خبر كيف اعلى اليسار ليبرمان.. هآرتس

الساعة 09:48 ص|12 فبراير 2009

بقلم: داني غوتفاين

(يدرس في قسم تاريخ اسرائيل في جامعة حيفا)

ان انجاز افيغدور ليبرمان في الانتخابات – 15 نائبا لاسرائيل بيتنا – هو قصة الامس. ان تنبؤه بان يحصل على ثلاثين نائبا في الانتخابات المقبلة يدل على الغاية التي يسعها اليها وهي جعل اسرائيل بيتنا الحزب الحاكم.

ليس ليبرمان مشهدا عابرا. في الانتخابات الحالية دفع حزب العمل، الذي بقي الحزب الرابع مع 13 نائبا، عن مكانته كمنافس في السلطة. واهم من ذلك انه قوى مكانته كعنوان سياسي للجماهير التي خيب اليسار املها.

تجاوز حدود "الشارع الروسي" في الانتخابات السابقة، بمساعدة احكام بنيامين نتنياهو. منذ ذلك الحين كلما حكمت سياسة خصخصة دولة الرفاهة على جماهير تزداد بعدم الامن الاقتصادي والاجتماعي، الذي يزداد بعقب الازمة الاقتصادية العالمية، ازدادت شعبية ليبرمان ايضا الذي يؤيد تصور نتنياهو الاقتصادي، لكنه يبدو لمؤيديه كمن سيخلصهم منه.

ان ضحايا نظام الخصخصة، الذين يبحثون بيأس عن الامن الاجتماعي، كانوا يستطيعون ان يكونوا شركاء في سياسة اشتراكية – ديمقراطية، لو اقترحها اليسار. بيد ان اليسار يتلعثم، وهم يهربون من عدم يقينه الى ذراعي "اسرائيل بيتنا"، التي اصبحت على هذا النحو محور السياسة الاسرائيلية.

تستمد قوة ليبرمان من ذلك المزيج الذي يؤجج اليمين المتطرف في اوروبا منذ اواخر القرن التاسع عشر: التأليف بين ازمة اقتصادية وعدم امن اجتماعي (وفي حالة اسرائيل عدم الامن الشخصي على خلفية امنية ايضا)، ينشىء احساسا بالعجز الوطني. يطرح هذا على "اعداء من الداخل" ويثير شوقا الى "شخص قوي" يحل محل الديمقراطية التي ترى فاشلة، اليقين والاستقرار.

الفاشية، كما يقول زئيف شتيرنهل "ليست يمينا ولا يسارا"، وهكذا يحطم ليبرمان ايضا خطوط التقسيم التقليدي بين اليسار واليمين: فهو مستعد لتقسيم القدس بل لتوسيع مبدأ اليسار لتقسيم البلاد داخل الخط الاخضر – وكل ذلك وسيلة لسلب العرب في اسرائيل جنسيتهم كما يطلب اليمين المتطرف. كذلك يحطم شعاره الانتخابي "لا مواطنة بلا اخلاص" الشفرة الاخلاقية للديمقراطية، لكن بتبني منطق شينوي المحرض على المتدينين الذي عرض على انه دفاع عن روح الديمقراطية.

ان "المواطنة المشروطة" كما يصوغها ليبرمان تحول المواطنة من حق عام الى افضال فئوي. يظهر اكثر الجمهور عدم مبالة بهذا المس بأساطين الديمقراطية، بعد ان تعود سنين قبول المبدأ الفئوي الذي حلت به دولة الرفاهة.

يوجد لـ "المواطنة المشروطة" عند ليبرمان معنى اقتصادي واضح: فهو يخطو خطوة فظة اخرى في الطريق الى اشتراط فئوي لعدد واسع من حقوق المواطن، من التأمين الوطني والصحي الى العمل وحرية التنقل. هكذا تتبين "المواطنة المشروطة" على انها وسيلة دفاع عن نظام الخصخصة: فسلب العرب حقوقهم يفترض ان يحسن الوضع الاقتصادي النسبي لليهود لكن بغير المس بمبدأ الخصخصة.

لا يوجد عند اليسار جواب لهذه الحيلة. بل العكس. لان "خطر ليبرمان"، مثل الحرب في غزة، اعطته ذريعة ان يتحلل من البرنامج الاجتماعي وان يقتصر على البرنامج السياسي – القانوني. بدل ان يحاول استمالة مؤيدي ليبرمان، اظهر اليسار الليبرالي الجديد (تأليف اسرائيل متميز بين الحمائمية السياسية واليمينية الاقتصادية) نحوهم نفس العلاقة التي اظهرها في الماضي نحو مصوتي مناحيم بيغن من الطبقات الدنيا – لقبهم "كاهانيين" وانفصل عنهم وتخلى منهم.

اعطى ليبرمان اليسار الاسرائيلي ذريعة تجاهل الدرس الذي استخلصه اليسار الاوروبي من انهيار الديمقراطيات في العشرينيات والثلاثينيات، وفحواه ان دولة الرفاهة شرط ضروري لمكافحة الفاشية ونظريات الكراهية التي تنشرها. ينكر اليسار الليبرالي الجديد الاسرائيلي، الذي يؤيد نظام الخصخصة لاعتبارات طبقية، ان هذا النظام، اكثر من اي تيار عميق للكراهية – هو الارض التي انبتت ليبرمان.

لكن شخصا واحدا يفهم هذا جيدا، هو ليبرمان نفسه، فهو يعلم انه ما ظل اليسار لا يقترح بديلا اشتراكيا – ديمقراطيا في مركزه دولة الرفاهة، التي تواجه جذور عدم الامن والخوف، فانه يستطيع الاستمرار على ان يسوق بهما بنجاح ما عنده من سلعة "لا يسار ولا يمين".