كتب عبد الرحمن شهاب: الانتخابات الفلسطينية: عملية أمنية للجيش الإسرائيلي

الساعة 10:57 ص|13 يناير 2020

فلسطين اليوم

في ظل الحديث المبهم عن الانتخابات الفلسطينية، وتطلع الكثيرين لقلم الرئيس كي يوقع على مرسومها، ووصول مشروع السلطة إلى حالة غموض لا يطلع عليها إلا من كان داخل عقل أبي مازن أو مقربًا من أجهزة الأمن الإسرائيلية؛ فقد أصبح من المفيد أن نترجم في مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية دراسة توجيهية صادرة عن قسم التوجيه التابع للعمليات في هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، وذلك عام 2016. الدراسة تسلط الضوء على دور الجيش الإسرائيلي في الانتخابات الفلسطينية، وعلى مسرح العمليات خلال الانتخابات، وذلك لأهمية الانتخابات الفلسطينية بالنسبة لإسرائيل، حيث من المفترض - من وجهة النظر الإسرائيلية - أن تفرز قيادة تتوافق مع المشروع الإسرائيلي للقضية الفلسطينية، وهذا ما توضحه دراسة الجيش الإسرائيلي، وأوامره العسكرية المكونة من عشرة مواد بجميع تفاصيلها.

لا غرابة في العنوان إذا علمنا أن العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية لم تمر عبر تاريخها إلا من خلال الأمن، ولا شيء فيها يمر من خلال الدبلوماسية أو العلاقات الخارجية، أما الانتخابات الفلسطينية فقد حصلت ثلاث مرات، وعلى حد تعبير الدراسة ففي كل مرة كانت تتم وفق تخطيط الجيش الإسرائيلي، ووفق مصلحة إسرائيلية واضحة.

بل اعتبرت الدراسة أن إجراء الانتخابات في المرات الثلاثة كان جزءًا من الأهداف الاستراتيجية للسياسة الإسرائيلية، التي كانت تشجّع صعود قيادة فلسطينية شرعية مسؤولة وفاعلة تعمل ضد "الإرهاب". هذا حصل في المعركة الانتخابية عام 1996عندما دعمت إسرائيل ياسر عرفات، حيث اعتبرت الانتخابات كجزء من الأهداف الاستراتيجية من تأسيس العلاقة مع السلطة الفلسطينية وتعزيز مكانة عرفات وتعميق التعاون الاستخباراتي معها لإحباط العمليات ومنع تسهيلاتها. الاستعدادات والترتيبات قبيل انتخابات السلطة الفلسطينية استغرقت عدة أشهر، حيث عملت إسرائيل وجيشها على المساعدة في إجراء الانتخابات في موعدها.

كان الجيش الإسرائيلي في أوج استعداداته خوفًا من أن يتم التشويش على الانتخابات من قِبل عناصر معادية لفكرة الانتخابات أو من قِبل الفصائل التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات، الجيش الإسرائيلي وقواه الأمنية استعدوا بالانتشار الموسع في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة التي تسيطر عليها إسرائيل، وفي المحاور المرورية.

أما الانتخابات الثانية بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات (يناير 2005)، فقد كانت لإسرائيل مصلحة واضحة في إجراء الانتخابات كدعامة مركزية في خلق "الفرصة الاستراتيجية" لتجديد الحوار بين إسرائيل وبين "عنوان" فلسطيني شرعي، ودفع إمكانية الحل تحت عنوان "خارطة الطريق"، ولذلك وضعت شعبة العمليات خطة إعداد وحددت جدول إجراءات المعركة، والتي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي عملية "رفع الستار" وفق التفصيل التالي:

أ) نشر مسودة عن أوامر قيادة الأركان في الـ 30 من نوفمبر 2004.

ب) التطرق إلى مسودة قيادة الأركان؛ مناقشة ترأسها رئيس الأركان في الأول من ديسمبر 2004.

ج) تلخيص مبادئ تعليمات قيادة الأركان من قبل رئيس لواء العمليات في 1 ديسمبر 2004.

