دم سليماني على الجدار الإسرائيلي بقلم: عبد الرحمن شهاب

الساعة 11:33 ص|03 يناير 2020

فلسطين اليوم

بقلم عبد الرحمن شهاب - مدير مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

القلق على الوجوه الإسرائيلية كان واضحًا، حيث كانت إسرائيل بكل مستوياتها تخطط إلى أين ستسير التدهورات على الساحة الشمالية، ومن الواضح أنهم كانوا على تحريض وتخطيط وتوريط مسبق لترامب نحو هذا التصعيد، ورغم سريتهم؛ إلا أن السياسيين في إسرائيل، وعلى عادتهم - وخصوصًا في ظل الأجواء الانتخابية - تنفلت من ألسنتهم التصريحات التي يحاولون من خلالها الاستفادة من عملية الاغتيال، قبل حدوثها والإظهار لمنافسيهم كم هي دولة إسرائيل بحاجة إلى تخطيطهم. ومن ضمن ذلك تصريح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قبل الإقلاع إلى اليونان "منطقتنا تعج بأحداث مثيرة للغاية، نتابع بيقظة ونتواصل مع صديقتنا العظمى أميركا، يشمل ذلك حديثي بالأمس مع ترامب؟ نحن نؤيد بالكامل جميع خطوات الولايات المتحدة"، أما وزير الحرب نفتالي بينت فقد أعلن قبل شهر ونصف تقريبًا عن أنه لا حصانه لأي قيادي في طهران، الأمر الذي أثار حفيظة أجهزة الأمن في إسرائيل من هذا التصريح، فقد كشف حينها خطة أمريكية - إسرائيلية وقعت في إطار التنفيذ، وما كان الهجوم على السفارة الأمريكية إلا تبريرًا اتخذه ترامب لبدء المواجهة المباشرة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من جهة والجمهورية الإيرانية من جهة ثانية.

لقد كانت الأجهزة الأمنية في إسرائيل تسابق الزمن في الاستعدادات لهذه المواجهة، فلا يعقل أن أكثر من جلسة للكابينت تعقد من أجل نقاش الترتيبات مع حركة حماس في قطاع غزة؛ بل ربما كان اللقاء يناقش هذه التهديدات، ومن ضمنها تكثيف الحديث عن هذه الترتيبات، والتي تهدف إلى تحييد القطاع في هذه المواجهة والتدهور الأمني الذي لا تعرف نهايته، وهذا يفسّر رد الجيش المنخفض عمّا تعودنا ضد الجهاد الإسلامي، في أعقاب إنزال بنيامين نتنياهو عن المنصة في عسقلان، خلال الحملة الانتخابية لرئاسة حزب "الليكود".

التقدير السنوي للاستخبارات الإسرائيلية الذي كان من المُفترض أن يُقدم الأسبوع القادم للمستوى السياسي يتضمن زيادة احتمالات المواجهة في الشمال، هذا التقرير سيُنشر جزءٌ منه للجمهور، حيث يشعر القادة العسكريون بأن الجمهور ليس مدركًا لمخاطر الحرب، وكان آخر مثال التصعيد الأخير الذي قادته حركة الجهاد الإسلامي من قطاع غزة، ردًا على استشهاد القائد أبو سليم أبو العطا، حيث كان الجمهور في وسط البلاد يشعر بأن الصواريخ بعيدة عنه رغم سقوطها في مناطق قريبة منه.

مراكز الدراسات في إسرائيل أيضًا كانت حاضرة، فقد قدّر اثنيْن من أهم الخبراء (عاموس يدلين، رئيس مركز دراسات الأمن القومي، والجنرال يعقوب عميدرور من كبار مركز القدس للاستراتيجيا والأمن) بأن على إسرائيل أن تقوم بضربة استباقية ضد حزب الله قبل أيّ تطورات على الساحة الشمالية، وذلك لتقليل الأضرار الناجمة عن الحرب القادمة في الأفق والآثار المدمرة لـ 100 ألف صاروخ يمتلكها الحزب تصل إلى أي مكان في دولة الكيان.

ولكن يدلين استدرك قائلًا بأنه يعارض ما يطرحه كبار المسؤولين، وهو ضرب البنية التحتية للبنان، وقال "إنه قرار خاطئ، هذه خطوة غير ضرورية. يجب ضرب حزب الله، وليس لبنان. الضرر الذي يلحق بلبنان لن يردع حزب الله ولن تتضرر مصلحة الشيعة، وإن ضرب البنية التحتية للبنان سيزيد من فرص إيران في التدخل (يقصد في موضوع الإعمار)، ولن تستطيع إسرائيل أن تفعل أيّ شيء".

الخطوة الحالية التي يسعى لها الجيش - كما اوضح المحلل العسكري يوآف ليمور في مقالة اليوم في صحيفة "إسرائيل اليوم" هو إعداد الجمهور لهذه المواجهة، في نفس الوقت دون أن يخلق ذلك أجواءً للحرب قد تدفع نحو الانحدار إليها.

بالعودة إلى استشهاد سليماني، فإن السياسيين والمحللين في إسرائيل مثل الجمهور، لديهم جرعة عالية من الثقة بالذات وبالجيش، تجعلهم يستبعدون سيناريو الحرب مع الشمال، فقد كتب المحلل العسكري رون بن يشاي مقللًا من الرد الإيراني "سينتظر الإيرانيون في ردهم ويتحينوا الفرصة المناسبة للانتقام، ربما من خلال إطلاق نار نحو إسرائيل على يد ميليشيات شيعية من سوريا، وربما حتى من غزة"، متجنبًا الحديث عن مواجهة مع حزب الله من أجل الانتقام لعملية الاغتيال، ربما مستنبطًا ذلك ممّا حصل في تروي حزب الله بالانتقام لاستشهاد الحاج عماد مغنية.

لكن وعلى حد تعبير رونين بيرغمان، خبير الشؤون الاستخباراتية في "واشنطن بوست" و"يديعوت أحرونوت"، ‫بغض النظر عمن قَتل سليماني، فإن الإيرانيين سيحاسبون الولايات المتحدة وإسرائيل، فالولايات المتحدة وإسرائيل الآن مستعدتان لإمكانية الرد الإيراني القاسي. طهران بالفعل أثبتت بأنه ليس لديها أيّ خوف من التصعيد، سليماني ليس عماد مغنية؛ فمغنية صديق غالٍ لكنه لبناني، سليماني هو أحد كبار مسؤولي النظام وعلى مقربة من القائد.

ستحاول إسرائيل قدر الإمكان الناي بنفسها وتوريط ترامب في وحل المنطقة، ويبدوا أنهم قد نجحوا، لكن إيران ستبقي المعركة خارج حدود الجمهورية الإيرانية ليدفعوا بالأمريكان مرة أخرى في وحل الشرق الأوسط، بنفس الطريقة التي يفكر بها الإسرائيليون.

كلمات دلالية