خبر ماذا بعد اتفاق التهدئة؟‏!‏ ..مكرم محمد أحمد

الساعة 10:30 ص|07 فبراير 2009

ـ الأهرام المصرية 7/2/2009

أغلب الظن أن مصر سوف تحقق نجاحا كبيرا في إنجاز التهدئة الفلسطينية ـ الإسرائيلية في موعد قريب‏,‏ إلا اذا ركب شيطان الفتنة رءوس البعض‏,‏ رغما عن كل المؤامرات التي استهدفت تقليص دورها ومكانتها‏,‏ وبرغم الفتن التي أرادت أن تهز استقرارها وتباعد المسافات بين الحكم والشارع المصري‏,‏ بدعوي أن مصر لم تقم بواجبها القومي حماية لمصالح الشعب الفلسطيني‏,‏ اندثرت كل هذه الصغائر سريعا‏,‏ ذهبت مع الريح مثل الزبد الذي يصير غثاء لأن الكذب لا يعيش ولأنه لا يصح سوي الصحيح‏,‏ واستطاعت القاهرة أن تلم كل خيوط الموقف لتصبح محور كل حركة المجتمع الدولي بحثا عن مخرج صحيح يعيد الأمور الي نصابها بعد العدوان الإسرائيلي الوحشي الذي وقع علي قطاع غزة‏.‏ وتكاد تقترب كل الأطراف من الاتفاق علي مسودة أخيرة لمشروع الاتفاق‏,‏ سوف يتم استئناف التفاوض حول بعض نقاطها المعلقة مع عودة وفد حماس إلي القاهرة غدا الأحد‏.‏

وما من شك في أن اتفاق التهدئة في شروطه الأخيرة يصب في مصلحة الفلسطينيين‏..‏ لأنه ينهي معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ويرفع عنه الحصار ويفتح المعابر‏,‏ ويمكنه من إعادة بناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية بمعونة عربية ودولية‏,‏ ويلزم كل أطراف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بالعودة الي مائدة التفاوض لإنجاز قيام الدولة الفلسطينية في أسرع وقت ممكن‏,‏ التي تفتح وحدها باب الخلاص من مشكلات العنف وغياب الاستقرار في الشرق الأوسط‏,‏ كما أن التهدئة تفتح الطريق مرة أخري لمصالحة وطنية فلسطينية لا بديل عنها اذا حسنت نيات الأطراف جميعا‏,‏ يحتكم فيها الجميع للشعب الفلسطيني في انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة نزيهة‏,‏ تجري تحت رقابة دولية من أجل اقامة حكومة وحدة وطنية‏,‏ تستند الي برنامج سياسي واضح‏,‏ يضع أول أهدافه العمل علي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية التي يجري احتلالها بعد حرب‏67,‏ ويعطي للفلسطينيين الحق في استخدام كل الوسائل من أجل انجاز هذا الهدف بما في ذلك حق المقاومة المشروعة استنادا الي وثيقة الأسري التي شكلت الأساس الصحيح لاتفاق كل الفصائل الفلسطينية عام‏2005,‏

الذي تم في غزة تحت رعاية مصرية‏,‏ لكنه لم يخرج الي النور بسبب مضاعفات الحرب الأهلية بين فتح وحماس‏.‏

واستنادا الي مصادر مهمة وعليمة‏,‏ فإن اتفاق التهدئة سوف يشمل كل الفصائل الفلسطينية وليس حماس وحدها لفترة زمنية يمكن أن تصل الي عام ونصف عام‏,‏ تلتزم فيها كل الأطراف الوقف الكامل لإطلاق النار والامتناع عن كل صور العدوان لفترة قابلة للتجديد بموافقة الجميع‏,‏ تعطي للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الحق في الرد الفوري علي أي عدوان يقع من الجانب الآخر‏,‏ وسوف تظل مساحة الحرم الآمن التي يمتنع فيها وجود أي أفراد مسلحين في نطاق حزام أمني لا يتجاوز عرضه‏300‏ متر كما كان الأمر في اتفاق التهدئة السابق وليس‏500‏ متر كما كان يريد الجانب الإسرائيلي‏,‏ علي أن تلتزم إسرائيل بفتح المعابر الستة أمام مرور البضائع والامدادات والوقود بما يفي بحاجات سكان قطاع غزة‏,‏ كما ينظم اتفاق التهدئة طريقة عمل منفذ رفح طبقا لاتفاق جديد يتضمن الشروط ذاتها التي انطوي عليها اتفاق‏2005,‏

