خبر حكومة الحرب الإسرائيلية الجديدة والمبادرة العربية .. انطلاقاً من غزة

الساعة 11:21 ص|12 فبراير 2009

طلال سلمان ـ السفير 12/2/2009

أكد الإسرائيليون عنصريتهم مطلقة من قلب لعبتهم الانتخابية بينما هم يجرجرون أثقال حربهم الفاشلة الثانية خلال أقل من ثلاث سنوات، فضلاً عن حربهم المفتوحة أبداً ضد شعب الأرض الفلسطينية التي صارت مسرحاً لصهيونيتهم المزركشة بالديموقراطية.

مشوا إلى صناديق الاقتراع، وسط عاصفة الصقيع، ليختاروا أبطال حروبهم المقبلة التي قد تعوّضهم خسارة حرب الثلاثة والثلاثين يوماً ضد لبنان بإنسانه ومعالم عمرانه، ثم الخيبة في الحرب ضد الشعب الفلسطيني في غزة المحاصر براً وبحراً وجواً ومن طرف أهله قبل عدوه، والذي صمد لثلاثة أسابيع تحت مطر قذائف الدبابات وصواريخ الطائرات والحوّامات والقنابل الفوسفورية، فلم يرفع الأعلام البيضاء فوق بيوته المهدمة وأنقاض المدارس والمستشفيات والمساجد وأكواخ اللجوء الثاني أو الثالث.

... وها هم «قادة العرب» يحوقلون ويبسملون وقد صدمتهم الديموقراطية الإسرائيلية وأسقطت رهاناتهم البائسة على جنوح إسرائيل إلى السلم فسبقوا إلى الجنوح وتلبثوا ينتظرون طوال الليل فإذا بالصباح يذهب بأوهامهم جميعاً ويصدمهم بنتنياهو معززاً بليبرمان السفاح «فكراً» ومسلكاً وقولاً.

طيب! لقد قالت إسرائيل كلمتها قاطعة في وضوحها: إلى الحرب، كرّة أخرى.. فماذا عنا، يا أخا العرب؟!

بعد سبع سنوات عجاف من طرح المبادرة العربية للسلام، بإطارها الملكي المذهّب في القمة العربية في بيروت، ها هو الرد الإسرائيلي يجيء ـ مرة أخرى!! ـ مضرّجاً بدماء الشهداء العرب في حربين إسرائيليتين: على لبنان بذريعة مقاومته لعودة الاحتلال، في تموز 2006، وعلى غزة مطلع العام 2009 بذريعة أن شعبها المحاصر منذ سنوات ثلاث حتى مهانة الجوع أطلق صرخة غضب على شكل صواريخ دويّها أقوى من قدرتها على الإيذاء..

بعد سبع سنوات عجاف وسّع خلالها وحوش المستعمرين المستقدمين من أربع رياح الأرض الرقعة التي يطردون منها أهلها منذ فجر التاريخ، ليقيموا فوقها المزيد من مستعمراتهم، خلف جدار الفصل العنصري، حتى كادت تلتهم نصف مساحة ما كان يعرف بـ«الضفة الغربية»، إضافة إلى تجويف القدس بالمستوطنات التي طوّقتها من خارجها ثم بطرد أبنائها حملة مفاتيح الأقصى وكنيسة القيامة وحرس درب الآلام، منها باستخدام السيف والدينار...

بعد سبع سنوات من التيه خلف الخريطة التي لم توصل إلى أي طريق، وبعد الجولات المكوكية للموفدين ـ أوروبيين وأميركيين ـ، والرباعية الدولية، والتعهدات الأميركية، ومؤتمر أنابوليس الذي استدعى إليه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الدول العربية جميعاً لتشهد الإعلان الأميركي بتكريس إسرائيل دولة لليهود...

بعد ذلك كله، ها هي إسرائيل تقول كلمتها ديموقراطياً وفي صناديق الانتخابات: إلى الحرب سر!

اشتقّ من اليمين يمين جديد أضاف مزيداً من الرصيد «الشعبي» إلى النهج العنصري، الذي باتت أصوات رموزه المطالبين بطرد أهل فلسطين منها هي الأعلى... وصار ليبرمان هو مركز الثقل في قرار الحكومة الإسرائيلية الجديدة وشعاراته هي منهجها وبرنامج عملها.

وكيف لا ينتصر هذا اليمين المصفّح بالعنصرية وقد هبّ الغرب كله، معززاً بتواطؤ عربي معلن، للمشاركة في حصار غزة، بل ولتوسيع دائرة الحصار بحيث تشمل «المياه الإقليمية العربية» جميعاً، بدءاً من خليج عدن وبحر العرب مروراً بالبحر الأحمر وعبر قناة السويس وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، بذريعة منع السلاح (!!) عن شعب غزة الذي عصمه إيمانه بحقه في أرضه من رفع الرايات البيضاء فوق ركام ما كان بيوته الفقيرة إلا بأصص الورد والحبق أمام أبوابها المزركشة الألوان.

لقد حددت الانتخابات الإسرائيلية بنتائجها التي كان يمكن قراءتها من قبل اندفاع الناخبين إلى صناديق الاقتراع، الموقف من المبادرة العربية بوضوح قاطع، لا يقبل التأويل أو إساءة التفسير... فعلى امتداد الحملات الانتخابية للأحزاب جميعاً، يمينها و«اليسار» ـ!! ـ غابت عن خطب القياديين جميعاً كلمات مثل «السلام» أو «التسوية» أو حتى التهدئة. أخلي المسرح لقادة الحروب السابقة واللاحقة.

وإذا كان الرئيس السوري بشار الأسد قد اندفع، في مواجهة التعنّت الإسرائيلي، إلى حد إعلان «وفاة» المبادرة العربية، فإن الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز نفسه، وهو صاحب المبادرة، لم يجد بداً من القول «إن المبادرة لن تظل على الطاولة إلى الأبد»، مشيراً إلى التعنّت الإسرائيلي، والتخلي الأميركي ومعه الأوروبي عن بذل الجهد من أجل التقدم بالمبادرة إلى حيز الفعل.

الآن وقد اتضحت معالم السياسة الإسرائيلية، من خلال رموز الحرب والعنصرية، الذين سيحتشدون في الحكومة الجديدة، فإن على العرب أن يواجهوا الطور الجديد من سياسة الابتزاز تحت ضغط القوة المصفّحة بالتأييد الدولي.

ولقد يفضل بعضهم انتظار ما سيكون موقف الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، من وزارة الحرب الجديدة في إسرائيل.

لكن ذلك لا يجوز أن يمنعهم من إعادة النظر في مواقفهم بقصد التقريب بينها ليتوجهوا مجتمعين نحو «ائتلاف» أو «جبهة» محكومة بأن تمشي بخطى أضعفها، ولكن عبر صف واحد.

وأول الطريق: غزة... بوصفها جبهة مواجهة ليس فقط لمشروع الحرب الإسرائيلية المفتوحة، ولكن بوصفها نقطة تقاطع بين المواقف العربية المتباينة والمواقف الفلسطينية المتناقضة، التي سمحت للناخب الإسرائيلي بكل هذا الترف العنصري المموّه بالديموقراطية.

لتكن غزة أرض اللقاء فالمصالحة عربياً (وفلسطينياً) بما يحفظ التراث النضالي لشعب فلسطين، وكرامة هذه الأمة عبر العودة إلى ما يجمع بدلاً من التيه في صحراء الخلافات التي كادت تذهب بالبديهيات.