خبر انفجار..يديعوت

الساعة 11:40 ص|06 فبراير 2009

بقلم: سمدار بيري

قلة فقط من خارج وكالات التجسس الدولية ابدت الاهتمام باعتقال علي موسى دقدوق من كبار قسم "عمليات الخارج" في حزب الله. مدقوق ضبط بالصدفة على يدي قوات الامن العراقية بجانب المركز الشيعي في كربلاء في شهر كانون الثاني الماضي. بعد تحقيق سريع معه سلم لمحققي الاستخبارات الامريكيين وهؤلاء عرفوا كيف يقدرون جيدا الغنيمة التي سقطت في ايديهم: هذا الرجل يعتبر من الاشخاص الذين رعاهم كبير المخربين عماد مغنية، والذي كان الامريكيون قد اعلنوا عن جائزة بقيمة 25 مليون دولار مقابل رأسه. في عام 2005 ارسل دقدوق بطلب من مغنية من لبنان الى طهران، وبعد سنة تسلل من هناك بامر من معلمه للعراق حتى يدرب "جيش المهدي" – احدى الوحدات المختارة لشيعة في الدولة – من اجل تنفيذ عمليات ضد جنود الجيش الامريكي.

دقدوق رفض التعاون مع المحققين الامريكيين. في البداية تصنع انه اصم وطلب الرحمة. وثائقه كانت مزيفة واظهر نفسه على انه من ابناء المكان. في مرحلة متاخرة حاول الادعاء بانه رجل اعمال ايراني. فقط بعد ثلاثة اسابيع انهار عندما بدأ يغرد على مسامع المحققين اتضح لهم انه كنز بقيمة استخبارية نادرة: هذا الرجل رسم صورة حديثة لـ "الحج رضوان" احد اسماء الشيفرة للارهاب الذي نجح في التملص من وكالات الاستخبارات في ارجاء العالم طوال عشرات السنين وتضليلهم (40 وكالة استخبارات)

دقدوق ذكر ارقام هواتف مغنية النقالة التي كان يستخدمها في احيان نادرة واسماء الروابط والرسل المؤتمنين والمقربين لـ "ابو دوحان" وهو اسم سري اخر لمغنية. هذه الغنيمة الاستخبارية اعطيت ليديعوت احرنوت من قبل ضابط مخضرم بالاستخبارات اللبنانية كان قد وكل بتحليل ظروف اغتيال مغنية قبل عام ووصل من المخابرات الامريكية الى الموساد الاسرائيلي. كان هناك تماثل واضح في المصالح: الامريكيون ارادوا تصفية مغنية ، والاسرائيليون تشوقوا لتسوية الحساب الطويل معه.

"لاحقت مغنية طوال خمسة عشر عاما" قال لي احد موظفي سي اي اي السابقين روبرت بار. "سرت في اثره ولم اتوقف عن البحث عن المعلومات ولكني لم انجح في الاقتراب منه. هو كان مهنيا ومراوغا. لم يعقد ابدا لقاءا في مكان لا يوجد به مدخلين على الاقل وحرص دائما على ازالة كل ورقة وصورة". اليوم بعد سنة من تصفيته يتضح  ان الاستخبارات اللبنانية كانت تتابع تحركات "الحج رضوان" هي الاخرى.

مغنية تصرف كمن يعرف ان رئيس الموساد مئير دغان لا ينوي تركه في حاله خصوصا في ظل حقيقة ان اسرائيل تمتلك معلومات حول ضلوعه في اختطاف جنود الجيش الاسرائيلي في العملية الاخيرة. وانه تابع عن قرب تحضيرات للعملية بل وتواجد في موقع المراقبة القريب من مكان الاختطاف. مغنية الذي كان يبلغ من العمر 47 عاما عند تصفيته تدرب في القوة 17 التابعة لعرفات في لبنان. هو تنقل بين التنظيمات الفلسطينية الى ان انضم الى حزب الله وهناك اوجد لنفسه قناة اتصال مباشرة مع اجهزة الامن والاستخبارات الايرانية. صديقه المقرب في بيروت أ.ش يدعي انه لو كان الخيار بيد مغنية لبقي في ايران وتحرك بصورة سرية نحو لبنان في احيان متباعدة حتى يعطي الاوامر والارشادات لتابعين لامرته في طاقم عمليات الخارج في حزب الله. خلال السنة الاخيرة من عمره لاحظ من تبادلوا اطراف الحديث معه خوفا تطور الى استحواز من ان المخابرات السورية ستبيعه مقابل فتح صفحة جديدة من الادارة في واشنطن. لذلك حرص على البقاء في سورية كمحطة انتقالية بين طهران وجنوب لبنان وحذر من التوجه الى بيروت. وبالاساس حافظ على مسافة من الجنرال عاصف شوكت صهر بشار الاسد و "الرجل القوي" في دمشق.

