خبر السلام يبدأ بالاقتصاد، يا غبي.. إسرائيل اليوم

الساعة 10:10 ص|03 فبراير 2009

بقلم: دانييل دورون

مع انتهاء الحملة في غزة وفي ضوء تصريحات افيغدور ليبرمان وتعزز قوته، تطرح مرة اخرى مسألة موقف عرب اسرائيل من دولة اسرائيل. البعض يشير الى التطرف في مواقفه تجاه اسرائيل، ولكن ينبغي القول ان جزءا من التطرف عندهم نحن المسؤولون عنه. التمييز الاقتصادي والتنكيل البيروقراطي اصبح عندنا امرا اعتياديا ينغص حياة اليهود، ولكنه يجعل الموت للعرب. لليهود، الذين يعمل الكثير منهم في القطاع العام، توجد وسائل للدفاع عن انفسهم من التنكيل البيروقراطي بمساعدة مجموعات ضغط سياسية، "علاقات" ونظام حماية. اما للعرب فلا يوجد دفاع كهذا. بحيث ان التنكيلات تشعل النزاع القومي بمعونة الاحباط والكراهية. النظام الحزبي في اسرائيل قام منذ بدايته على التمييز الاقتصادي. وجمعت الاشتراكية قوة اقتصادية هائلة في يد "الدولة"، اي السياسيين. ومنذ عهد مباي فضلت الدولة شركة العمال، الكيبوتسات، المشافيم، و"زلمنا" من القطاع الخاص. منذئذ، الصراع في سبيل "الامتيازات" من الحكومة، المصدر الاساس للنجاح التجاري، دفع المواجهات السياسية الى التطرف. الاحزاب انقسمت الى جماعات مصلحية تصارعت على تقاسم "الامتيازات". هذا الصراع ادى الى اذابة النسغ الايديولوجي الموحد، وافسد السياسة والاقتصاد على حد سواء.

مع انحلال عصر الاحزاب الكبرى انحلت ايضا مؤسساتها الاقتصادية. ودخل الى الفراغ الاثرياء، ابناء العائلات التي كانت ترتبط بالسلطة وبعض من الصناعيين الجدد. بالاموال التي اقترضت من البنوك اشتروا املاك الدولة في سياق خصخصة موهومة، ليس فقط لم تقلص مركزية القوة الاقتصادية ولم توسع المنافسة (اهداف الخصخصة) – بل العكس. اتساع الاحتكارات عظم استغلال المستهلكين، الذين اضطروا ان يدفعوا الى الاثرياء "ضريبة" تسلب نحو ثلثي رواتبهم الهزيلة. اليهود يعانون من ذلك، وكما هو معروف عرب اسرائيل يعانون من التمييز الاقتصادي اكثر من الاخرين.

فقط بعد الارتفاع الاقتصادي في اعقاب حرب الايام الستة نجحوا، مثل الشرقيين، في الانخراط في الاقتصاد – ولا سيما ذاك "الاسود"، الذي لا يوجد فيه تمييز – والتقدم جدا من ناحية اقتصادية، كما ان عرب المناطق هم ايضا جزء من القصة: فور حرب الايام الستة ابقى موشيه ديان المعابر مفتوحة واتاح حياة تجارية واقتصادية يقظة، ادت الى ارتفاع مذهل في مستوى معيشتهم. وخلق الاقتصاد المفتوح في حينه "مسيرة سلام" عفوية، غير سياسية، ادت الى المصالحة التدريجية. الاسرائيليون اشتروا، اكلوا، وقضوا اوقاتهم في مدن عربية، والعرب عملوا في اسرائيل. اما الارهاب فكاد لا يكون.

ادت التنمية الاقتصادية الى تغييرات عميقة في المجتمع العربي، لم تستقبل بالترحاب. العمال ارتزقوا في اسرائيل اكثر من "المثقفين" الذين عملوا في البيروقراطية الاردنية، مكانة النساء والاطفال تحسنت والنخب المحافظة فقدت مكانتها. ولكن الفضائل، هكذا بدا الامر، حسمت: معظم سكان شرقي القدس، الوطنيين والمسلمين جدا، اختاروا بطاقات هوية اسرائيلية.

غير ان الوضع تدهور من اللحظة التي شددت فيها اسرائيل عبء البيروقراطية، وتفاقم هذا بعد ان فرضت على السكان عرفات وعصابته، الذين دمروا الاقتصاد الفلسطيني. في صفقة عقدها مع الاسرائيليين فرضت الاحتكارات الاسرائيلية المتشددة مع المستهلك الاسرائيلي على عرب المناطق ايضا. وتوزعت الغنيمة مع سلطات امن م ت ف وليس مع السكان في المناطق. خطأ اخر كان يكمن في انه بدلا من تصفية زعماء الارهاب اتخذت اسرائيل خطوات غير ناجعة مثل الاغلاقات، التي مست بالمدنيين وبالاقتصاد. التمييز السياسي – الاقتصادي دفع عرب المناطق، مثلما فعل ايضا بعرب اسرائيل، نحو التطرف.

وسبق ان كتبت في العام 1988 اقول "للنخب في اسرائيل يوجد ميل للاستخفاف بل واستبعاد النشاط الاقتصادي. ولكن اللقاء الاقتصادي – التجاري هو المسيرة الوحيدة التي يتعلم فيها اليهود والعرب التفاوض الواحد مع الاخر يوميا، بارادتهم الحرة ولمنفعة الطرفين. من الافضل السماح لهم بالتنافس في الملعب الاقتصادي منه في ميدان المعركة". يخيل لي ان الامور لا تزال سارية المفعول. تحطيم الاحتكارات السائدة في الاقتصاد الاسرائيلي، وكذا ايضا فتح الاقتصاد الاسرائيلي على المنافسة، سيدخل لاعبين جدد بينهم عرب مؤهلون كثيرون، الى اللعبة الاقتصادية التي يكون فيها التعاون مجديا. التعاون الاقتصادي يجلب في اعقابه دوما تعاونا اجتماعيا وسياسيا. مسيرة اقتصادية جلبت السلام الى اوروبا بعد مئات السنين من النزاعات الدموية التي لم تحلها السياسة. لا يوجد ما يدعو الا تعمل هذه عندنا ايضا في منطقتنا بعد القضاء على الارهاب في غزة وفي الضفة.