خبر عن خطر إيران الثورة الإسلامية .. بالعبرية والإنكليزية والعربية معاً! ..طلال سلمان

الساعة 10:54 ص|05 فبراير 2009

ـ السفير 5/2/2009

تعيش إيران حالة من النشوة والزهو بالذات وهي تحتفل بالذكرى الثلاثين لثورتها الإسلامية وخصومها يبالغون في تعظيم دورها الكوني بأكثر مما يفعل مؤيدوها ومناصروها، وبأكثر حتى مما تراه في نفسها، وذلك لكي يبرروا التعبئة العالمية ضدها، وكأنها هي بذاتها «الشيطان الأكبر»، وهي الصفة التي أطلقها قائد الثورة الإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني على الولايات المتحدة الأميركية التي تطرفت في عدائها لهذا النظام إلى حد الهجوم المسلح بالإنزال العسكري الفاشل في «صحراء لوط»، من بلاد فارس..

لقد أعادت الثورة الإسلامية إيران إلى ذاتها، وهي التي كانت تحت حكم الشاهنشاه محمد رضا بهلوي أشبه بقاعدة عسكرية أميركية ـ إسرائيلية، للهيمنة على كامل منطقة الخليج والجزيرة العربية وصولاً إلى العراق، وهي الخزان النفطي الأكبر في العالم، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي الحاكم لبعض دول آسيا، المطلة على المحيط الهندي، بما يمكنها من محاصرة الاتحاد السوفياتي والتحرش بجمهورياته الإسلامية..

ومع أن إيران ـ الثورة الإسلامية ناشطة جداً ودائبة الحركة على مختلف الجبهات، سياسياً ودبلوماسياً، ثقافياً واقتصادياً، فإن خصومها وأعداءها ينسبون إليها أسباب إخفاقاتهم جميعاً، ويحملونها المسؤولية عن معظم ما يجري (أو لا يجري) في قارتي آسيا وأفريقيا وبعض أميركا اللاتينية وحتى بعض أوروبا، وكأنها القطب الكوني الأعظم والمحرك الأساسي لجميع الثورات والانتفاضات والاعتراضات وتفجر الشعوب بالغضب أو باليأس في وجه الأنظمة العاجزة أو التابعة والفاسدة المفسدة.

وإذا صدقنا كل ما تضخه أجهزة المخابرات الأميركية ـ الأوروبية دعائياً وتنقله وتعممه أجهزة إعلامها فيعتمد «عربياً» وفي جهات أخرى، ضد إيران وثورتها الإسلامية، لكان علينا أن نستنتج أنها أقوى من أميركا وأوروبا وبينهما الحلف الأطلسي ومعهما معظم ما يمسى «قوى الاعتدال» في الوطن العربي والعالم الإسلامي، يضاف إليهم إسرائيل بقوتها الأسطورية (خامس أقوى جيش في العالم!!) أقوى من كل أولئك مجتمعين بما يملكونه من طاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية، وصولاً إلى الخزين النووي الكافي لتدمير العالم كله (وليس إيران فحسب) مرات ومرات..

الطريف أن «هؤلاء الأعداء» المحتشدين في جبهة عريضة هائلة القدرات يقاتلون إيران الثورة الإسلامية منذ ثلاثين سنة متصلة ليكتشفوا من بعد أنها تزداد قوة ونفوذاً، وكلما زادوا من حدة حربهم ووسعوا مسرحها كانوا يوفرون لها الفرصة لأن «تتمدد» وتكسب مزيداً من المناصرين بين «المعذبين في الأرض» المقهورين بحكامهم وقوى الهيمنة الأجنبية، لا سيما بعد سقوط نصيرهم الأممي الاتحاد السوفياتي العظيم ومعسكره الاشتراكي بالضربة الاقتصادية القاضية.

ولقد جربوا الأسلحة جميعاً في منازلتها: الحصار بداية، وهو مستمر بل يزداد شدة كل يوم، شاملاً الاقتصاد وإنجازات التقدم العلمي والضغط بأسعار النفط، ومصادر السلاح..

بعد الحصار جاءت الحرب العسكرية التي دُفع إليها ـ بالتحريض والوعود بالدعم المفتوح ـ صدام حسين.. ولقد استغلوا طموحاته الشخصية وغروره الذي صوره زعيم الزعماء وقائد القادة، فأغروه واستجاب! وكانت الحرب التي استخدمت فيها كل أنواع السلاح، بما في ذلك المحرم دولياً، والتي امتدت ثماني سنوات مخيفة ببحار الدماء التي سالت فيها على الجانبين وبأعداد ضحاياها، في البلدين الجارين.

