رغم قلة الإمكانات والأدوات المتاحة، فقد تمكن أربعة باحثين في قطاع غزة من انتاج مركبة هي الأولى من نوعها في فلسطين للتغلب على مشكلةٍ بيئيةٍ وصحية كبيرة تغزو كافة أحياء القطاع من شماله حتى جنوبه.
ففي ظل ما يعانيه قطاع غزة من انتشار تلوث الهواء نتيجة لأسباب مختلفة أهمها عوادم السيارات، تمكن أربعة باحثين من الجامعة الإسلامية في غزة من إنتاج مركبةٍ صغيرة تعمل بالطاقة الهوائية النظيفة (مركبة صديقة للبيئة).
مركبةُ صغيرةُ ذات هيكلٍ خارجي مطليٌ باللونٍ الأحمر تَحمل بداخلها إبداع ثلة من الطلبة الميكانيكيين في تصميم اسطوانة هوائية تعملُ بضغط الهواء، الأسطوانة مرتبطة بكافة أجزاء المركبة من خلال جسر مكون من قطع غيار "ميكانيكية وكهربائية" لتنظيم عملها، الأمر الذي يمكنها من السيّر لفتراتٍ أطول، دون أن تتسبب في تلوث البيئة كعوادم السيارات المختلفة.
الباحثون الأربعة أبدعوا خلال بحثهم العلمي الذي استمر 11 شهراً في صناعة مركبة صديقة للبيئة ومرشدة في استهلاك الوقود، والطلبة هم: (إسماعيل جرادة، ومهند الحايك، ومحمد أبو محيسن، وحسام الأسطل) من كلية الهندسة الميكانيكية.
ويضيف جرادة، أن الهدف الأساسي من صناعة المركبة هو الحفاظ على البيئة من التلوث انبعاثات غازية ناتجة عن إحراق الوقود والديزل داخل محرك السيارة؛ عن طريق استبدال رأس احتراق لدراجة نارية بـ(بستون) _قطعة على شكل قرص تنزلق داخل أسطوانة محرك_ هوائي.
الإنجاز العلمي "المركبة" لاقى انجذاباً واسعاً من قبل المشاركين، في مَعرض علمي داخل حَرم الجامعة الإسلامية، وسط مسائلات واستفسارات المشاهدين عن طبيعة آلية عمل المركبة ومعرفة أسرارها عن قرب، مع إبداء الآراء البناءة حول تطوير أداء المركبة في المستقبل القريب.
وصمّم الطلبة الميكانيكيين المركبة الجديدة من أدوات متعددة مكونة من: مُحرك، و(بستون) وخزان هوائي، ونظام البريك، وناقلات الحركة الميكانيكية، ومن هيكل خارجي حديدي بدهان اللون الأحمر.
وما يميّز المشروع، بينّ بأن المركبة ذات الوزن الخفيف قادرة على حمّل 3 أشخاص بوزن 200 كيلو غرام، تسير على سرعة 10 كيلو متر/الساعة، وتعمل بخزان هوائي بحجم 160لتر/15 بار (وحدة مقياس الضغط).
وأشار جرادة، إلى أنّ المركبة تم تجميعها وتركيبها في ورشة حدادة خارج وداخل الجامعة، وفي ورشةِ لتحليلة المياه، أتمت فيها عمليات القصّ وإلحام أجزاء السيارة، وإجراء تجارب التشغيل على الأجهزة الميكانيكية؛ وذلك بمساعدة مشرف البحث الدكتور جمعة العايدي ومهندسين آخرين في تقديم الأفكار والمقترحات المبتكرة.
وكما وذكر، بأن وزارة النقل والمواصلات في قطاع غزة، قدمت لهم أجزاء من أدوات المركبة، وهي عبارة عن (مُحرك، والهيكل الخارجي، وبعض القطع الميكانيكية).
وتابع، :"بأن المركبة الجديدة تتميّز في حدّها من استهلاك الوقود، وبالتالي تقليل التكاليف التشغيلية في شراء الديزل"، إضافةَ بأنها صديقة للبيئة من خلال التقليل من الانبعاثات الغازية نتيجة حرق الديزل داخل المحرك.
وعن أبرز الصعوبات التي واجهتهم خلال تصنيع السيارة، قال، :"إن أبرز العوائق تمثلت في عدم توفير بعض القطع الميكانيكية _وإن وجدت غالية الثمن_، وغياب دور المؤسسات والجمعيات المحلية في اهتمامها بهذا الإنجاز العلمي، باعتبارها بيئة حاضنة للمشاريع الريادية"، مضيفاً بأنه استبدلت بعض القطع الميكانيكية بقطع محلية وأخرى مستعملة، لعدم توفرها في الأسواق.
وطالب المهندس إسماعيل جرادة، إلى جميع المعنيين في المجالات الهندسية إلى فتح الآفاق أمام تطوير المركبة الجديدة، وعرض المركبة في المحافل العربية والدولية، لتتسع رقة العرض والخطط المستقبلية في تطوير المركبة.
وقال د. العايدي، :"إنّ الفكرة المطروحة لعمل مركبة هوائية هي مستقطبة من أفكار خارجية، إلا أن تطبيقها كان التحدّي الأكبر في ظل شح الموارد الإمكانات المتاحة"، مضيفاً بأن الصعوبات كانت في توفير بعض قطع الغيار بعد منع الاحتلال "الإسرائيلي" من إدخالها للقطاع، لحجج واهية.
وأوضح المشرف بأنه تم التغلب على هذه المعضّلة، عن طريق استبدال القطع بأدوات محلية ذات مستوى محدود، وتوفير قطع غيار مستهلكة ومن بقايا الإمكانات المستوردة، مؤكداً بأنهم رغم التحديات، نجحوا في صناعة المركبة، مستدركاً قوله:" بانها صناعة بديلة في حال منع الاحتلال إدخال الوقود للقطاع".
وأشار إلى أن هناك خطط ورؤية علمية مستقبلية، لتطوير المركبة، بحيث تكون قادرة على السيّر لـ10 كيلومترات وبسرعة أكبر، مع تعبئة يدوية من المحطة الهوائية الموجودة في الطرقات، وتتجدد التعبئة بنفس المسافة.
وذكر بأنه سيتم عرض المركبة داخل المعارض الأسواق وأماكن تجمع الناس خلال الأيام القادمة؛ لكي يتمكن الأهالي من استخدامها بأفضل الطرق بعيدة عن وجود مخاطر صحية على أجسامهم بفعل التلوث.
ويشار إلى أن الاحتلال "الإسرائيلي" يمنع إدخال بعض الأدوات وقطع الغيار إلى قطاع غزة، بحجج أنها تستعمل لأغراض أمنية، إلى جانب إغلاق المعابر الحدودية أمام الطلبة الجامعيين في السفر، ومنعهم من المشاركة في المؤتمرات والورشات العلمية المقامة في دول العالم.