خبر الدولة العبرية في أزمة وهنا تكمن الخطورة ..ياسر الزعاترة

الساعة 11:22 ص|12 فبراير 2009

ـ الدستور الأردنية 12/2/2009

قبل أيام كتب المحلل السياسي الإسرائيلي المعروف (ناحوم برنياع) في يديعوت أحرونوت يقول: "إسرائيل كفيلة بأن تستيقظ يوم الأربعاء صباحاً على ساحة سياسية مفتتة، قابلة للابتزاز يوجد فيها الكثير من شظايا الأحزاب، ولكن ليس فيها حزب سلطة". تلك هي الحقيقة التي تعيشها الدولة العبرية، فهنا ثمة دولة في ذروة أزمتها، لا تتمتع بزعيم كبير يمكنه إقناع الناس بقدراته وبرنامجه السياسي، بينما تعيش في ظل شظايا أحزاب عنوان صراعها هو المصالح الشخصية أكثر من أي شيء آخر.

لم يحدث ذلك من فراغ، فالتراجع الذي يصيب الدول يأتي نتاج أزمات داخلية وأخرى خارجية، وهو ما حصل للكيان الصهيوني الذي عانى من مسلسل أزمات داخلية وخارجية أفضت إلى هذا البؤس السياسي القائم.

هذه الدولة لم تعد هي ذاتها دولة الآباء المؤسسين، إن جاز التعبير، بل هي دولة الأجيال الجديدة الأقل مبدئية والأكثر انتهازية وفساداً، في ذات الوقت الذي تعيش فيه تحديات كبيرة عنوانها عقدة الأمن بسبب الرفض والمقاومة التي تواجهها في المنطقة، وهي مقاومة لم تسمح لها بربح معركة واحدة منذ العام 67، فيما عاشت مسلسل هزائم كبيرة خلال السنوات الأخيرة، تحديداً من هزيمة أيار 2000، وبعدها انتفاضة الأقصى والانسحاب من قطاع غزة، ومن ثم هزيمة تموز 2006 المدوية، وحتى الفشل الأخير، إذا أنكروا الهزيمة، في قطاع غزة.

ربما كان من الطبيعي أن نركز على الحديث المتعلق بشكل الحكومة المقبلة في ظل نتائج الانتخابات، وبعد تفوق كاديما بمقعد واحد على الليكود مع أغلبية لقوى اليمين، لكننا نعتقد أن أياً من الاحتمالات المتوقعة لن يغير في النتيجة التي تعنينا كفلسطينيين وكأمة عربية وإسلامية، وبخاصة القوى التي تؤمن بمنطق المقاومة في التعامل مع هذه الدولة.

في تقديري أن أية تشكيلة حكومية مهما كانت طبيعتها، لن تغير في واقع المسار السياسي القادم للدولة العبرية، أعني المسار العام بعيداً عن التفاصيل الصغيرة، اللهم إلا إذا تشكلت حكومة من اليمين واليمين المتطرف، وهو أمر يبدو مستبعداً، وسترفضه المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية برمتها، فضلاً عن صهاينة الخارج ذوي التأثير، لكن حدوث ذلك سيعني أننا سنكون إزاء حكومة لن تعمر أكثر من عام وبعض العام.

أما الوضع الطبيعي والمتوقع فهو حكومة تخلط بين الوسط واليمين، بصرف النظر عن رئيسها، وهي حكومة ستكون قادرة على التعامل مع الملف السياسي بطريقة تنسجم مع مطالب القوى الدولية المتعاطفة مع الدولة العبرية، في ذات الوقت الذي تدرك فيه الحد المطلوب لحفظ ماء وجه الأنظمة العربية "المعتدلة" المتشبثة بمسيرة السلام والتفاوض أمام شعوبها.

قلنا من قبل، ونؤكد هنا أن أية حكومة قادمة في الدولة العبرية لن يكون بوسعها تغيير قواعد اللعبة السياسية في المنطقة، وهي لعبة تقوم على مبدأ استمرار المفاوضات، بصرف النظر عن النتيجة، لكن حساسية الموقف في ظل صعود قوى المقاومة وتراجع القوى المؤمنة بمسار التفاوض يقتضي صفقة ما خلال المرحلة المقبلة، لاسيما أن المعطيات الأخرى تدفع في اتجاهها.

المجتمع الإسرائيلي، ومعه نخبته السياسية والأمنية تدرك ذلك، وتعلم أن ما يمكن أن تحصل عليه في ظل القيادة الفلسطينية الحالية، ومرجعيتها العربية البائسة لا يمكن الحصول عليه في المستقبل في ظل تحولات دولية لا تصب في صالح استمرار الهيمنة الأمريكية على العالم، ما يعني ضرورة استغلال الفرصة المتاحة وعقد صفقة مع الطرف الفلسطيني تبدو ضرورية للمصالح الأمريكية أيضاً.

من هنا يتحتم القول إن على قوى المقاومة ألا تركن كثيراً لمقولة أن حكومة يمينية ستحرج أنظمة الاعتدال، ومن ضمنها السلطة الفلسطينية، أو أن الدولة العبرية غير جاهزة للسلام، وعليها أن تتوقع الأسوأ ممثلاً في صفقة تنطوي على التنازل عن كثير من الثوابت، أعني الثوابت بمنطق قرارات الشرعية الدولية وليس الثوابت الوطنية والتاريخية، وعليها تبعاً لذلك العمل على التصدي بقوة وحزم للمحاولات الجديدة الرامية إلى التنازل عن تلك الثوابت، لا سيما حق العودة، ولن يتم ذلك من دون مرجعية للشعب الفلسطيني تمثل الداخل والخارج، سواء كانت منظمة التحرير التي ينبغي التركيز على إعادة تشكيلها، أم مرجعية أخرى تمثل قوى المقاومة وتسعى إلى استعادة حركة فتح من خاطفيها.