خبر إسرائيل هي ليبرمان .. وليبرمان هو إسرائيل

الساعة 06:52 ص|10 فبراير 2009

امير مخول

 

أيّهم أشدّ خطرا او أكثر عدوانية ودموية ضد شعبنا: افيغدور ليبرمان ام ايهود باراك ام تسيبي ليفني ام بنيامين نتنياهو. وأيهم اخطر: هل هو برنامج ليبرمان «لا مواطنة من دون ولاء»، ام تقرير رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) الإسرائيلي يوفال ديسكين قبل عامين «فلسطينيو الـ48 هم خطر استراتيجي»، ام وثيقة المجلس الصهيوني وهو الذراع التنفيذية للوكالة اليهودية والذي يشترط المواطنة بالولاء، ام إعلان ليفني أن ممارسة العرب لطموحهم القومي سيكون في الدولة الفلسطينية وليس في اسرائيل، ام مشروع الدولة اليهودية ودولة اليهود الذي بلوره ارييل شارون وتسير على خطاه أحزاب كديما والعمل والليكود، بعدما أصبح مشروعا استراتيجيا ومركبا أساسيا في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي، والذي بخلاف النقاش الخلافي سابقا على حدود إسرائيل، فإن «الدولة اليهودية» تحظى بإجماع كل القوى والتيارات الصهيونية والمجتمع الاسرائيلي.

صحيح أن ليبرمان أكثر فظاظة، لكنه ليس شاذا في عنصرية برنامج حزب «اسرائيل بيتنا»، وهو المرشح ليصبح الحزب الثالث في إسرائيل والذي تشير التوقعات أيضا انه لن يكون ائتلاف حكومي من دون مشاركة هذا الحزب فيه. لكنه في جوهره ليس خارج الإجماع القومي الإسرائيلي الحاكم، بل في صلبه. وللحقيقة، فإن نظرية الديموغرافيا العنصرية هي من نتاج حزب العمل وحركة العمل لتصبح موقفا إجماعيا إسرائيليا.

أما مركّب «الولاء للدولة»، فهو سياسة دولة بكل مؤسساتها الأمنية والمدنية منذ ستة عقود. والولاء هو مصطلح ومفهوم لتحديد سلوك الإنسان الفلسطيني وليس اليهودي. وهو مصطلح استعماري في جوهره، وفي هذا أيضا كان حزب العمل وحركة العمل السباقين تاريخيا فيه. وبخلاف ليبرمان، فهم طبّقوه على ارض الواقع من خلال أذرع الشاباك والشرطة والعنصرية البنيوية. لذلك، ولو امعنا النظر في ليبرمان، فهو ليس مؤسسا لعنصرية جديدة، بل هو الوليد الطبيعي للجوهر الاستعماري العنصري لإسرائيل والذي يعيد إنتاج نفسه باستمرار لمواجهة أزمات إسرائيل بأكثر عدوانية وأكثر عنصرية.

استخدام فزاعة «اليمين المتطرف» او «اليمين» تجعل ممن هم ليسوا أقل عنصرية ولا تطرفا يبدون وكأنهم معتدلون وأن طرحهم شرعي. واستراتيجيات ما يسمى «الكتلة المانعة» قد انتهت منذ عقد ونصف، وهي التعويل على أن يكون الصوت العربي في الكنيست حاسما لتغليب معسكر العمل الإسرائيلي على الليكود الإسرائيلي.

وكما يبدو، فإن الطرف الوحيد الذي لا يزال يراهن على هذا التوجه هو من يراهن خارجيا، عربيا وفلسطينيا، على ان التغيير مرهون بحكومة إسرائيل وتركيبتها، وعليه نجد محمود عباس (ابو مازن) وبدعم مصري رسمي، من اكثر المهتمين والفاعلين بهذا الشأن في مسعى لتوفير بنية داعمة له ولنهجه تشاركه ضمن ما يسمى «محور الاعتدال» في مواجهة «محور التطرف» أي نهج الممانعة وتأييد ودعم نهج المقاومة.

وحقيقة اخرى جدير التعامل معها، وهي انه ومع نهج الدولة ومؤسساتها ونهج الإجماع الإسرائيلي والإعلام حيال نزع الشرعية السياسية عن جماهيرنا، فإن إمكانية تشكيل كتلة مانعة او اعتماد حزب العمل او كديما على الكتل العربية لتشكيل كتلة تمنع نتنياهو من تشكيل الحكومة، غير واردة وغير شرعية بالمفهوم الصهيوني. وبالذات في دولة تلائمها المعادلة التي تقول «أكثر عنصرية اكثر اصواتا» و«اكثر عدوانية ومجازر اكثر اصواتا».

