بالصور الفقر يدفع عائلة لنصب خيمتها والسكن في أحد المنتزهات العامة

الساعة 09:19 م|07 سبتمبر 2019

فلسطين اليوم

تركضُ مسرعةً والعرق يتصبب من وجهها، وتكاد عيناها تقفزان من مكانهما من الخوف، تلهث لكنها لا تتوقف، فيما لا تزال أصوات الكلاب تقترب أكثر وتعلو أكثر، وتنجدها يدُّ والدها الذي جاء من أقصى الظلام وانتشلها، طاردًا الكلاب وضامًا ابنته إلى صدره.

لم يكن ذلك كابوسًا أو جزءًا من قصة، بل واقعٌ عايشته الطفلة نسمة فضل الديري ابنه الـ12 عامًا، هناك في العراء حيث كانت تسكن عائلتها داخل أرضٍ فارغةٍ قرب مقبرةِ أمواتٍ في منطقة نهر البارد جنوب قطاع غزة، تلك العائلة التي لم تعد تجد حتى قطعة الأرض الفارغة لتسكنها.

في عام 2008 خلف عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة دمارًا كبيرًا، وكان الرجل الخمسيني فضل الديري أحد المتضررين، إذ تم تدمير المنزل الذي يسكن فيه بالإيجار، ولم يعد له مكان ليقيم فيه، فقرر الانتقال إلى مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة عند أقرباء له.

ويروي الديري لـ"فلسطين اليوم الإخبارية" عن حالته الصحية مؤكدًا أنه مصاب بشلل تام في قدمه اليمنى، ويعاني من الضغط والسكر والقالون العصبي، والكثير من المشاكل الصحية، التي أحالته إلى عاطل عن العمل دون أي مصدر للدخل، بعد أن كانت مهنة الخياطة مصدره رزقه.

تنقل الديري بين ما يقارب الـ 20 منزلًا، ودائمًا ما ينتقل بسبب عدم مقدرته دفع الإيجار، أو تأخر الجمعيات أو فاعلي الخير عن دفع الإيجار الخاص به، مما أدى إلى تشتت العائلة، وتراجع المستوى الدراسي للأطفال، نظرًا لعدم مقدرتهم على الذهاب إلى المدرسة في كثير من الأحيان.

ثمانية أطفال ثلاثة منهم لم يتجاوز عمرهم السادسة بعد، يعيشون ضغوطًا نفسية كبيرةً، كان آخرها افتراش والدهم لأحد المنتزهات العامة، بعدما ضاقت به السبلْ، إذ قام بجمع أغراضهم البسيطة، ونصب خيمةٍ في منتصف المنتزه العام، مما أدى إلى تجمهر الناس من حولهم، إضافة للنظرات والتساؤلات التي قد تزيد من الهمِّ والألم الذي تعيشه "الأسرة المشردة".

ويقول الديري: "بعدما طاردت الكلاب نسمة حاولت التخفيف عنها فذهبنا إلى المنتزه، وعندما وصلنا اقترحت زوجتي أن نبقى هنا، نظرًا لوجود الإنارة العامة، وبكل الأحوال كنا في العراء، وهنا المكان أفضل بقليل، فوافقت على ذلك ونقلت جميع أغراضي".

شقاء الحياة يلاحق أفراد الأسرة في كل تفاصيل حياتهم الصغيرة والكبيرة، ففي أبسط الأشياء عندما يريد أحدهم قضاء حاجته يضطر إلى المشي مسافةً بعيدة وصولًا لأحد المراحيض العامة، في الوقت الذي ينتظر الديري أي مساعدةٍ من الهيئات الحكومية أو الجمعيات لانتشاله من الوضع الذي وصل إليه.

الواقع المتأزم لم يمنع الأطفال عن الحلم والتفكير بمستقبلهم، فرغم المسافات البعيدة وعدم توفر أبسط الحاجيات مثل لباس المدرسة، لكنهم لا زالوا يصرون على اكمال مسيرتهم التعليمية، بل والتفوق وحصد أعلى الدرجات، أملًا في التغيير وتحسين حياتهم التي تنحدرُ شيئًا فشيئًا.

وفي خيمته المتواضعة يُربي الرجل الخمسيني حلمه بأن يستطيع يومًا ما إنهاء مأساته بمنزل مهما كانت مواصفاته لستر عائلته، مناشدًا جميع الجهات وفاعلي الخير لمساعدته، وانتشال أطفاله من جحيم الفقر والحاجة التي يعيشونها.

يشار إلى أن عائلات كثيرة أخدتها الأحوال الاقتصادية إلى تحت خط الفقر، بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق منذ أكثر من 11 عامًا، إضافة إلى العقوبات التي تفرضها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، واستمرار الانقسام الفلسطيني، مما أدى إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية، وزيادة نسبة الفقر والبطالة في القطاع.

ولقد بلغت معدلات الفقر والبطالة 52%، في حين أن نسب الفقر أو (خط الفقر) في قطاع غزة وصلت إلى 80% عام 2017 (أي ما يزيد عن نصف سكان القطاع)، مقابل نسبة الفقر المدقع التي وصلت إلى 33.7% في نفس العام (يقل دخلهم عن 300 دولار شهرياً للأسرة )، وترتب على ذلك بالطبع الكثير من مظاهر القلق والانحطاط واليأس السائدة في أوساط أبناء شعبنا في القطاع.

 

فضل الديري 1
فضل الديري 2
فضل الديري 3
فضل الديري  4
فضل الديري  5
فضل الديري  6
فضل الديري  7
فضل الديري  8
فضل الديري  9
فضل الديري 10
فضل الديري 11
فضل الديري 12
فضل الديري 13