مع تعديلين أساسيين‏,‏ يسمح أولهما بإمكان وجود مراقبين أتراك ضمن قوة المراقبين الأوروبيين‏,‏ ويسمح الثاني بإمكان وجود أفراد ينتمون الي أي من الفصائل الفلسطينية بمن في ذلك حماس ضمن قوات السلطة الوطنية الشرعية التابعة للرئيس محمود عباس‏,‏ والتي تتولي إدارة الجانب الفلسيني من معبر رفح‏.‏

وربما يكون جزءا من اتفاق التهدئة أو يدخل ضمن ملاحقه اتفاق خاص علي الافراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شليط‏,‏ مقابل الافراج عن ألف أسير فلسطيني بينهم عدد كبير من قيادات حماس أعضاء المجلس التشريعي الذين ألقت إسرائيل القبض عليهم‏,‏ وسقوط كل القيود التي فرضتها إسرائيل علي مرور مواد الإعمار الي القطاع التي تشمل الحديد والأسمنت والمواسير وموتورات الكهرباء منذ استيلاء حماس علي الوضع في غزة‏,‏ والعمل مع المجتمع الدولي كي تكون حماس شريكا في القرار الفلسطيني‏.‏

ويدخل ضمن مسئولية مصر الوطنية مراقبة حدودها مع القطاع دون تدخل من أية قوي خارجية‏,‏ انطلاقا من مسئولية مصر تجاه أمنها الوطني التي تفرض عليها مراقبة أية امدادات سلاح في نطاق حدودها البرية والبحرية ابتداء من حدودها مع السودان الي البحر الأبيض‏,‏ بعد أن لوحظ أخيرا تزايد عمليات تهريب الأسلحة من خلال عصابات دولية تعمل علي امتداد الحدود المصرية ـ السودانية دمرت القوات المصرية بعض قوافلها أخيرا‏,‏ ومنع تهريب السلاح الي إسرائيل والقطاع علي أن يكون الجانب الفلسطيني مسئولا عن الجانب الآخر من الحدود‏.‏

وتأمل القاهرة أن تتمكن كل الأطراف خلال فترة التهدئة من إعادة جسور الثقة المتبادلة من خلال إعادة تعمير ما دمرته الحرب في قطاع غزة علي وجه السرعة‏,‏ والعمل علي وضع نهاية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي تعيد الأمل الي نفوس الفلسطينيين والطمأنينة الي نفوس الاسرائيليين‏,‏ من خلال الاسراع بقيام الدولة الفلسطينية خلال فترة زمنية محدودة‏,‏ لأن ذلك وحده هو ضمان الأمن المتبادل الذي يوقف العنف ويوقف عمليات تهريب الأسلحة ويوقف اطلاق الصواريخ‏,‏ خصوصا أن مصر ترفض علي نحو كامل أية حلول وسط تعيد قطاع غزة الي الإدارة المصرية وتعيد الضفة الي الأردن‏,‏ ولو بصورة مؤقتة‏,‏ بدعوي حاجة كل الأطراف الي فترة انتقالية يتم خلالها بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية الجديدة‏,‏ لأن تجربة السلطة الوطنية الفلسطينية كان يمكن أن تكلل بالنجاح‏,‏ لولا تسويف الإسرائيليين ومماطلتهم وحرصهم علي تدمير كل مؤسسات السلطة الوطنية مرتين‏,‏ مرة خلال رئاسة عرفات حيث شمل التدمير كل المؤسسات في غزة والضفة‏,‏ ومرة أخيرة خلال حرب إسرائيل علي قطاع غزة‏,‏ برغم المبالغ الباهظة التي تكبدها الاتحاد الأوروبي في بناء هذه المؤسسات وتجهيزها‏,‏

الأمر الذي يتطلب ضمانات دولية تحول دون أن تكرر إسرائيل جرائمها لمجرد خلاف يقع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حول أي من قضايا التفاوض أو ردا علي صاروخ من صواريخ القسام يكون قد هشم نافذة زجاجية في إحدي البلدات الإسرائيلية القريبة من الحدود‏!.‏

