الهجمات في سوريا وفي العراق والحادثة الشاذة في بيروت - هآرتس

الساعة 01:49 م|26 أغسطس 2019

الهجمات في سوريا وفي العراق والحادثة الشاذة في بيروت:

ساحة الصدام بين اسرائيل وايران آخذة في الاتساع

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: الهجمات الاسرائيلية في سوريا والحادثة المجهولة في لبنان والتقارير الواردة من العراق، كل ذلك يشير الى أنه خلال الـ 24 ساعة الاخيرة حدث تصعيد بارز في الصراع بين اسرائيل وايران. وعلى المدى القريب ربما التهديد الجدي لن يكون من ايران، بل هو تهديد نصر الله الذي سبق واعلن بأن اسرائيل قد تجاوزت الخطوط الحمراء - المصدر).

سلسلة الاحداث في الـ 24 ساعة الاخيرة في منطقة الشرق الاوسط تعكس تصعيد كبير في الصراع الاسرائيلي ضد ايران. المواجهة بين الدولتين التي يجري معظمها بصورة سرية، تمتد الآن حسب التقارير على مساحة ثلاث دول اخرى – سوريا ولبنان والعراق.

لقد نسب لاسرائيل خلال يوم ثلاث هجمات في هذه الدول الثلاثة، على اهداف متماهية مع ايران. في حادثتين في سوريا والعراق ايضا تم الابلاغ عن قتلى. ولأن السكرتير العام لحزب الله حسن نصر الله يهدد بشكل صريح بالانتقام على قتل مقاتلين من حزبه في الهجوم على سوريا، فان الاستعداد العالي والاستثنائي في الجانب الاسرائيلي يتوقع أن يستمر فترة ما.

الجيش الاسرائيلي قال في منتهى السبت قريبا من منتصف الليل بأنه نجح في احباط خطة لايران كان يمكن أن تشمل اطلاق طائرات مسيرة هجومية على اهداف عسكرية ومواقع للبنى التحتية في شمال البلاد. المحاولة الاولى لقوة "القدس" في حرس الثورة الايراني تم احباطها في يوم الخميس عندما اقترب الايرانيون ومقاتلون من مليشيات شيعية الى حدود اسرائيل في هضبة الجولان. الجيش لا يعطي تفاصيل كيف بالضبط تم احباط العملية، رغم أنه قام بنشر صور ظهر فيها النشطاء قرب الحدود.

ولكن الايرانيين واصلوا كما يبدو التخطيط للعمل. في منتهى السبت هاجم سلاح الجو مبنى في قرية عقربة في جنوب شرق دمشق، التي منها كانت ستنطلق هجمات الطائرات المسيرة، بعد بضع ساعات على ذلك.

في الجيش الاسرائيلي قالوا إنه تم قصف مبنى استخدمه رجال "قوة القدس" ومقاتلون من المليشيات وفيه تم تخزين الطائرات والعبوات الناسفة، التي نقلت مسبقا من ايران الى مطار دمشق. رئيس الاركان، افيف كوخافي، اتهم قائد قوة القدس، الجنرال قاسم سليماني، بأنه وقف من وراء تمويل العملية وتخطيطها.

بصورة استثنائية اعطت اسرائيل تفاصيل كثيرة نسبيا عن الهجوم. سواء المتحدث بلسان الجيش أو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قاموا باصدار بيانات حول ذلك. نتنياهو، قالوا في مكتبه، مكث اثناء الليل في "بئر" سلاح الجو مع رئيس الاركان كوخافي. اسرائيل انحرفت في بياناتها – وإن لم يكن هذا للمرة الاولى – عن سياسة الغموض التي اتبعتها بخصوص معظم الاحداث في سوريا في السنوات الاخيرة. ربما يكون تبرير ذلك هو أنه في هذه الحالة الحديث يدور عن عملية احباط استباقية، قبل لحظة من الهجوم الايراني. ربما كما هو مفهوم، أنه كانت هنا اعتبارات انتخابية.

بعد اقل من ثلاث ساعات حدثت حادثة هامة اخرى، هذه المرة في بيروت. نصر الله قال في خطاب له بأن سكان الضاحية، الحي الشيعي في جنوب بيروت، شاهدوا طائرات اسرائيلية مسيرة تحلق على ارتفاع منخفض فوق شوارع الضاحية. احدى هذه الطائرات تم اسقاطها من قبل شباب قاموا برشق حجارة عليها. طائرة مسيرة اخرى، التي كما يبدو كانت تحمل عبوة ناسفة، اصابت مكتب كان يستخدمه حزب الله في مبنى آخر في الحي. وقد وقعت اضرار بسيطة للمكتب. اذا كانت حقا اسرائيل تقف من وراء الهجوم فليس من الواضح تماما ما الذي أرادت أن تحققه، عدا عن ارسال رسالة تحذير لحزب الله. الضرر الذي وثق في الصور من الضاحية لا يبدو أنه يبرر الهجوم الاستثنائي جدا. يحتمل أن هناك اعتبارات اخرى غير ظاهرة لنا في هذه المرحلة.

