خبر امتحان في غزة ..فهمي هويدي

الساعة 10:52 ص|05 فبراير 2009

ـ الشرق القطرية 5/2/2009

العنوان أعلاه ليس من عندى، لكنه تصدّر ورقة امتحان يناير لطلاب الهندسة الميكانيكية (السنة الأولى) الذين يدرسون بجامعة القاهرة. تضمنت الورقة ستة أسئلة جرى التقديم لها على النحو التالي: غزة في هذا الامتحان هي البوابة الشرقية لمصر في درس الجغرافيا. وهى جزء من درسنا في التاريخ. وهى بؤرة الصراع العربي ـ الإسرائيلي في موسوعة المسيري، وهى المشكلة المعقدة عندما نتحدث عن تحليل المشكلات. وهى قرار يصدره مجلس الأمن. وغزة هي درسنا في الحب، ودرسنا في الكرة، ودرسنا في الأدب، وغزة ـ بعيدا عنكم وعن امتحانكم ـ تحترق.

بعد المقدمة جاءت أسئلة الامتحان على النحو التالي:

1ـ اشرح الخلفية الجغرافية لغزة موقعا وحدودا، ناقش علاقة غزة بالأبعاد الأربعة لجغرافية مصر كما رآها جمال حمدان.

2ـ ناقش ما يحدث الآن في غزة على ضوء رؤية جمال حمدان لمراحل التطور التاريخي لمصر صعودا وهبوطا.

3ـ اشرح خصائص الصراع العربي ـ الإسرائيلي وفقا لرؤية عبد الوهاب المسيري، ناقش إشكالية وتعريف الصهيونية، اشرح المضمون الصهيوني لما تمارسه إسرائيل الآن من حرب في غزة.

?ـ تناول ما يحدث الآن في غزة كمشكلة لها أسبابها وأطرافها ومظاهرها وحلولها البديلة، صمم جدولا يلخص المشكلة.

?ـ تناول ما يحدث الآن في غزة على ضوء ما تعلمته عن اتخاذ القرارات، اشرح أنواع القرارات (استخدم شكلا توضيحيا) وناقش المنطلقات التي بناء عليها اتخذ كل طرف من أطراف المشكلة قراره.

4ـ يقول شاعر فلسطين محمود درويش:

ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا

ونرقص بين شهيدين، نرفع مئذنة للبنفسج بينهما أو نخيلا

ونسرق من دودة القز خيطا لنبني سماء لنا ونسيج هذا الرحيلا

ونفتح باب الحديقة كي يخرج الياسمين إلى الطرقات نهارا جميلا

ونزرع حيث أقمنا نباتا سريع النمو ونحصد حيث أقمنا قتيلا

وننفخ في الناي لون البعيد البعيد. ونرسم فوق تراب الممر صهيلا

ونكتب أسماءنا حجرا حجرا. أيها البرق أوضح لنا الليل، أوضح قليلا

من وحى كلمات محمود درويش، اكتب ـ بلغة سليمة ـ رسالة إلى أوباما، الرئيس الأمريكى الجديد.

أول انطباع لدى حين وقعت على الورقة أنها مزورة. إذ لم أصدق أن طلاب الهندسة الميكانيكية يمكن أن يكون لهم صلة بالموضوع، ناهيك عن إطلاعهم على أفكار الدكتور جمال حمدان أو موسوعة الدكتور المسيري، لكنى وجدت اسمين لاثنين من الأساتذة الممتحنين في آخر ورقة الأسئلة، هما الدكتور أحمد جابر والدكتور أحمد الأهواني. حينئذ قررت أن أتحرى الأمر. واستطعت أن أحصل على رقم هاتف الأول، الذى طمأننى إلى أن الأمر ليس فيه انتحال أو تزوير، وقال إن طلاب كلية الهندسة يدرسون منذ عشر سنوات مقررا «فى الإنسانيات»، تقوم فكرته على الرغبة في الارتقاء بالوعي الثقافي لخريجي الهندسة، بحيث لا يصبحون مغلقين على المواد الهندسية التي درسوها طوال خمس سنوات.

لا أخفي أنني دهشت مما سمعت. خصوصا أن الانطباع السائد لدينا أن انحطاط التعليم الجامعي في مصر أمر مسلم به، ولا يعنى ذلك أن الانحطاط غير قائم، لأن الأدلة على وجوده أكثر من الهم على القلب. لكنه يعني فقط أن البلوى ليست بالعموم الذي نتصوره، وأن في البلد بقية من إضاءات يمكن المراهنة عليها في الاقتناع بأن المستقبل ليس بالقتامة المستقرة في أذهاننا، لكنى مع ذلك أنبه إلى ضرورة الحذر في التفاؤل والمراهنة على أستاذين تمتعا بدرجة عالية من النضج ووضوح الرؤية السياسية، فألقيا على طلاب الهندسة الميكانيكية محاضرات حول كتابات الدكتور جمال حمدان والدكتور المسيري وطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم. وأشدد على فكرة «الحذر» لأنني أخشى أن يتهم الرجلان بالتعاطف مع غزة، وأن ينتبه مسؤولو الأمن الثقافي إلى أن ثمة أصواتا في الجامعة تغرد خارج السرب، وأن تعليمات «وزارة الحقيقة» لم تصل إليها بعد. الأمر الذي يستوجب «اتخاذ اللازم» حفاظا على «التناغم» مع التعبئة التي يهيئ لها الرأي العام منذ وقع العدوان الإسرائيلي على غزة في نهاية ديسمبر الماضي.