وبرغم مماحكات حماس التي جاءت علي ألسنة عدد من المتحدثين باسمها في بعض العواصم العربية‏,‏ أبدوا التمنع والمراوغة والتشكيك في جهود مصر لتثبيت وقف إطلاق النار من خلال اتفاق جديد علي تهدئة طويلة الأمد تضع ضمن شروطها ضرورة رفع معاناة الشعب الفلسطيني في القطاع وإزالة الحصار وفتح المعابر لم تبد القاهرة منذ بدأت جهودها أي قلق إزاء إمكان رفض بعض الأطراف الفلسطينية لبعض عناصر هذا الاتفاق أو ترددها في قبوله‏,‏ لأن الاتفاق علي تهدئة طويلة الأمد‏,‏ تفكك الحصار وتفتح المعابر وتعيد الحياة الي عملية السلام وتسعي الي بناء موقف فلسطيني موحد‏,‏ يحقق دون شك مصلحة فلسطينية‏,‏ وربما توافق عليه حماس‏,‏ لأن حماس أكثر الجميع احتياجا الي اتفاق التهدئة‏,‏ ولأنه لا شئ غير الاتفاق الذي تنسج خيوطه مصر موجود علي الساحة السياسية‏,‏ لأن الآخرين مشغولون بنظم الشعارات الطنانة وتأجيج الحملة علي القاهرة‏,‏ وليس في وسعهم أن يقدموا شيئا نافعا للقضية ينقذ الشعب الفلسطيني من وضعه الكارثي ويفتح أمامه باب الأمل من جديد‏.‏

جاء وفد حماس الي القاهرة ليعلن في أول تصريحاته موافقة حماس من حيث المبدأ علي اتفاق تهدئة طويلة الأمد‏,‏ تفكك الحصار وتفتح المعابر‏,‏ برغم أن اتفاق التهدئة الجديد يأتي بعد أسابيع محدودة من موقف حماس الدرامي يوم‏26‏ ديسمبر‏,‏ عندما أطلقت دفعة واحدة‏22‏ صاروخا علي مدن إسرائيل القريبة من الحدود بعد نصف ساعة فقط من نهاية فترة التهدئة الأولي‏,‏ برغم تحذيرات مصر المتعددة علي امتداد الفترة من‏17‏ ديسمبر حتي‏25‏ ديسمبر‏,‏ والتي حرصت مصر علي أن تصل رأسا الي قطب حماس في الداخل‏,‏ محمود الزهار‏,‏ تحذره بوضوح قاطع من أن الإسرائيليين سوف يستثمرون موقف حماس الرافض لاستمرار التهدئة لبدء حملتهم البرية علي قطاع غزة‏,‏ خصوصا أن أرتال الدبابات الإسرائيلية تقف علي حدود القطاع تنتظر أوامر التحرك في ظل مزايدات صقور الإسرائيليين علي الحرب التي شكلت مناخ الانتخابات الإسرائيلية التي يتنافس فيها بنيامين نيتانياهو رئيس تحالف الليكود وتسيبي ليفني رئيسة حزب كاديما علي منصب رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة القادمة‏.‏

لمادا قامرت حماس علي الحرب في هذا المناخ الملبد بالتهديدات العسكرية‏,‏ ولماذا تجاهلت تحذيرات القاهرة وأطلقت هذا العدد الكبير من الصواريخ وكأنها تستدعي العدوان الإسرائيلي علي القطاع؟‏!‏

هل فعلت ذلك لأنها رأت في زيادة حجم الكارثة فرصة إحراج المجتمع الدولي كي يتم رفع الحصار وفتح المعابر؟‏!‏ أم أنها أخطأت التقدير والحساب‏,‏ وتصورت أن الانتخابات الإسرائيلية سوف تمنع صقور اسرائيل من الحرب برغم حشود الدبابات وبرغم تهديداتها المعلنة خوفا من سقوط قتلي كثيرين من الجنود يمكن أن يؤثر علي نتائج الانتخابات؟‏!‏