بشار الاسد اعتبر مغنية عدوا. وعرف ان اتباع مغنية قد وزعوا تبرعات ايرانية بمئات الاف الدولارات على معارضيه في الطائفة العلوية التي ينتمي اليها وعلم بوجود تحويلات مالية من طهران بواسطة مغنية ومبعوثيه ايضا الى اتباع رابيل ابن رفعت الاسد عم بشار المنفي في اسبانيا. قبل التصفية بشهر اشتكى مغنية امام احد اصدقائه من انه "في كل مرة ادخل فيها الى سورية اشعر بوجود تحركات خطيرة من حولي واسعى الى تقصير مدة بقائي".

خطأ واحد زائد عن اللزوم

في الثاني عشر من شباط 2008 حدث الخطأ الذي كلف مغنية حياته. عدد كبير من الاشخاص عرف بخطته لتكريم السفير الايراني الجديد في دمشق خوجت اسلام موسوي واظهار حضوره ولو لفترة زمنية تبلغ 20 دقيقة في حفل الاستقبال الذي اقيم لاحياء الذكرى التاسعة والعشرين للثورة الاسلامية في ايران.

مراقبته جرت بواسطة تصميم صورة لسلوكه والجدول الزمني المخطط. هو قضى الليلة التي سبقت اغتياله في شقة خفية مع امرأة على ما يبدو، وحتى يمنع الاقاويل فضل بان لا يكون حراسه وسائقه الشخصي قريبين. مغنية قاد سيارة الجيب الفضية بنفسه وحصل مرافقوه على عدة ساعات اجازة. هذا كان الوقت الصحيح الملائم للاستعداد لعملية الاغتلال. مخططوا العملية عرفوا ان امامهم فترة زمنية قصيرة قبل انضمام المرافقين له.

الايادي التي زرعت العبوة الناسفة في مسند الرأس في مقعد المسافر على يمين السائق كانت ايادي اسرائيلية فقط. "عندما يتعلق الامر بهدف سمين الى هذا الحد" يقول ضابط الاستخبارات اللبناني، "يحظر الاعتماد على اي طرف اجنبي. هناك دائما خشية من تسرب المعلومات ولذلك لم يكونوا ليخاطروا بالخطة كلها".

اما قضية كيفية وصول تلك الايادي الى المكان الذي توقف فيه جيب الفاغيرو الفضي فالاستخبارات اللبنانية لا تملك ردا قاطعا على ذلك. "لدينا براهين على ان الطاقم الفني قد تسلل الى الاراضي السورية من كردستان بثلاثة سيارات" يقول ضابط الاستخبارات اللبناني. "في السيارة الاولى سافر الحراس وخلية الاسناد وفي السيارة الثانية جلس الفنيون المسؤولون عن العبوة والثالثة خصصت للفرار في حالة حدوث خلل". ليس الفنيون المدربون في زرع العبوات وحدهم اسرائيليون وانما ايضا السائقون ذوي الشوارب الناطقون بالعربية. ولكن هناك ايضا براهين كما يقول الضابط اللبناني تشير الى ان طاقم التصفية قد قدم الى سورية من مكان اقرب وليس بالتحديد من الحدود العراقية. "عندما تحرص مجموعة مهنية في اظهار نفسها كابناء المكان وتتبنى سلوكهم، يمكن اجتياز الحدود السورية في اماكن محددة مسبقا" يقول.

بعد ان لاحظوا سيارة الجيب المتوقفة من دون حراسة قام الفنيون بفتح احد ابوابها وبدأوا في زرع العبوة في مسند الرأس. اخرجوا المسند من مكانه ووضعوا بدلا منه مسندا مشابها مفخخا. عندما انهوا عملهم غادروا المكان بسرعة عائدين من خلال مسار بديل محدد مسبقا. "هذه قاعدة اساسية في عمليات الاغتيال" يقول ضابط الاستخبارات اللبناني.

في الثاني عشر من شباط في الساعة 9:40 توقف جيب الفاغيرو الفضي في المنطقة الامنية في حي كفر سوسة. رئيس خلية الحراسة لاحظ على الفور الرجل السمين الملتحي الذي يجلس الى يمين السائق المرافق. هو عرف بقدومه مسبقا. مغنية خرج من السيارة ودخل الى مركز الثقافة الايراني. كعادته كان مزودا بمسدس.

