خبر حرب، ذاكرة ودبلوماسية .. يديعوت

الساعة 09:45 ص|04 فبراير 2009

بقلم: شلومو بن عامي

وزير الخارجية الاسبق

دور اوروبا في احلال السلام واقرار معايير دولية للسلوك  سيصبح بلا ريب اللباب الذي سيتطلع براك اوباما الى أن يقيم عليه التحالف الشمال اطلسي، الذي تلقى ضربة قاسية في عهد سلفه. ولا بد ان الاوروبيين سروا لرؤية كم سريعا تطرق الرئيس الامريكي الجديد للنزاع الاسرائيلي – العربي. فبعد كل شيء بالنسبة لهم القدس كانت دوما أهم من بغداد.

الدبلوماسية الاوروبية تعاني من قيد تقليدي في دافعها لحل النزاع الاسرائيلي – العربي، لا ينبع من مواقفها في المواضيع المركزية (الفوارق بينها وبين المواقف الامريكية مجهرية) بل من نهجها الاساسي تجاه الدولة اليهودية – نهج يقوم على اساس جدلية النبذ والجذب والذاكرة المعذِبة والمقلقة.

القارة العجوز تعاني من شعورين بالذنب، يتعلقان مباشرة باسرائيل: العقدة الكولونيالية والعقدة اليهودية، حيث أن المأساة الفلسطينية تتأثر مباشرة بهذه المعضلة. اسرائيل ولدت في لحظة أزمة دراماتيكية للضمير الاوروبي. من ناحية الاوروبيين، اقامتها كان يفترض بها ان تكون تعويضا عن الخطايا التي ارتكبت على اراضيهم ضد الشعب اليهودي. ومع ذلك، فان الثمن الذي يفترض بالفلسطينيين ان يدفعوه لمس مركز عصبي آخر في الفهم الاوروبي.

اوروبا اضطرت الى حروب دينية مضرجة بالدماء، لحربين عالميتين ولقتل شعب واحد كي تحل خلافاتها الداخلية في مواضيع القومية والحدود. سجلها في المجال الاستعماري سجل فصولا قاسية وفظيعة في التاريخ البشري

اما الان، فاسرائيل لا تشعر فقط بان اوروبا غير مكترثة من مشاكلها الوجودية – بل هي ترفض، كأمة تقاتل في سبيل حياتها، تبني الادعاءات التي توجهها بعض من الدول الاوروبية لها في اعقاب الجرائم التي كانت دارجة جدا في تاريخ اوروبا ذاتها.

وبالفعل، فان اسرائيل تتخذ في أحيان متقاربة قرارات على اساس السيناريو الاسوأ. عقيدتها الجديدة، عقيدة "الرد الوحشي"، على هجوم من المناطق التي تنسحب منها (لبنان وغزة) قد تكون جديرة بالتنديد، ولكنها بالتأكيد ليست "جينوسايد" (قتل شعب)، مثلما يوجد من يدعون في اوروبا.

هل الاوروبيون، يسألون في اسرائيل، يحاولون التخلص من مشاعر الذنب لديهم في كل ما يتعلق بالنقطة اليهودية، والاعراب عن معارضتهم للادعاء اليهودي بالتفوق الاخلاقي، من خلال استخدام تشبيهات الكارثة في سياق اسرائيل؟ وبالفعل، الاوروبيون الذين يوجهون انتقادا لاسرائيل يستخدمون استعارات خفيفة الرأي لخطايا اوروبا نفسها ضد الشعب اليهودي. وهكذا تصبح غزة تشبيها لاوشفتس، مشروع الموت الذي كان يذبح فيه 30 الف يهودي كل يوم.

ومع كل ذلك، ينبغي ان يكون لدى اسرائيل مصلحة في تعزيز دور اوروبا في تصميم السلام، الاستقرار والتعاون في المنطقة. الاوروبيون بالتأكيد يمكنهم ان يشكلوا بالنسبة لنا مصدر الهام. هناك دروس كثيرة جدا يمكن لاوروبا ان تعلمنا اياها. فهي تعلمنا ان القومية، اذا ما تعاطينا معها باحترام، يمكن ان تصبح قوة مسؤولية واساسا متينا لتعاون دولي واسع، ولكن يمكن لها أن تتدهور الى نرجسية عنيفة اذا لم تمنح حقوقها الاساس. الاتحاد الاوروبي علمنا الفارق بين السيادة المحدودة طوعا وبين السيادة التي تسلب غصبا.

ولكن كي تؤدي اوروبا دورها المناسب لها في اقامة تسوية سلام في الشرق الاوسط، يتعين عليها قبل كل شيء ان تعيد بناء مصداقيتها في نظر الدولة اليهودية. الرد النشط والمحق لزعماء اوروبا على الحرب في غزة، زيارة خمسة منهم الى القدس للمساعدة في التوقيع على اتفاق وقف النار ينبغي أن تكون اشارة بدء لعصر أمل بشراكة اوروبية – امريكية في مسيرة السلام في الشرق الاوسط.