الحادثة الثالثة حدثت أمس بعد الظهر، قرب معبر الحدود في منطقة أبو كمال بين العراق وسوريا. حسب التقارير، طائرة مسيرة هاجمت قافلة كان فيها قادة مليشيا شيعية على الجانب العراقي من الحدود. في العراق ابلغ عن تسعة قتلى من بينهم يبدو هناك قائد محلي رفيع المستوى نسبيا.

رد شديد وفوري

قبل هذا التقرير، أمس في الظهيرة تجول رئيس الحكومة ورئيس الاركان في هضبة الجولان وقاموا باجراء تقدير للوضع مع كبار ضباط الجيش في قيادة الفرقة القطرية. نتنياهو قال اثناء الزيارة بأن الهجوم الذي احبط من سوريا كان "مبادرة ايرانية بقيادة ايران، وبارسالية من ايران". واضاف بأن اسرائيل لن تتحمل الهجمات عليها وأن كل دولة تسمح باستخدام اراضيها للهجمات ضد اسرائيل ستتحمل النتائج. "من جاء لقتلك فبكر في قتله"، قال.

نصر الله رد على هذه الاقوال بخطاب مطول وهجومي القاه في بيروت. لقد نفى ادعاء اسرائيل بأن هجوم سلاح الجو في سوريا كان موجه ضد رجال حرس الثورة الايراني وقال إن المبنى الذي تم قصفه استخدم من قبل مقاتلي حزب الله. حسن نصر الله اتهم اسرائيل بخرق "قواعد اللعب" بين الطرفين وهدد برد شديد وفوري، كما يبدو من الاراضي اللبنانية. "أقول للجنود الاسرائيليين الموجودين على الحدود، يجب عليكم الخوف من ردنا، بدء من الليل".

في جهاز الامن ينظرون بجدية لتهديد حزب الله. في الشمال تمت زيادة استعدادات بطاريات القبة الحديدية ورفع مستوى التأهب بدرجة كبيرة في المواقع، في الاساس في المواقع المتقدمة على الحدود مع لبنان وسوريا.

في السابق بعد تهديدات مشابهة رد حزب الله بعمليات موضعية ضد الجيش الاسرائيلي. هكذا، تم وضع كمين للصواريخ المضادة للطائرات التي قتل فيها ضابط وجندي على سفوح جبل دوف، ردا على الهجوم الذي نسب لاسرائيل في هضبة الجولان في 2015 والذي فيه قتلت شخصية كبيرة من حزب الله، جهاد مغنية، وجنرال ايراني. ايران من ناحيتها حاولت عدة مرات، في نيسان وأيار 2018 وكانون الثاني 2019، الرد بقصف صواريخ من الاراضي السورية على هجمات اسرائيلية ضد قواعدها في سوريا. عمليات القصف تم احباطها من خلال هجمات وقائية لسلاح الجو.

حزب الله اعتبر في السابق هجمات اسرائيل الجوية على الاراضي اللبنانية كخط أحمر من ناحيته، في الوقت الذي ضبط نفسه بشأن عشرات الهجمات التي نسبت لاسرائيل ضد قوافل السلاح التي تم تهريبها والتي كانت ستنقل الى حزب الله عبر الاراضي السورية. ايضا عندما كشفت اسرائيل قبل سنة مصانع لتحسين دقة السلاح التي اقامها حزب الله في بيروت، فضلت اسرائيل القيام بذلك من خلال خطاب علني لنتنياهو في الامم المتحدة وليس من خلال القصف.

تحليل دقيق

عملية ايران التي تم احباطها تم التخطيط لها كما يبدو كانتقام على الهجوم الذي نسب لاسرائيل في العراق في 19 تموز ضد مخازن سلاح لمليشيات شيعية مدعومة من ايران. طهران اعتبرت ذلك محاولة لاسرائيل من اجل توسيع ساحة الصراع. والولايات المتحدة تحفظت ايضا من الهجوم بسبب الخوف من أن تشوش على علاقتها مع الحكومة العراقية. واهتمت بتسريب معلومات في نهاية الاسبوع الماضي وتوجيه انتقاد لاسرائيل في صحيفة "نيويورك تايمز".

في يوم الخميس الماضي، بصورة شاذة جدا عن سياسة أمن المعلومات، حتى أن طهران رمزت بشأن الرد المتوقع من جانبها. محلل مقرب من حرس الثورة الايراني كتب في الصحيفة الايرانية "كيهان" بأن عمليات اسرائيل في العراق وسوريا سيتم الرد عليها بشكل مفاجيء مثل اطلاق طائرات مسيرة نحو اهداف امنية حساسة وموانيء ومنشآت نووية في اسرائيل. الخطة التي تم احباطها حسب الجيش الاسرائيلي كانت تشبه العملية التي هدد بها المحلل قبل حدوثها.

القصف المتكرر لاهداف ايرانية في سوريا يبرهن على الافضلية التي يتمتع بها الجيش الاسرائيلي عندما تجري المواجهة مع حرس الثورة قرب الحدود مع اسرائيل. اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية تغطي تماما ما يحدث في سوريا، وسلاح الجو ينجح في ضرب الايرانيين واحباط خططهم، حتى بدون صعوبات خاصة حتى الآن.