قبل ان غادر السيارة امر السائق بعدم الابتعاد. ضابط الاستخبارات اللبناني يشير الى بديلين محتملين في اعداد عملية التصفية الممركزة كان من الممكن كما يقدر زرع عبوة قاتلة في مسند الرأس مع ساعة توقيت تشغل العبوة في توقيت دقيق عندما يخرج مغنية من حفل الاستقبال. ولكن هذا الامر ينطوي على خطورة لتغير البرامج في اللحظة الاخيرة. الامكانية الاكثر منطقية كما يقول الضابط اللبناني كانت تشغيل العبوة عن بعد من اجل ضمان عدم الوقوع في اخطاء.

في الساعة 22:35 هز انفجار شديد جنبات حي كفر سوسة. شهود عيان تحدثوا عن اعمدة دخان ارتفعت الى مسافة عالية. الجيران والمارة سارعوا لتصوير ساحة الحدث بهواتفهم النقالة لم يعرف احد منهم لمن تعود اشلاء الشخص الذي كان جالسا في المقعد الامامي.

مغنية مات على الفور. القناة السورية الرسمية نشرت في منتصف الليل نبأ املته السلطات حول انفجار هائل يعتقد انه عملية تخريبية ادى الى موت المسافرين في السيارة في كفر سوسة. في صبيحة اليوم التالي قال حزب الله ان شخصا واحدا قد قتل وانها عملية اغتيال نفذها الموساد الاسرائيلي. اثار السائق اختفت. "خلال اشهر طويلة كنا نعتقد ان السائق مشارك في عملية التصفية" يقول ضابط الاستخبارات اللبناني كنا نظن ان الموساد قد نجح في شرائه. ارسلنا اشخاصا لجمع معلومات من ابناء عائلته في احدى قرى الجنوب اللبناني فاكتشفنا ان العائلة قد اختفت وان البيت مهجور. ولكن" – يقول الضابط متحفظا – "من كان يعرف مغنية الشكاك جيدا يمكنه ان يقدر مسبقا انه لو لم يكن السائق منتظرا داخل السيارة المفخخة لما كان مغنية يدخل اليها باي شكل من الاشكال".

احباط ناجح في اذربيجان. كان بامكان بشار الاسد ان يسمع دوي الانفجار من قصره الرئاسي على مسافة كيلومتر واحد من الحدث. هو تلقى تقريرا مستعجلا حول تصفية مغنية واحيطت منطقة كفر سوسة على الفور بكتائب الحراس والجنود. الصحافيون والمصورون طردوا من المكان. الاشاعات التي ثارت حول ظروف الحدث وهوية الضحية وصلت الى طهران والى قيادة حزب الله في بيروت. نصر الله الذي غضب من عدم قيام القصر الرئاسي بدمشق باعلامه الخبر امر محطة المنار ببث النبأ حول التصفية التي حصلت في دمشق  في صبيحة اليوم التالي وكشف هوية مغنية واصلاح الانطباع الذي تركته التقارير الرسمية الصادرة من دمشق. نصر الله كان ايضا اول من ادعى ان الموساد هو الذي اغتال مغنية بالتعاون مع جهاز استخبارات بدولة عربية.

وزيرا الداخلية والاعلام في سورية والمدعي العام العسكري في دمشق اعلنا عن اقامة لجنة تحقيق تعمل على مدار الساعة. ولكن ضابط الاستخبارات اللبناني الذي اجرى التحقيق السري وسأل شهود العيان يدعي ان السوريين ركزوا بالاساس على طمس الادلة. المحققون السوريون لم يزوروا منازل سكان الحي لجمع الادلة. السلطات في دمشق لم تأمر باغلاق النقطة الحدودية مع كردستان. وتجديد التفتيش على المارة من سورية للاردن صبيحة عملية الاغتيال. الاسد امر بنقل بقايا جثة مغنية للدفن في لبنان بضغط من حزب الله من دون ان يقوم المحققون باجراء فحوصاتهم الجنائية لتشخيص المواد المتفجرة المستخدمة.