والأكثر مدعاة للتساؤل‏,‏ أنه برغم وقف إطلاق النار الأحادي الجانب الذي تم إعلانه من جانب كل من إسرائيل وحماس علي نحو منفرد‏,‏ تواصل اطلاق الصواريخ علي البلدات الإسرائيلية القريبة من حدود غزة وتواصل القصف الإسرائيلي المتقطع علي القطاع في عزف ثنائي شبه متناغم‏,‏ عزز من فرص نجاح بنيامين نيتانياهو رئيس تحالف الليكود الذي ينافس تسيبي ليفني علي مقعد رئيس الوزراء‏,‏ وأكثر الزعماء الإسرائيليين رفضا لعملية السلام الذي اتهم حكومة أولمرت بأنها أنهت حربها علي قطاع غزة مبكرا دون أن تحقق الحرب أهدافها بالكامل‏,‏ وتدمر قدرة حماس العسكرية علي نحو نهائي وتطردها خارج الحكم‏,‏ مؤكدا للإسرائيليين أنه سوف ينهض بهذه المهمة اذا نجح في الانتخابات وأصبح رئيس الوزراء القادم لإسرائيل؟

والواضح أن حملة نيتانياهو علي حكومة إسرائيل الراهنة خصوصا تسيبي ليفني وايهود باراك وزير الدفاع واتهامها بالعجز عن تحقيق أهداف العملية العسكرية‏,‏ لأنها لم تدمر حماس علي نحو كامل قد أثرت علي توجه الناخبين الإسرائيليين‏,‏ لأن كل مؤشرات الرأي العام الإسرائيلي تقول‏,‏ إن تحالف نيتانياهو سوف يحصل علي‏65‏ مقعدا في الكنيست الاسرائيلي‏,‏ علي حين لن تحصل منافسته تسيبي ليفني رئيسة تحالف كاديما علي أكثر من‏35‏ مقعدا؟‏!‏

ويكاد يخلص الجانب الأهم في برنامج بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء القادم في تعويق أية جهود تستهدف تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران‏,‏ وقطع الطريق علي إمكان نجاح أي حوار مباشر بينهما‏,‏ وتوظيف وجود حماس في القطاع باعتبارها القاعدة المتقدمة لإيران في قلب الشرق الأوسط التي ينبغي التخلص منها‏,‏ والحيلولة دون تواصل الحوار بين الغرب وحماس بصورة مباشرة أو غير مباشرة‏,‏ واقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بخطورة أن تستنزف جهودها في قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي‏,‏ لأن الخطر الأولي بالاهتمام هو إيران وحلفاؤها المتقدمون في الشرق الأوسط‏.‏

وما من خيار صحيح يمكن أن يضرب هذا الخيار ويفسده سوي أن تقبل حماس بوحدة الموقف الفلسطيني‏,‏ وتقبل بالتهدئة‏,‏ ليس باعتبارها مجرد عملية مرحلية يمكن الانقلاب عليها لصالح استمرار سيطرتها المنفردة علي قطاع غزة‏,‏ ولكن باعتبارها خيارا صحيحا يهيئ المناخ لبناء موقف فلسطيني موحد‏,‏ يعصم الجميع من خطر الاستقطاب الحاد الذي يمكن أن يزيد من حجم الشقاق الفلسطيني والذي وصل الي حد إعلان خالد مشعل عزمه علي إنشاء منظمة بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية‏,‏ بدلا من أن يسد الشرخ القائم بالعقل‏,‏ ويؤهل الموقف الفلسطيني الواحد لإمكان المزاوجة بين التفاوض والمقاومة‏,‏ التزاما بما جاء في وثيقة الأسري التي تشكل الأساس السياسي لبرنامج حكومة الوحدة الوطنية‏,‏ لأن ما تتطلبه القضية الفلسطينية هو جهد الاثنين معا‏,‏ فتح وحماس‏,‏ وليس استبعاد فتح بدعوي موالاتها لخط الاعتدال‏,‏ أو استبعاد حماس بدعوي تحالفها الإقليمي مع إيران‏.‏ وهذا هو حقيقة ما تنشده القاهرة من وراء جهودها لتوحيد الموقف الفلسطيني‏,‏ لأن مصر تدرك تماما‏,‏ أن مجرد التفاوض مع المحتل دون وجود أظافر تدمي جسده وتذكره باستحالة التعايش معه‏,‏ لن يكون كافيا لتحقيق أهداف النضال الفلسطيني‏..‏ وهذا ما أكدته مرات عديدة للرئيس الراحل عرفات وتؤكده كثيرا للرئيس محمود عباس‏.