عقيدة ترامب الحربية- إسرائيل اليوم

الساعة 12:08 م|06 يناير 2020

فلسطين اليوم

ابراهام بن تسفي- "إسرائيل اليوم"

تصفية الجنرال قاسم سليماني – الذي عمل بصفته قائدًا لقوة القدس على مدى السنين كمشعل للنار بلا كوابح، فأشعل النيران في أرجاء العراق، اليمن، سوريا، لبنان– جاءت لتطلق رسالة حادة وجلية للزعامة الإيرانية. مفادها رغم أن صاحب الهيمنة الأمريكي مصمم على فك الارتباط من طرف واحد عن مراكز التوتر والأزمة – (مثل شمال سوريا) والتي لا تشكل في نظره تهديدًا مباشرًا وفوريًا على الأمن القومي الأمريكي، فإنه ملتزم في نفس الوقت بأن يستخدم بقوة شديدة وبقبضة حديدية في وجه كل جهة، حتى الأعلى منها، التي تقف خلف المس بالمواطنين أو الجنود الأمريكيين، أو خلف المحاولة لتجاوز الحدود واقتحام المجال السيادي الذي تقع فيه السفارة الأمريكية.

بعد أن تجلد على الاستفزازات الإيرانية في منطقة الخليج في الأشهر الأخيرة، قرر ترامب أن ينفذ عمليًا عقيدة خطوطه الحمراء بالنسبة لطهران. وتتضمن هذه العقيدة ليس فقط عقوبات اقتصادية وقصف من الجو بل أيضًا احباطات مركزة تبث شدة وتصميمًا. وبالفعل، يدور الحديث عن نقطة انعطافيه بالغة الأهمية في التاريخ الأمني الأمريكي. إذ أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية امتنعت بمنهاجية عن المس المباشر بشخصيات ضمن القيادة السياسية – الأمنية لخصومها وأعدائها، حتى أولئك الألد عداء بينهم. أما هذه المرة فلم يتردد الرئيس الـ 45 من أن يسجل سابقة جديدة تتعلق بالمسؤولية الشخصية لسليماني على أفعاله.

فضلًا عن ذلك، تشير العملية الدراماتيكية في بغداد إلى أن المؤشرات تدل على أن نية الرئيس هجران المنطقة والانطلاق في القارة الأمريكية لم تكن غير وهم بصري. إذ أنه في كل ما يتعلق بجبهة الصراع ضد إيران  يواصل البيت الأبيض كونه منغرسًا عميقًا في المنطقة ويشهد على ذلك أيضًا التعزيز الأخير للقوات بحجم نحو 3 الآف جندي.

وبالفعل، حتى عندما يدور الحديث عن شخصيات متصدرة في محور المعارضة – مثل زعيم داعش أبو بكر البغدادي أو قاسم سليماني، ممن امتد وراءهم ذيل طويل وبانٍ من العمليات بما في ذلك ضد أهداف أمريكية، كان الرد وسيكون لاحقًا أيضًا هائلًا من حيث شدة العقاب أيضًا، ولن يكون فقط على أساس الاحتواء أو انفاذ القانون. وذلك على أمل أن تلجم هذه الاستراتيجية وتردع الحركات والدول التي تجسدت شارة الثمن على تواصل عملها العنيف بالملموس فجر يوم الجمعة بشكل صافٍ للغاية.

توضح تصفية سليماني جيدًا الفجوة العميقة القائمة بين سلوك الرئيس الحالي ونمط سلوك رئيسين سابقين، وقفا أمام تحد مشابه. فمثلًا أظهر الرئيس جيمي كارتر انعدام وسيلة محرج بعد اقتحام "الطلاب" الإيرانيين في 4 تشرين الثاني 1979 نطاق السفارة الامريكية في طهران واحتجوا كرهائن 52 دبلوماسيًا كانوا فيها. صورة مشابهة تنشأ عن تحليل الطريقة التي "عالج" فيها الرئيس أوباما الأزمة في بنغازي، والتي وقعت في 12 أيلول 2012. وذلك عندما فتحت قوات تعود لإحدى فصائل القاعدة نار قذائف الهاون نحو نطاق القنصلية الأمريكية في بنغازي في ليبيا، والتي جبت حياة السفير الامريكي في ليبيا، كريستوفر ستيفنس وحياة ثلاثة مندوبين أمريكين آخرين.

لقد كان رد فعل أوباما على الهجوم لا يقل هزوًا عن سلوك كارتر في أزمة الرهائن. إذ بذل الرئيس كل جهد مستطاع كي يقلص حجم الحدث، وسوقه كفعل عفوي لمظاهرة خرجت عن نطاق السيطرة، وليس كعملية إرهابية مخططة.

بخلاف كارتر وأوباما، في وردية حراسة ترامب لا يوجد تسليم وقبول للقضاء أمام التحدي. وهكذا، حين تبين للبيت الأبيض أن سليماني كان هو من استخدم بشكل مباشر الميليشيات الشيعية التي نفذت قبل أسبوع الهجوم في شمال العراق والذي قتل فيه رجل أمن أمريكي، وفي الأيام الأخيرة حاصرت السفارة الأمريكية في بغداد – حسم مصيره.

من هذه الناحية، فإن المعادلة التي خلقها ترامب جاءت لتميزه سنوات ضوء عن سلبية اسلافه، وفي نفس الوقت تقلص هوامش الغموض في صراعه ضد محور الإرهاب. وذلك كي يحبط – بكل معنى الكلمة – محاولات مهندس الإرهاب الرئيس الاختباء في المجال المحصن للمسؤولية غير المباشرة فقط، زعمًا، عن العمليات التي بادر اليها وقادها.

السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو إذا كانت المساومة العنيفة حقًا، الجارية اليوم بين واشنطن وبين طهران، ستحمل القيادة الإيرانية – التي تقف أيضًا أمام عقوبات اقتصادية محتدمة – الى نقطة الانكسار وإعادة احتساب المسار، أم ربما تصعد فيها أكثر فأكثر التصميم بالسير في مسار التآمر والعنف، مهما كان ثمن هذا السلوك.

سؤال آخر، لم يتطرق له الرئيس بشكل مفصل هو إذا كانت عقيدة ترامب تنطبق أيضًا على استفزازات إيرانية تمتنع عن المس المباشر بأهداف أمريكية ولكنها تركز على شركاء الولايات المتحدة، ولا سيما في جبهة الخليج وبالصلة بحرية الملاحة في مساراته.

وهل على مثل هذه الاستفزازات أيضًا سيقع في المستقبل بخلاف الماضي القريب عقاب جسيم كجزء من العقيدة الجديدة.