من الطبيعي من وجهة نظر ليبرمان مثلا ان تتمحور حملته الانتخابية في برنامج تطهير عرقي للجماهير العربية الفلسطينية في الداخل. وضمن الحملة لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني وتثبيت وضعية التجزيء والتشتيت للشعب والقضية، فإن استهداف الجماهير الفلسطينية في الداخل وهي في هذه الحقبة الفلسطينية من اكثر المجموعات الفلسطينية تنظيما ومن أنشطها دورا وأكثرها تحديا للمشروع الصهيوني «الدولة اليهودية»، فإن استهداف ليبرمان لها هو حقا هدف استراتيجي يلتقي مع مركبات الأمن القومي الاسرائيلي، ومواقف نتنياهو وليفني وباراك ليست خلافية معه في جوهر حملته.

وعندما يكون إجماع إسرائيلي في القضايا الجوهرية، فإن أهمية الانتخابات الاسرائيلية تقل، ولا يمكن وصفها بالمفصلية او المصيرية. أي لن يتغير الإجماع القومي برئيس الحكومة هذا او تلك.

وفي مقابل، توجه ليبرمان والذي مشروعه كما الآخرون هو «الدولة اليهودية» المجمع عليها، فإن موقف جماهيرنا الفلسطينية بحركتها السياسية المنظمة لا يستطيع ان يكون محصورا في ليبرمان، وليس قضية انتخابية بل نحن في حالة مواجهة مع جوهر إسرائيل كنظام. وحصر المعركة مع اليمين يفقدها منطقها الداخلي ويفقدها جوهرها الحقيقي.

كما ان أحدا لا يستطيع بعد تظاهرات الغضب والتحدي ودعم مقاومة شعبنا في غزة للعدوان والمذبحة، ان يدعي اننا واجهنا «اليمين» في تظاهراتنا. نحن واجهنا جهاز دولة قمعية بكامله، وواجهنا اجماعا قوميا صهيونيا مطبقا بما فيه «اليسار الصهيوني» الذي برر العدوان ودعمه، ورددنا ان كل وزراء اسرائيل مجرمو حرب، وواجهنا المؤسسة الامنية وترهيبها، وواجهنا الأجهزة المدنية بما فيها الإعلامية والأكاديمية والقضائية التي تكاملت في العدوان على شعبنا في غزة وفي الداخل.

لقد واجهنا وتصادمنا مع تلك القوى وتلك الأجهزة مجتمعة دفاعا عن وجودنا وصمودنا وصمود شعبنا ولوقف المجزرة وكسر الحصار. وأهم من هذا كله، قمنا بواجبنا لإفشال إسرائيل وعدوانها وتدعيم صمود شعبنا ومقاومته ضمن تقاسم الهمّ الفلسطيني المشترك.

وللحقيقة، وكي لا نحصر المعركة الانتخابية ببعدها الضيق الداخلي، فإن هذه الانتخابات هي نتاج عدوان 2006 على لبنان وفشل إسرائيل وإخفاقها في مواجهة المقاومة. ولولا ذلك الإخفاق الذي يتضح باستمرار ـ بما فيه طبيعة العدوان على غزة ـ انه كان إخفاقا إسرائيليا استراتيجيا يعززه ويعزز ازمة إسرائيل هزيمة مشروعه السياسي في غزة وإخفاق عدوانها الاخير الجاري. انه انجاز آخر استراتيجي لنهج المقاومة فلسطينيا وعربيا. ومع صعوبة الجزم في الافتراضات القائمة على كلمة «لو»، الا انه ولو افترضنا ان اسرائيل بزعامة ايهود اولمرت انتصرت وحققت أهدافها في حرب لبنان 2006، لكانت فضائح اولمرت وفساد سلطته عاجزة عن إطاحته، لانها فضائح وأشكال فساد لم يكن شارون مثلا أقصر باعًا فيها من اولمرت.

وما يجري في المنطقة وفي العالم من مسعى استعماري عدواني لإحداث شرخ بين شعوب المنطقة العربية على أساس الاعتدال والتطرف أي على أساس الموقف من اسرائيل والمشروع الاميركي الاسرائيلي وفي المقابل من الحق الفلسطيني والعربي وعلى التمهيد لضرب ايران فإن هذا ينسحب ايضا على مساع اسرائيلية وفلسطينية وعربية لإحداثه بين جماهيرنا. وبالذات جماهيرنا التي أثبتت في عدوان 2006 على لبنان وفي العدوان الحالي على شعبنا في غزة انها لاعب فلسطيني مركزي ومحرّك محليا وإقليميا ودوليا.