في اليوم التالي للاغتيال اعتزل الرئيس السوري في مقر العائلة. محللون وخبراء ادعوا انه يخشى من اذرع الموساد الطويلة. ولكن وفقا لاحدى الروايات التي ظهرت في وثائق الاستخبارات اللبنانية الرئيس او صهره عاصف شوكت وربما كلاهما معا فرحا جدا للتخلص من وجع الراس الذي يسمى مغنية. "انا لا استطيع الاشارة الى ان في سورية طرفا عرف او تعاون مع العملية" يقول الضابط اللبناني. "وانا ايضا لا اعتقد ان الموساد كان سيشرك الرئيس السوري او اي جهاز استخبارات اخر باستثناء الامريكيين في الخطط المعدة للعملية. من خطط العملية لم يقم فقط بتسوية دين اسرائيلي امريكي ثقيل وانما وجه كذلك صفعة مدوية ثلاثية لوجه بشار الاسد الذي علم مرة اخرى ان من الممكن التحرك بحرية في الاراضي السورية وصفعة لرؤساء الاستخبارات الايرانيين وخامنئي وكذلك صفعة لنصر الله الذي لم ينجح حتى اليوم في ايجاد خلفية لكبير القتلى".

في طهران وحزب الله قرروا عدم ترك رؤساء الحكم في سورية في حالهم. وفد من خبراء الاستخبارات الكبار الايرانيين ووفد من حزب الله في لبنان ظهر في نفس الوقت في دمشق. جئنا للمشاركة في التحقيق والمساعدة قالوا. السوريون استقبلوهم ببرود وقالوا لم نطلب منكم المجيء فنحن نجري التحقيق بانفسنا. المدعي العسكري السوري طالبهم بمغادرة المكان فورا. وهذا المدعي بالمناسبة اصر ايضا على ان سائق مغنية قد قتل في عملية الاغتيال. زوجة مغنية سعدى بدر الدين وقفت امام عدسات التلفاز في بيت العزاء في احدى قرى لبنان وقالت "انا اعرف من الذي اغتال الشيخ رضوان: الاستخبارات السورية والموساد، مخابرات دولة عربية اخرى، وجلال طلباني الكردي والرئيس العراقي" قالت الارملة بغضب وهي ترتدي الاسود ومحاطة بابنتيها. في الليلة نفسها وضعت الارملة وابنائها في قافلة سيارات تابعة لحزب الله وارسلت لايران مسقط رأس بدر الدين. صوتها لم يسمع منذ ذلك الحين.

بشار الاسد تعهد بانهاء عملية التحقيق في اغتيال مغنية خلال عشرة ايام ونشر النتائج "التي ستفاجىء العالم". المدعي العام العسكري في دمشق سرب لوسائل الاعلام معلومات مبهمة حول اعتقال عشرات الفلسطينيين "المتهمين بالتعاون وتقديم المساعدة". ضابط الاستخبارات اللبناني يقول ان احدا لم يعتقل وفقا للمعلومات وحتى ان اعتقل عدد من الفلسطينيين في سورية فقد اطلق سراحهم بعد مدة قصيرة. مضى اسبوعان اخران وفي هذه المرة تعهدت سورية بنشر نتائج التحقيق بعد القمة العربية في دمشق. محللون وناطقون باسم بشار الاسد اوضحوا ان الرئيس لا يريد تصعيد العلاقات مع تلك الاطراف العربية التي امدت المخططين لعملية التصفية بالمعلومات الاستخبارية حول تحركات مغنية. هم اطلقوا تلميحات قوية باتجاه السفارة السعودية في سورية. والاستخبارات السعودية في الرياض. اسم الاردن زج هو الاخر في القضية باعتباره قد ساعد واسهم في اعطاء المعلومات.

يوم الخميس القادم ستحل الذكرى الاولى لاغتيال مغنية. في اسرائيل يخشون عدم اكتفاء حزب الله في هذه المرة بتظاهرة احياء وخطابات حماسية. نصر الله وعد بالانتقام الشديد والمدوي. الاستخبارات الاسرائيلية تحذر من عملية انتقامية مشتركة لحزب الله والوحدات المختارة الاستخبارية الايرانية من دون ترك بصمات لاصابعهم. طرف استخباري يحذر من عملية استعراضية كثيرة الضحايا ضد هدف اسرائيلي من مكان منعزل نسبيا في الخارج. وفقا لمعلومات اجنبية قد تم حتى الان احباط محاولة شن هجوم على سفارة اسرائيل في اذربيجان. وفي سيناء ضبط المواطن اللبناني سامي شهاب عنصر قسم عمليات الخارج في حزب الله الذي درب خلية ارهابية فلسطينية لاختطاف وقتل الاسرائيليين. حتى الان ادت اليقظة الامنية الى احباط الخطة الانتقامية. ولكن حزب الله والايرانيون كما تجمع كل الجهات الاستخبارية لا ينوون التنازل.