من ضمن الخطط التي نفذت، التوصل إلى اتفاق جنتلماني مع الفصائل المعارضة في غزة بعدم القيام بعمليات ضد الجيش والمستوطنين من قطاع غزة، وقد تم نشر الآلاف من القوات الفلسطينية على الحدود الفلسطينية، الأمر الذي استخدمه أبو مازن معتبرًا أن القوات الفلسطينية عادت للقيام بمهمتها في حماية الفلسطينيين وتوفير الأمن.

الانتخابات الثالثة كانت تختلف في الأهداف، حيث جرت بعد الانفصال عن قطاع غزة (أغسطس 2005)، ولم يكن الهدف منها اختيار قيادة فلسطينية تصل إلى أيّ اتفاق مع إسرائيل، بل كان الهدف هو عدم اتهام إسرائيل بتعطيل عملية اختيار قيادة فلسطينية، ومن بين الأهداف الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي حُدّد أن تحقيق الاستقرار في المنظومة الفلسطينية هو مصلحة إسرائيلية. انتخابات المجلس التشريعي، التي جرت في الـ 25 من يناير 2006، كانت الموعد المحدد الذي صوبت العمليات التشغيلية للجيش الإسرائيلي نحوه من خلال التطلع للسماح بالانتخابات ومنع اتهام إسرائيل بإفشالها.

كانت اتفاق القاهرة قد مهّد الطريق أمام حركة حماس لخوض انتخابات المجلس التشريعي، وكذلك اتفاق التهدئة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال.

الجيش الإسرائيلي من ناحيته أطلق على عملية الانتخابات "الشتاء الأبيض"، سياسة الجيش كانت قائمة على أساس التفريق بين السكان الفلسطينيين من غزة عنهم من الضفة من ناحية، والسماح للسلطة الفلسطينية ببسط سيادتها من ناحية ثانية.

حماس امتنعت عن القيام بعمليات ضد الاحتلال في هذه الفترة، لكن الجهاد الإسلامي عادت إلى العمليات بعد 31/12/2005 حيث لم يتم تجديد التهدئة مع الاحتلال، التهدئة التي كان قد انتهى موعدها. كما ان الجيش الإسرائيلي عاد إلى القيام بعمليات الاغتيال والاعتداءات.

بدا واضحًا قبيل الانتخابات تعاظم قوة حركة حماس، وبدأ القلق من تراجع قوة الأجهزة الأمنية التي قد لا تستطيع منع الفصائل الفلسطينية المعارضة لأيّ تهدئة من مواصلة مقاومة الاحتلال. في ظل التخوف الإسرائيلي من نتائج الانتخابات، تردد الأحاديث عن تأجيل الانتخابات، لكن الجيش الإسرائيلي تخوف من هذا الإجراء بحيث لو قامت السلطة بتأجيل الانتخابات فإن ذلك سيخلق حالة فوضى تنعكس على الاحتلال، حالة لا يحتملها الجيش الإسرائيلي، ولذلك انتقل الجيش إلى خطة دعم السلطة الفلسطينية، وأبي مازن على وجه الخصوص، وقد امتنع الجيش عن القيام بعمليات تحرج السلطة وأبا مازن، وتم السماح بإدخال أسلحة خفيفة وعتاد واقٍ، وكذلك إطلاق سراح أسرى أمنيين وانتهاج سياسة تخفيف عن السكان الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

خلاصة القول: فيما قيادة السلطة الفلسطينية توهم شعبها بأنها تنتظر الرد الإسرائيلي للسماح بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية، فهي تدرك أن الرد الإسرائيلي غير مرتبط بالسيادة على القدس أو غيرها بقدر ما هو مرتبط بما ستفرزه الانتخابات من قيادة؛ هذا الأمر يحتاج إلى تخطيط إسرائيلي دقيق واستراتيجية واضحة لمستقبل السلطة، الأمر الذي يحتاج حكومة إسرائيلية مستقرة، ولذلك فمن يريد الترشح للانتخابات الفلسطينية عليه أن يتطلع لما ستفرزه الانتخابات الإسرائيلية.