حول مرجعياتنا ـ يوماً بعد الانتخابات

مهما كانت النتائج ومهما كانت نسبة التصويت او المقاطعة او الامتناع، سنواجه يوما بعد انتخابات الكنيست سؤالا مهما: ماذا عن مرجعياتنا.. نحن الفلسطينيين؟. والجواب لن يكون في برلمان ليس لنا، ولا هو إطار لتنظيم المجتمع الفلسطيني في الداخل. الانتخابات التشريعية الاسرائيلية ليست مرجعية تمثيلية للجماهير العربية، وليست تأطيرا سياسيا لها، بل هي موقف خلافي وغير إجماعي. اما الشق الآخر لهذا السؤال، فهو الموقف من موقع ودور بناء مرجعياتنا في الداخل ضمن مسعى إعادة بناء مرجعيات الشعب الفلسطيني ككل.

وتحتل هذه المسألة حيزا أكبر على ضوء طبيعة ومنحى الاصطفافات السياسية الآخذة بالتبلور والتي تتحدد معالمها على أساس عدد من المواقف التي تؤشر الى نهج. ومنها جوهر المشروع الفلسطيني وطبيعة الموقف من إسرائيل وقواعد لعبتها، والموقف من المرجعيات الفلسطينية ومن السلطة الفلسطينية والنهج الذي يقوده محمود عباس، الموقف من المقاومة الفلسطينية وحتى بجوهر الدعوة إلى الوحدة الفلسطينية الواسعة، هل هي على أساس تدعيم المقاومة ام على حسابها، مسألة المرجعيات الفلسطينية الشاملة، والموقف والموقع تجاه الاصطفافات العربية الإقليمية بين ما يسمى «قوى الاعتدال» و«قوى التطرف». والاصطفافات هذه لا تخرج من إطار التعددية والوحدة وهي تتطلب نمطا اكثر تطورا لإدارة الاختلاف وبناء المرجعيات.

مرجعيتنا التمثيلية هي الهيئة التي ننتخبها لتمثلنا اولا امام أنفسنا كمجتمع، وثانيا امام الخارج، بما فيه الدولة. ولو اتفقنا على مرجعية بالمفهوم التمثيلي المباشر، وهو ما ينقص لجنة المتابعة العليا، أي انتخاب لجنة المتابعة مباشرة من قبل جماهيرنا، لكانت انتخابات الكنيست هي نتاج استراتيجيات لجنة المتابعة وليس العكس أي ان يكون الوزن الأكبر في المتابعة لمن يصل الى عضوية الكنيست والذي يصبح أحيانا أقوى من الحزب السياسي الذي انتدبه. وبطبيعة الحال، ليست لجنة المتابعة هي مرجعيته بل حزبه وحده هو مرجعيته.

في نموذج مغاير الا وهو انتخابات الطلاب العرب كنموذج في الجامعات، فمن ينتخب لرئاسة لجنة الطلاب العرب يمثل كل الطلاب العرب، والتيارات جزء منها وتشارك فيها بصفتها إطارا للتنظيم الذاتي الفلسطيني. في حين ان الكتلة البرلمانية تمثل ناخبيها المصوتين لها. فعضو الكنيست لا يمثل من لم ينتخبه وانتخب حزبا آخر ولا يمثل من قاطع الانتخابات كموقف من الكنيست وضمن رؤية لمواجهة أدوات اللعبة الاسرائيلية مع التأكيد ان التوجهين يمثلان سلوكا سياسيا وانتخابيا ناشطا وهادفا.

وفي نظرة الى مسيرتنا الكفاحية في الداخل ودورنا على مستوى شعبنا والمنطقة، فإن من يقود جماهيرنا وهيئاتها هم القيادات الوطنية على تنوعها وتعدديتها. وحتى في معركة الصمود ووقف المجزرة في غزة والتي رافقها فراغ قيادي في لجنة المتابعة، نجحنا كجماهير وكقيادات في التغلب على الفراغ التنظيمي والمؤسساتي الخطير في لجنة المتابعة والذي مصدره غياب «رؤيوي» جماعي وموقف واضح من تعريف وضعية جماهيرنا في الداخل ومن علاقتنا بشعبنا وموقعنا ضمن قضية شعبنا ومرجعياته، وكذلك الموقف من اسرائيل.

هي قضايا محورية اساسية. وبما ان التعددية واحترامها يحولان دون إلزامية الاتفاق على تسمية المحاور الأساسية والتوافق بالموقف منها، فإن المخرج لمثل هذه الوضعية هو التوافق على مرحلة انتقالية لإطار تنسيق وطني ضمن إطار عمل وإطار زمني محدد يجري تناوب القيادة فيها، وتكون مهمتها الأساس هي الإعداد لانتخاب مباشر للجنة المتابعة العليا كمرجعية. والفعل الأساس في هذا المشروع ليس انتخابيا فحسب، بل تنظيم مجتمع وتنظيم شعب، والوضع الأمثل ان يكون هذا المسعى توافقيا.

 

المدير العام لاتحاد الجمعيات العربية