خبر قميص برتقالي يرتفع.. معاريف

الساعة 09:49 ص|12 فبراير 2009

بقلم: عوزي بنزيمان

في السنين 1946 – 1958 تولت الحكم في باريس اربع وعشرون حكومة. سجلت تلك الفترة على انها السوآى في تاريخ فرنسا الحديثة: فقد قامت حكومات وسقطت، وكانت الدولة محاطة بجو عدم استقرار، وانشقاق داخلي هتك نسيج التضامن القومي، وبلغت الحال العامة الى شفا حرب اهلية بل تجاوزتها. من وراء ذلك كانت فرنسا متورطة في حربين – في الهند الصينية وبعد ذلك في الجزائر، وهذه الاحداث اثقلت على المزاج القومي وصاغته في واقع الامر. الى ان جعل الاستنزاف الداخلي الفرنسيين يستخرجون من انفسهم غريزة البقاء التي احدثت التغيير: فقد اختاروا الجنرال شارل ديغول رئيسا، واستجابوا لجميع مطالبه الدستورية والحكومية، ومنحوه سلطة ان يغير الواقع من اساسه. اخلت الجمهورية الرابعة المنهارة مكانها لعهد جديد من الاستقرار والنماء.

استيقظت اسرائيل امس ليوم كآبة وطنية، ستسجل كصفحة اخرى في سجل الالام السياسية (من اجل تجسيد ذلك، تولت كل حكومة في المعدل مدة سنتين فقط بين السنين 1990 – 2008). لم تبشر نتائج الانتخابات للكنيست الثامنة عشرة بانقلاب بل باستمرار شلل نظام الحكم. ان علاقات القوى الجديدة التي تلوح في الكنيست – اكثرية واضحة لكتلة اليمين – لن تفضي الى التحول المأمول، لانها لم تنجح في دفع المجتمع الاسرائيلي الى تخاذ قرار حاسم في شأن مستقبل المناطق. وان هذا الطريق المسدود، وعدم القدرة على التحول الى هنا او هناك، والقصور الذاتي الذي تدير به الدولة علاقتها بالفلسطينيين، هو ما يصوغ الواقع السياسي ويجعل النظام الاسرائيلي يبدو كأنه يسافر في قطار اشباح.

في ظاهر الامر دحضت الانتخابات اول من امس الفرض المقبول ان الجمهور في البلاد يسير الى اليسار بالتدريج. اعتمد هذا القول على استطلاعات رأي في العمق، دلت على استعداد آخذ في الازدياد للموافقة على مصالحات مناطقية بعيدة المدى، وتسليم واسع باقامة دولة فلسطينية، وصورة قبول الجمهور لاخلاء غوش قطيف ("خصة الانفصال"). في ظاهر الامر الكثرة التي قبلت كتلة اليمين هي التي بادرت الى هذا التمييز وهي تمكن بنيامين نتنياهو من اقامة حكومة برتقالية. بيد انه اذا تحقق هذا السيناريو ايضا، فانه لن ينجح في ان يترجم الى سياسة عملية تحسم الاختلاف في مستقبل الضفة الغربية. لن تكون حكومة يمين متسقة قادرة على ان تواجه الجماعة الدولية وجزءا ملحوظا في المجتمع الاسرائيلي، وان تبت امرها مؤيدة ضم المناطق. ستمضي في الاكثر في سبل سابقاتها وتستعمل سياسة اخماد الحرائق. سيظل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني اذا يثقل على الواقع الاسرائيلي ويقرر بقدر حاسم المزاج العام وجدول العمل الوطني، وسيكون لهذا السبب ايضا محدث الازمة السياسية المقبلة.

ان تبديل طريقة الانتخاب واصلاحات حكومية اخر لن تخرج اسرائيل من الوحل؛ انها ضرورية في حد ذاتها لكن يعوزها القدرة العجيبة وهي تغيير الوضع من اساسه. ان استعمال انتخابات نصف لوائية، ورفع نسبة الحسم، وتخويل رئيس الحكومة شبه رئاسة اجراءات تقنية ستجدي في الهوامش فقط على اقرار نظام الحكم في البلاد. من اجل شفاء الساحة السياسية، واحداث تكافل قومي اساسي والاتيان باستقرار في نظام الحكم، لا مناص من علاج القضية الجوهرية الا وهي حسم الاختلاف في مستقبل المناطق.

قبل خمسين سنة وجد الفرنسيون الحل في شخصية زعيم قوي نفذ اهواء اكثرهم. هذا التطور الحاسم كان ممكنا وبين يديه استنزاف داخلي متصل جعل مواطني فرنسا يشمئزون من الوضع القائم. تدل نتائج انتخابات الكنيست الثامنة عشرة على ان اسرائيل ما تزال بعيدة من لحظة الرحمة.