خبر غزاويون: استرونا أولا ثم ابحثوا عن حكومة!

الساعة 03:14 م|07 فبراير 2009

فلسطين اليوم – اسلام اون لاين

يمسك بيده الأولى كأسا من الشاي أعده على النار... وفي الثانية مذياعا صغيرا... يرتفع ضجيج أحفاده من حوله فيأمرهم بالسكوت.

ينصت الحاج "أبو أسعد بدوي" بلهفة شديدة إلى الأخبار وفجأة وكمن لسعته أفعى يرمي ما بيده بعيدا... عيونه تتجه إلى ردم وركام منزله المكون من أربعة طوابق... صوته يعلو بغضب: "وهل سنبقى في انتظار الشروط العربية؟؟".

 

استفهام "أبو أسعد" المثقل بالتعب باتت تردده آلاف الأسر في غزة... يسأل كبيرها وصغيرها عن مصير بيوت مدمرة.

 

خوفهم يشتعل والأخبار العاجلة تنبئهم أن دولا عربية وغربية أجمعت على عدم بدء عملية إعمار ما دمرته إسرائيل في غزة خلال عدوانها الشرس الأخير قبل أن يتفق الفرقاء الفلسطينيون على تشكيل حكومة وحدة وطنية تنهي انفراد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالقطاع، وتكون مقبولة للمانحين الدوليين.

وساعة بعد أخرى تزداد خفقات قلق الأهالي المكتوين بنار نكبتهم الجديدة الجالسين في خيام بالكاد تقيهم من برد الشتاء.. دمار منازلهم يرقد كما هو لا تنزاح ولو كومة صغيرة منه.

 

استرونا أولا

 

وهو يفترش قطعة من القماش الممزق بالقرب من ركام منزله المدمر جلس نائل عبد ربه يفكر في ما سيفعله بالمبلغ الذي قدمته له حكومة غزة.. قال ل"إسلام أون لاين" وهو يقلب الأوراق النقدية: "لا أدري ما فائدتها مع عدم وجود شقق يمكن أن نؤجرها لتسترنا، وتقينا شر البرد.. لا أريد مال.. بل أريد بيتا أعود فيه لحياة البشر".

 

وكانت الحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية، قد صرفت مساعدات مالية تقدر بخمسة آلاف دولار لصاحب كل بيت مهدم بشكل كامل، و2500 دولار لصاحب البيت المدمر جزئيا.

 

ويستدرك عبد ربه بعد تنهيدة ألهبت صدره: "يبدو أننا سنبقى في العراء طويلا.. العرب يريدون حكومة توافق عليها الدول المانحة.. أي أن تعترف بإسرائيل.. وهذا ما لن ترضى به حركة حماس".

 

شقيقه سمير الذي كان يحاول البحث عن بقايا ذكريات من أنقاض بيته قاطع دفة الحوار وصاح بغضب: "لماذا يتم الحديث عن شروط وعن حكومة وحدة الآن.. نحن ننزف والدم يسيل بغزارة.. فليوقفوا النزيف، وليبنوا لنا منازل تؤوينا، وليتحدث العرب بعدها عن وحدة وشروط".

 

في الخيمة

 

"ماما هل سنبقى طويلا في الخيمة".. سؤال تكرره ندى ابنة الثامنة في اليوم أكثر من مرة على مسامع والدتها التي تلوذ بصمت حزين.. تود لو تخبرها أن وجعهم لن يطول، لكن وعودا لا تحمل في طياتها أية ضمادات لجرحهم الكبير يجبرها على عدم التفوه بأي أحلام للصغيرة.

 

ندى وهي ترسم على لوحة بيضاء منزلا جميلا تصافحه الشمس قالت ل"إسلام أون لاين": "هكذا كان بيتنا".. فجأة تباغتنا بسؤال تظن أننا نحمل إجابته: "متى سيعاد بناء البيت ويذهب هذا الركام؟؟".

 

وبعد الحرب باتت أكثر من 35 ألف أسرة بلا مأوى، وأصبحت الخيمة هي مسكنهم الدائم.

 

أم محمود نعيم في عقدها السابع من العمر قالت إنها تفترش وأسرتها الأرض وتلتحف السماء، وبصوت واهن تمنت أن تسرع الدول العربية في إعمار غزة وألا تضع شروطا تعرقل بناء ما دمره الاحتلال.

 

يشير بيده إلى أرضه الجرداء والشجر المخلوع من جذوره.. يلتفت إلى منزله الذي لم يعد يعرف ملامحه.. يخبرنا أنه لم يعد يكترث بما يسمعه من أرقام قادمة ستتكفل بإعمار غزة ووقوفها على أقدامها من جديد.. ويشيح بوجهه قائلا: "هذا الركام والدمار سيبقى طويلا.. ووعود العرب ستتأخر كثيرا".

 

نجله الأكبر عصام رأى أن المدينة الجريحة ستتحول إلى مخيم كبير وأضاف: "أخشى أن يبقى هذا المشهد لسنوات قادمة.. ما دام العرب قد أصروا على ربط ألمنا بالسياسة".

 

وبدا الطالب الجامعي هشام أبو دقة كخبير سياسي وهو يقول إن الإعمار سيطول؛ لأن الدول المانحة لا تعترف بسلطة حماس في غزة ولا تريد أن ترسل لها الأموال، وأضاف: "إيواء آلاف الأسر سيبقى معلقا إلى حين التوصل إلى حكومة متفق عليها دوليا".

 

والهواء الشديد يضرب في خيمته قال أبو عاهد النجار بصوت حانق: "لتأتِ مؤسسات دولية لغزة وتشرف على عملية الإعمار.. لا يمكن أن نبقى هكذا طويلا في العراء في انتظار وحدة مشروطة.. نريد بيوتا تقينا من البرد وتلمنا كما باقي البشر".

 

وكانت وزارة الأشغال العامة في حكومة غزة قد قالت في بيان وصلت "إسلام أون لاين" نسخة منه: إن إجمالي الأضرار التي لحقت بكل القطاعات المدنية والصناعية والزراعية بالقطاع جراء العدوان الإسرائيلي بلغت حوالي 2.215 مليار دولار.

 

 وأوضحت أن 5 آلاف أسرة بالقطاع هدمت منازلها وفقدت أثاثها بشكل كامل، وأن مجمل البيوت السكنية التي دمرت وباتت غير صالحة للسكن وصلت إلى 20 ألف وحدة سكنية وتحتاج إلى 40 مليون دولار تكاليف إزالة أنقاضها.

 

وسيبقى وجع أهالي غزة قائما يسكن قلوبهم إلى أن تلمح عيونهم أنقاضا تنزاح عن كاهل الأرض وأعمدة تنصب تخبرهم أن ثمة حياة جديدة قادمة.