.. وحين تنكروا لوعودهم وتعهداتهم «انتقم» صدام حسين بارتكابه الخطيئة المميتة، إذ استدار إلى الجهة الأخرى فاحتل الكويت، وبذلك أعطاهم الفرصة لكي يتخلصوا منه بعدما بات حملاً ثقيلاً... وهم لم يكتفوا بذلك بل تركوه يدمر العراق (المحاصر) حتى يسهل عليهم احتلاله!! وهذا ما فعلوه في مثل هذه الأيام من العام 2003.

لم تسقط إيران وثورتها الإسلامية، برغم الحرب التي شارك فيها الجميع، بالمال أو بالسلاح أو برفع رايات العروبة (مزوّرة) مقابل التخويف «بالاجتياح الفارسي» وتقديمه على الخطر الإسرائيلي، برغم أن إسرائيل كانت استغلت انشغال العرب في «حرب القادسية» لتتقدم فتجتاح لبنان، صيف 1982 وتطرد منه المقاومة الفلسطينية مشرعة أبوابه ـ مرة أخرى ـ لحروب أهلية ظلت تتوالد من تداعيات هذه الأحداث وانعكاسها على فلسطين ولبنان حتى اليوم..

ما لنا والتاريخ.. لنعد إلى اللحظة الراهنة: إن حملات اتهام إيران بالطموح إلى التوسع وإلى فرض هيمنتها على جيرانها العرب، بداية، ثم على المسلمين عموماً، ثم على أفريقيا، ومن ثم على الكون بأجمعه تتخذ أحياناً طابعاً كاريكاتورياً، برغم المآسي التي تتسبب بها السياسات التي تبنى على قاعدة تعظيم الخطر بقصد استدرار ردود فعل أقوى وأكثر شراسة في المواجهة.

في اليوم الواحد تسمع قيادات أميركية وأوروبية وإسرائيلية وكذلك إسلامية وعربية تتهم إيران بكل ما وقع أو سوف يقع أو قد يقع في أي مكان من هذه الأرض الفسيحة: مرة باستخدام العنصر الفارسي، ومرة باستخدام البعبع الشيعي الذي أخرج من قمقمه، ومرة ثالثة باستخدام النزعة الإمبراطورية عند «ورثة الشاه المصفحين بالإسلام»!

ومع أنه من المنطقي أن تحاول دولة قوية، تدعي أنها تحمل رسالة دينية، وسط محيط من الدول المتهالكة والتي لا تملك قرارها ولا تستطيع أن تقرر في شأن ثرواتها الطبيعية، والتي تنازلت عن دورها طائعة مختارة، وفضلت الاستكانة للحماية الأميركية (والإسرائيلية)، أن تمد نفوذها في قلب الفراغ السياسي السائد، فما هو غير منطقي وغير مقبول أن تتم الاستجارة من الخطر الإيراني المحتمل بالنار الأميركية ـ الإسرائيلية وهي هي التي أحرقت وتحرق المنطقة وشعوبها... كأن نعتبر أن إيران هي المسؤولة عن الحرب الإسرائيلية على غزة، وأن ندب الصوت

لمكافحة الخطر الإيراني بينما النار الإسرائيلية تحرق في غزة البشر والحجر والشجر وكل أسباب الحياة.. وتحرق معها العرب جميعاً بعواطفهم وكرامتهم ومصالحهم.

في يوم واحد نسمع الاتهامات لإيران بالتدخل وإثارة الفتن ومحاولات الاجتياح لتحقيق المطامع، من إسرائيل وبعض المسؤولين العرب وبعض قادة أوروبا، معاً، بينما تخفف الإدارة الأميركية الجديدة من حدة لهجتها تجاه الثورة الإسلامية وتطمح إلى فتح باب التفاوض معها..

ولسنا في صدد الدفاع عن إيران وسياساتها، ولكن همنا أن نحفظ لهذه الأمة العربية العظيمة بعضاً من كرامتها التي تهدر كل يوم على مذابح أعدائها الحقيقيين، وأولهم إسرائيل، ثم تأخذنا مصالح الغير (وهم ليسوا مسلمين ولا عرباً) إلى الانتحار في مواجهات يغني عنها الانتباه إلى حقائق الجغرافيا والتاريخ وإلى المصالح الحقيقية لهذه الشعوب المقهورة والمفقرة إلى حد الإذلال بخضوع أصحاب السلطة فيها لأهل القرار من أعدائهم المعروفين!