خبر سياسات حماس « ما بعد غزة » .. محمد أبو رمان

الساعة 01:58 م|03 فبراير 2009

بقلم: محمد أبو رمان

يطرح إعلان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، العمل على إيجاد مرجعية بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية تساؤلات عديدة حول خلفية هذا الطرح وأبعاده والأرضية التي يقف عليها. فيما إذا كان يعكس حسابات خاطئة من حركة حماس لموقف المجتمع الدولي والمتغيرات الإقليمية،أم أنّ هنالك معطيات عديدة دفعت بمشعل إلى الشعور بقدرة الحركة فعلياً على إحلال نفسها مكان المنظمة أم أنه مجرد مناورة سياسية لن ترى النور قريباً.

العبور إلى هذه التساؤلات، يطرح بدوره سؤالاً محورياً يمثل حجر الرحى في استنطاق مستقبل حركة حماس السياسي وخياراتها القادمة، وهو فيما إذا كانت الحركة قد خرجت أقوى سياسياً بعد العدوان على غزة؟..

الملمح الأول، أنّ حجم الدمار الهائل والكبير،إنسانياً واقتصادياً،هو عبء كبير على الحركة يزيد من فاتورتها السياسية، إذ تقف اليوم وجهاً لوجه مع المواطنين،الذين فاقت خسارة كثير منهم ما يمكن احتماله أو تبريره من قبل الحركة ومسؤوليها.

المقارنة بتجربة حزب الله بعد حرب تموز 2006، تختلف بوضوح. فالحزب سعى للتخفيف من "حدة" صدمة مواطنيه بعد الحرب باختلاق أزمة سياسية وعسكرية مع القوى اللبنانية الأخرى، وتوجيه أنصاره إليها، واستثارة العواطف والهواجس المكبوتة ضد "الشقيق في الوطن"، وهو ما أسفر عن الاعتصام في شوارع بيروت ثم الأعمال المسلّحة لاحقاً.

حماس لا تملك اليوم تخفيف "صدمة ما بعد العدوان" بأيٍّ من تلك الوسائل السياسية والعسكرية. فهي محاصرة في رقعة جغرافية معينة لا تستند إلى عمق استراتيجي جغرافي، كما هي حال حزب الله مع سورية وأنصاره والحدود البرية المفتوحة.

فضلاً عن ذلك، فإنّ إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية على لبنان كان سريعاً وخاطفاً، وأشغل الناس هناك، مع توافر دعم متدفق إيراني وسوري، مالياً وسياسياً وأمنياً. والحال في غزة تختلف تماماً إذ هنالك عقبات كبيرة في وجه وصول الأموال وفي عملية إعادة الإعمار، وهو ما يزيد من حجم العبء السياسي على علاقة الحركة بالغزيين.

المجال الذي حققت فيه حماس نقاطاً سياسية إستراتيجية هو علاقتها بالخارج، فقد أثبت العدوان أنّ حماس رقم سياسي صعب لا ُيكسر في معادلة عسكرية، مهما كانت عنيفة وموغلة.

وعلى الرغم من نجاح إسرائيل، في البداية، بتصوير العدوان في الإعلام الغربي باعتباره جزءاً من "الحرب على الإرهاب"، وعلى الرغم من تواطؤ حكومات غربية مع هذه الرواية. فإنّ المراحل التالية وموجات الغضب العارم في الرأي العام العالمي المحتجة على المجازر المروعة المرتكبة بالقطاع، أدت إلى إلحاق ضرر كبير في صورة إسرائيل وسمعتها في العالم، وقلبت عليها الرأي العام العالمي بوضوح.

ولم تقف الخسارة الإسرائيلية عند حدود ذلك، فقد انقلبت تركيا بقوة على العلاقة مع إسرائيل ووجهت نقداً قاسياً غير مسبوق، خلال العقود السابقة، ووقعت دول الاعتدال العربي، التي تؤمن بالتسوية السلمية، بحرج شديد أمام الرأي العام العربي والعالمي أيضاً، وحازت مصر على نصيب الأسد من حملة شعبية كبيرة.

الانتصار الأبرز الذي حققته حماس، كان في مؤتمر الدوحة عندما حضر خالد مشعل وغاب الرئيس عباس، وهو حضور رمزي يشي بولادة اعتراف دولي وعربي بهذه الحركة الصاعدة وبإحلالها محل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، التي تراجعت شعبياً وسياسياً، وتعاني اليوم من أزمات تُفقدها احترام الأصدقاء قبل الخصوم.

اليوم، تبدو حماس في وضع أقوى سياسياً، حتى على صعيد العلاقة بالمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي. وبعيداً عن إعادة تأكيد الإدارة الأميركية الجديدة على عدم الحديث مع حماس إلاّ بعد الاعتراف بإسرائيل، فإنّ المؤشرات الواقعية تدفع إلى أنّ العديد من الدول الغربية والأوروبية ستتسابق للحوار مع الحركة واختبار مواقفها وسياساتها المقبلة.

هذه المعادلات السياسية، تُرجّح كفة حماس في المعادلة الداخلية الفلسطينية وفي المعادلة الإقليمية، بخاصة مع بروز دعوات غريبة عديدة اليوم تطالب بالحوار مع حماس وإدماجها بالعملية السياسية، لكنّها تبقى رهناً بالأسئلة الملحة التي تلاحق الحركة منذ تحولها تجاه العمل السياسي، فإذا أرادت استثمار ذلك سياسياً فإنّها أمام استحقاق إعادة هيكلة أطروحاتها السياسية والأيديولوجية وتهيئة الأعضاء والأنصار لهذا التحول.

أمّا إذا بقيت حماس على حالة التصلب الحالية، فإنّ "الفيتو" الدولي سيبقى قائماً، مهما اكتسبت الحركة من اعتبارات سياسية بعد العدوان.