ولكن هذا لا يعني أن ايران تنازلت عن طموحاتها في سوريا. ايضا بعد الهجمات المتكررة في السنة الماضية، الايرانيون أجروا تغييرات في انتشارهم واستعدادهم (مثل نقل بؤرة النشاط من مطار دمشق الى قاعدة "تي 4" قرب حمص الاكثر بعدا عن اسرائيل). وهم لم يتنازلوا عن عمليات التمركز العسكري في سوريا ولم يوقفوا تهريب السلاح لحزب الله.

كل ذلك يحدث في الوقت الذي يوجد فيه التوتر في الخلفية بين الولايات المتحدة وايران في الخليج الفارسي والازمة حول الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي. ادارة ترامب اوضحت في السابق بأنها غير معنية بالحرب مع ايران. ولكن الاحتكاك بين الطرفين مستمر والايرانيون يمكنهم الاستمرار في مهاجمة اهداف مرتبطة بصناعة النفط في السعودية والامارات، كما يفعلون ضد اسرائيل من سوريا.

أمس هبط فجأة وزير الخارجية الايراني ظريف في باريس، التي يعقد فيها زعماء الدول السبعة العظمى "جي 7". هذه الخطوة يمكن أن تكون محاولة للدفع قدما باستئناف المحادثات مع الامريكيين بوساطة اوروبية. الرئيس الامريكي وبصورة غير معهودة بالنسبة له اجاب "لا يوجد رد"، عندما سئل عن ذلك.

ثقوب اخرى في البطاقات

الهجوم في سوريا والحادثة في لبنان تظهر بصورة مختلفة الانتقاد الذي وجه للحكومة بذريعة انعدام الروح الهجومية ضد حماس في القطاع. ومثلما في قضية كشف وتدمير الانفاق التي حفرها حزب الله في لبنان في كانون الاول الماضي يتبين أنه خلف سياسة ضبط النفس في القطاع توجد اعتبارات اخرى لا يتم كشفها للجمهور في الوقت الحقيقي لحدوثها.

التوتر في منطقة الشمال يزداد كلما اقترب موعد اجراء الانتخابات، قبل يوم الانتخابات نفسه في 17 ايلول. رئيس الحكومة يستعد للانتخابات حيث في الخلفية هناك تزايد في العمليات القاتلة في الضفة الغربية واحتكاك متزايد مع حماس في القطاع، الذي يمكن أن يؤدي الى مواجهة قتالية اخرى هناك. ولكن في الشمال، خلافا للقطاع، نتنياهو يشعر في هذه الاثناء بارتياح من الناحية السياسية: هو يظهر كمن يسيطر على الوضع ويدير استخدام القوة بحذر نسبي. حتى هذه الاثناء، مواطنون اسرائيليون هناك غير مهددين بشكل مباشر ولم يصابوا. لذلك، من المعقول أن نتنياهو سيحاول استثمار النشاط العسكري في سوريا انتخابيا، في الوقت الذي يحاول فيه أن يقلص بقدر الامكان التناقش في وضع سكان غلاف غزة.

بخصوص الشمال لا يوجد لدى خصوم نتنياهو الكثير مما يمكن قوله باستثناء اظهار الدعم القسري بقدر ما لسياسة الحكومة وخطوات الجيش الاسرائيلي. مع ذلك يطرح سؤال هل القرار (كما ابلغ عنه) بتوسيع الهجمات الاسرائيلية على العراق لم يكن يكتنفه مخاطرة مبالغ فيها، وإن لم يكن هذا هو القشة التي قسمت ظهر البعير الايراني، وجر محاولة الرد في منتهى يوم السبت.

عندما بدأت اسرائيل هجماتها الجوية على سوريا اثناء الحرب الاهلية قبل بضع سنوات، ناقشوا في القيادة العليا في جهاز الامن مسألة متى سينفد صبر الرئيس السوري بشار الاسد ويقرر الرد على الهجمات. الاسد ضبط نفسه فترة طويلة، لكن في 2017 بدأت القوات السورية بالرد بنيران المضادات للطائرات ضد الطائرات الاسرائيلية. هذا تم عندما استجمع النظام ثقة متجددة بالنفس بعد أن أعاد الى سيطرته تدريجيا (بمساعدة روسيا وايران) على معظم اراضي الدولة.

التشبيه الذي تم استخدامه في اسرائيل في حينه كان يتعلق بعدد الثقوب في البطاقة: متى سيتم ثقبها بما يكفي من الثقوب، أي الهجمات، من اجل نفاد صبر الاسد. حسب ما نشر في الاسابيع الاخيرة فان اسرائيل انتقلت الى طريقة التثقيب الحر الشهري، ومشكوك فيه اذا كان هذا سيكون مقبولا من قبل ايران، لذلك سيكون لهذا الامر ثمن معين، حتى لو لم يصل بالضرورة الى حرب شاملة بين الطرفين.