليها. كل شيء حدث من اجل التصدي لنتنياهو. هذا لا يكفي على ما يبدو ولكنها كانت راضية غداة يوم الانتخابات الا انها محبطة كما قالت. هي وقفت على جبل نافو مطلة الى الارض الموعودة التي لن تأتي اليها. في اعماقها هي تعرف ذلك فقد تعلمت بضعة امور في هذه الحملة ونسيت بضعة اخرى. الا انها صمدت في ذلك بصورة تبعث على الاحترام.

من ناحية اخرى لديها بضعة نقاط ضعف ليست قادرة على التغلب عليها. بالامس خرجت عن اطوارها حتى تثني على داليا ايتسك قد كانت محقة في ذلك. رئيسة الكنيست هذه انتحرت من اجلها. وافقت على تبوء منصب رئيس طاقم لفني بعد ان رفض مفاز ذلك وقبلته ضد كل الاحتمالات. سارت مع الرأس نحو الجدار. وتجولت في كل البلاد وهي تلبس قميصا عليه صورة تسيبي وقامت بجولة اتصالات هاتفية مثل المجنونة. في اخر المطاف في ليلة الانتخابات وفي الخطاب امام النشطاء وامام عدسات التلفاز، لم تجد لفني عبارة تقولها في صالح داليا ايتسك. هي لا تمتلك بعد القدرة على العناق واعطاء الدفء والحنان وان تكون فائزا سخيا. لا تستطيع العمل مع الناس بعد واعطاء الثقة، وعدم الوقوع في الشك طوال الوقت. يتوجب ان نأمل بان تطور لفني من مزاياها هذه وان تتعلم شيئا في مجال العلاقات الانسانية، وان تعرف كيف توزع الصلاحيات للاشخاص من حولها واستخدام قدراتها بدفعهم للانتخار من اجلها. فليس الجميع داليا ايتسك كما تعلم.

ما الذي ستفعله الان؟ هي لا تعرف بعد. هي تدرك ان هذا لم يحدث. فهي قد انتصرت في المعركة الا انها خسرت الحرب. هل ستنضم الى حكومة نتنياهو؟ "هذا ليس مطروحا الان. والجواب هو لا ان كانت هذه حكومة تضم كل المتطرفين والاصوليين. ربما يتوجب القول لا شكرا والتوجه لخدمة الشعب من المعارضة. "من الناحية الاخرى يتوجب علي ان احاول صده. وان احاول اقامة حكومة لانني ادين بذلك للناس". اية حكومة احد اتباعها يقول موضحا: صحيح ان تسيبي لفني لم تستطيع دفع العملية السياسية في حكومة مشتركة مع ليبرمان والاصوليين. من الممكن التصريح مسبقا ان هذا ليس المقصود. ان لا تقوم الحكومة باعمال سياسية شاذة، باستثناء صيانة العملية، ولكن بامكانها ان تمرر ميزانية طوارىء وان تعد برنامج طوارىء اقتصادي وان تغير طريقة الحكم وان تتوجه لانتخابات جديدة خلال فترة قصيرة. نحن في فترة صعبة يتوجب اجتيازها. من الممكن اقامة مثل هذه الحكومة لعام يتوجب بعد ذلك التوجه لانتخابات متفق عليها. هذا ليس مستبعدا. يتوجب تمرير ثلاثة قوانين بسرعة. تغير طريقة الحكم وامكانية اجراء الانتخابات خلال 45 يوما فقط والغاء الدعاية الانتخابية. هذا بسيط وهذا ممكن.

في غضون ذلك انتظروا الجميع افيغدور ليبرمان. غداة يوم الانتخابات تلقى اتصالا هاتفيا من احد اتباع لفني. "انت تركض لمسافات طويلة" قال له المتحدث، "فلتأتي الينا اذن. عندنا فقط يمكنك ان توفر البضاعة المطلوبة لناخبيك. لديك الان خمس دقائق من المجد. ما الذي ستكسبه عند بيبي؟ هل ستحطم حماس؟ حقا. لن تحصل على الزواج المدني ولن تحصل على تغيير طريقة الحكم ولن يكون بامكانك ان تطرح اي شيء كانجاز. لن تصبح ابدا رئيس وزراء كهذا . عليك ان تضع نفسك في منتصف الخارطة. المجد الذي تتمتع به الان سيزول. الان يقول لك الجميع انك كبير وانك هام ولكن احد لن يتذكر ذلك بعد حين بعد عامين مثلا حيث سيشتعل كل شيء هنا من دون ان تجلب اي شيء. اما مع تسيبي فلديك امكانية لتحقيق اربعة حتى خمسة انجازات مذهلة بالنسبة لك".

ليبرمان اصغى. قائمة مطالبه معدة منذ زمن. هو اعد واجباته وفروضه المنزلية. في بداية الحملة في جلسة داخلية عندما اظهرت له الاستطلاعات سبعة مقاعد طلب اعداد ميزانية وفقا لستة عشرة مقعدا. اندهشوا منه هو اصر على ذلك وقد نجح في ما اصر عليه.

من الناحية الاخرى مستقبله غير واضح ومبهم. صحيح ان مفاتيح مستقبل الحكومة والائتلاف في جيبه ولكن مفاتيح مستقبله في جيب ميني مازوز. ان تمكن من الحصول على وزارة هامة فلماذا يدخل في الائتلاف؟ ربما من الافضل له اذا الانتظار في الخارج؟ الا ان المصيدة ستتعقد في مثل هذه الحالة فقط. نتنياهو سيحتاج الى لفني او الى باراك.

واما باراك فلم نتحدث حوله بعد. فقد كتب كل شيء. كان بامكان باراك ان يفعل ذلك. كانت لديه خطة واضحة ومرتبة. وكان لديه اشخاص جيدون. بعد ان انتصر على عامي ايلون صعد رصيده الى 26 مقعدا في الاستطلاعات مقابل 28 لبيبي و 9 لاولمرت. كل ما كان عليه ان يفعله هو ان يخرج من الحكومة بعد فينوغراد كما وعد الناس. بدلا من ذلك بدأ يورط نفسه ووقع فريسة لغرائزه. طرد الاشخاص من حوله واتهم الاخرين بانهم يسرقون له الحزب. خسارة انهم لم يسرقوه. فلو فعلوا لكان الحزب قائما موجودا. الى ان باراك كسب كل هموم هذه باستقامة ونزاهة ومع ذلك يرفض تحمل المسؤولية عن ذلك. لا زال حتى الان متشبثا بمقعده رافضا التخلي عنه. ليس لديه مكان يتوجه اليه. الطقس في الخارج بارد والملياردرات خسروا ثرواتهم. الارباح التي تلقاها مقابل المحاضرات تبددت ولم يعد لديه مصدر يربح منه. في مثل هذا الوضع من الافضل له ان يبقى في الكنيست ليشارك في جلسات لجنة الخارجية والامن وغيرها من الاجتماعات وان يقود سيارته بنفسه للقدس ذهابا وايابا مع مساعدين برلمانيين من دون سكرتيرة مكتب. باراك مستعد للاعتياد على كل ذلك المهم ان يسمحوا له بالبقاء. الرفاق في حزب العمل ينتظرونه ولا يفعلون شيئا في الوقت الحاضر. "مثل تلك النكتة التي تروى حول الطبيب الصيني حيث يفضل تركه يجف من تلقاء نفسه وان يسقط لوحده". قال احدهم في هذا الاسبوع.