خبر أوباما وحماس والأمر الواقع ..خيري منصور

الساعة 10:55 ص|05 فبراير 2009

ـ الخليج 5/2/2009

 ينصح هنري سيجمان رئيس مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط في نيويورك إدارة الرئيس أوباما بمباشرة الاتصال مع حماس، وذلك لسببين أولهما أن استمرار القطيعة والتجاهل سيؤدي إلى خلل يصعب استدراكه في معادلة الأمر الواقع، وثانيهما أن هذا الاتصال سيكون بمثابة اختبار لحماس، فإما أن يستمر أو يتوقف، وذلك في ضوء ما تقوله حماس الآن.

نعرف أن الولايات المتحدة لم تبدأ الاتصالات المباشرة مع منظمة التحرير وياسر عرفات قبل الهجرة القسرية من بيروت إلى تونس، رغم أن هناك من يعتبرون اغتيال علي حسن سلامة في بيروت من قبل المخابرات الصهيونية عقاباً على بدء الاتصال وتمهيد الطريق بين المنظمة وواشنطن.

إن واقعية خطاب أوباما السياسي تفرض على إدارته أن لا تدير ظهرها لأطراف أدرجوا في القائمة السوداء، أو ما سمته إدارة بوش السابقة محور الشر، فقد سعت تلك الإدارة الراحلة إلى شيطنة أطراف وشخصيات انطلاقاً من ايديولوجيا يمينية بالغة التطرف، لهذا بقيت الأبواب موصدة، وما أوشك ان يوارب منها سرعان ما خلعته الأعاصير السياسية وبقي مهجوراً.

نصيحة هنري سيجمان لأوباما تأتي في سياق سلسلة من المواعظ التي يتقدم بها محللون استراتيجيون أمريكيون إلى الرئيس الجديد.

إذا كان جاداً في ترجمة شعاره الأثير حول التغيير، فالتغيير لا يمكنه أن يكون ذا بعد واحد محلي في حدود الولايات المتحدة، لأن التقاطع حتمي بين السياستين الداخلية والخارجية خصوصاً بعد أن أضافت الأزمة الاقتصادية العاصفة جرعة جديدة إلى هذا التقاطع.

وقد سبق لأوباما ان خفف من لهجته وهو يتحدث عن إيران واكتفى بالقول ان استمرارها في المشروع النووي غير مقبول، واعتبرت هذه الجملة لأسباب اسقاطية ورغائبية لدى البعض تسامحاً نسبياً ومرونة دبلوماسية رغم أن الأمر برمته لا يتجاوز اللعب على مترادفات اللغة ومجازاتها.

ومن المعروف ان من يدبج لأوباما خطاباته شخص بليغ وضليع في اللغة، بقدر ما هو دبلوماسي حاذق، فقد سبق له أن صاغ خطاباً به الكثير من المجاملة للجمهوريين، رغم أن التنافس بين الحمار والفيل كان قد بلغ ذروته.

إن الاعتراف بالأمر الواقع هو الخطوة الأولى على طريق أي حل لأية قضية، خصوصاً إذا كانت من طراز القضية الفلسطينية التي كلما اكتشف في غابتها طريق عاد إلى مربعه الأول وضاعت معالمه.

حماس طرف في المعادلة والمشهد، ولا بد من التعامل معها على الأقل وفقاً لما اقترحه هنري سيجمان وهو التعرف عن كثب إلى مواقفها وما استجد منها بعد العدوان الأخير على غزة.

ان التعويل على إدارة أوباما لاصلاح ما أفسد سلفه وحاشيته اليمينية المتطرفة قد يبهظ الرجل وهو في بواكير فترته الرئاسية، فهو ليس حاكماً مطلقاً، يحركه مزاجه الخاص أو ما يراه صائباً، إنه جزء من سياق مؤسساتي في الولايات المتحدة، التي لها ما يشبه الثوابت الاستراتيجية في العالم وبالتحديد الشرق الأوسط، لكن من يطالبون أوباما بالاستدارة مائة وثمانين درجة إنما يصدرون في تفكيرهم عن ثقافة باترياركية وعن افراط في الشخصنة ودور الزعيم، وليس معنى هذا ان الرئيس الأمريكي مجرد اسم مستعار لمؤسسة أو استخبارات، ان له دوراً يبدأ من مفاهيم الحزب الذي ينتسب إليه، والذي فاز ووصل إلى البيت الأبيض بفضله، وقد يكون واعظو أوباما من داخل أمريكا وخارجها بالتمرد على لوائح الخير والشر والتحالف والعداء على حق، فالتجاهل ليس حلاً، واغماد الرأس في التراب هو مجرد دفاع أخرق.