خبر حكومة الحربين-هآرتس

الساعة 10:47 ص|08 فبراير 2009

بقلم: عنار شليف

(المضمون: حكومة كاديما حققت رقما قياسيا في الحروب عندما خاضت حربين خلال ولاية قصيرة نسبيا فربما تتخلى الان عن نهجها الاحادي الجانب وتتوجه للتسوية مع الطرف الاخر - المصدر).

أغلبية حكومات إسرائيل لم تشن اية حرب خلال فترة ادائها لمنصبها. عدد من هذه الحكومات شن حرب واحدة، الا ان حكومتنا الحالية قد حققت رقما قياسيا عندما خرجت لحربين خلال فترة رئاسة واحدة مع انها كانت قصيرة.

التساؤل حول اسباب تمكن هذه الحكومة من ذلك يتزايد في ظل حقيقة، ان الشعار الذي طرحه حزب كاديما يبدو من الناحية الشكلية معتدلا بصورة استثنائية. الحدث المركزي الذي تسبب بولادة حزب كاديما هو فك الارتباط عن قطاع غزة وخطط االانفصال عن اغلبية الضفة التي كانت النقطة المركزية في برنامج كاديما للانتخابات السابقة. فكيف حدث ان الحزب الذي امل حقا وصدقا في توفير حلول بعيدة المدى لمشاكل المنطقة، قد وجد نفسه يخوض حربين عنيفتين بصورة استثنائية تاركا من وراءه ذيلا طويلا من الدمار؟

هذا السؤال يمكن ان يوجه للجانب العربي ايضا، الذي لا يخلو من المسؤولية في هذا السياق، ولكن في الساحة الاسرائيلية من الممكن حسب رأيي تلخيص الرد بكلمتين اثنتين: النهج احادي الجانب. انسحاب اريئيل شارون من قطاع غزة كان احادي الجانب، كذلك الحال مع انسحاب ايهود باراك من لبنان في عام 2000 . فكرة النهج احادي الجانب تحولت الى قيمة اسرائيلية سامية جديدة والى راية لحزب كاديما.

        تبلور وضع متناقض لامنطقي، تقوم فيه اسرائيل بالانسحاب من المناطق التي وافقت على الانسحاب منها بصورة كاملة بصورة احادية الجانب، من دون تفاوض واتفاق كان بامكانهما تعزيز شأن ومكانة المعتدلين ومنع صعود الاطراف المتشددة، وبث شعور بالمسؤولية لدى الطرف الاخر. من الممكن الافتراض ان فك الارتباط عن غزة من خلال اتفاق مع محمود عباس كان بامكانه ان يمنع صعود حماس في القطاع. ولكن طريقة تنفيذ فك الارتباط حولته الى حملة من الدمار وسياسة الارض المحروقة. ومن خلال ذلك تم تضييع احتمالية لفرصة نادرة للحوار والتسوية واستباحة غزة والتفريط بها للمتطرفين وزرع بذور لحملة الدمار القادمة.

ربما كان الانسحاب للخط الاخضر صعبا جدا من الناحية النفسية بالنسبة لصناع فك الارتباط، لدرجة دفعتهم للتأكد من ان الفلسطينيين لن يكون مشاركين في هذه الخطوة ولن يربحوا منها؟ وبالعكس طرح الانسحاب تقريبا كعقوبة للطرف الاخر، وبذلك حظيت الخطوة بالشرعية في نظر الرأي العام الاسرائيلي. النهج احادي الجانب اوقع الكثيرين بسحره سواء في اليسار او اليمين، بسبب الجمع بين الانسحاب وبين ازالة الطرف الاخر وحذفه من الصورة.

ليس صدفة ان احتمالية المصالحة قد ضاعت في الجبهتين اللتين طبقت فيهما الفكرة، لبنان وغزة، وشق الطريق امام التطرف والحرب. وربما من المثير للسخرية، ان الاب الروحي للنهج احادي الجانب، قد اضطر لتحمل نتائجه بعد ذلك بسنوات من خلال عملية "الرصاص المصهور" التي دفعته لمواجهة الوالدين المتحمسين الذين تبنوا العملية، ايهود اولمرت وتسيبي لفني. باراك قد تخلى قليلا عن الطفل الشقي الذي ولده وفكر بصوت مسموع بالتوصل لاتفاقيات وتسويات مع حماس، ولكن تفاني واخلاص الوالدين المتبنيين كان بلا حدود، وانتهت الحرب بوقف اطلاق نار احادي الجانب. الا ان الدمار والاف القتلى والجرحى في غزة لم يتمخضا عن الردع المأمول: خلال ايام تواصلت اعمال العداء بسرعة.

نادرة هي الحالات التي تمنى فيها فكرة سياسية واحدة بمثل هذا الفشل الذريع في فترة قصيرة كهذه، مرة تلو الاخرى. وحقيقة ان الدرس لم يستوعب رغم كل ذلك هي مسالة تقشعر لها الابدان. على كاديما ولفني على راسه ان يقوما بمحاسبة النفس والابتعاد نهائيا عن النهج احادي الجانب. في الوقت الحالي تبدو لفني كممثل حماسي لهذه الفكرة تحديدا.

ليس بامكان حرب واحدة ان تصوب ما خلفته حرب اخرى، مثلما لا تعتبر لفني تصويبا لايهود اولمرت. معاييرها طاهرة ونقية وهي لطيفة المحيا، الا ان معارضتها للتسوية والحلول من خلال التفاوض اكبر من تلك التي توجد لدى اولمرت حتى. هي الوحيدة في المركز السياسي التي تتحدث عن تدمير حماس، وفي فرنها تخبز من الان رويدا رويدا الحرب القادمة.

وربما رغم ذلك يمكن ان ننهي بعبارات متفائلة. فعملية الرصاص المصهور قد انتهت كما نعلم بالتفاوض: مؤتمر دولي بهيج انعقد في القدس وتمخض عن حوار حقيقي بين رئيس حكومة اسرائيل ورؤساء ستة دول ريادية في اوروبا. وبذلك يمكن ان ننهي مع شعور بالرضا بالقول ان صاروخا واحدا لم يطلق من اوروبا على اسرائيل منذ ذلك الحين.