الحكومات تتبدل، والرغبة في الترحيل تبقى- هآرتس

الساعة 01:25 م|24 أغسطس 2019

فلسطين اليوم

بقلم: عميره هاس

 (المضمون: اقتراح "مصدر سياسي رفيع" لمساعدة الهجرة من غزة يضاف الى عمليات عبثية لاسرائيل منذ العام 1967 من اجل تفريغ القطاع من الفلسطينيين، ومن هذه العمليات لجنة البروفيسورات واغراءات مالية والارسال الى امريكا الجنوبية - المصدر).

 في يوم الاثنين عندما قال "مصدر سياسي رفيع" إن اسرائيل مستعدة للمساعدة في هجرة فلسطينيين من قطاع غزة، الكثيرون اعتقدوا أن هذه اقوال مجردة. ولكن هذا التصريح يتشابك مع عدة محاولات لاسرائيل لتغيير بصورة مصطنعة الاتجاهات الديمغرافية في المنطقة، لذلك لا يجب الاستخفاف به. صحيح أنه خلال سنوات تلقت اسرائيل فشل ذريع عندما طرحت اغراءات الهجرة على الفلسطينيين. ولكن اقوال هذا المصدر والسرعة التي أيدت فيها اييلت شكيد هذه الفكرة التي تقف وراءها، تدل على أي درجة هذا الهذيان الاسرائيلي قوي بأنه يمكن بمساعدة الهجرة انهاء أو هزيمة الطموحات القومية الفلسطينية.

 

          في العام 1967 بعد احتلال قطاع غزة مالت الحكومة الى ضمه لاسرائيل، واخلائه من معظم سكانه اللاجئين. الافتراض كان أنه سيكون من السهل على اللاجئين العودة والاقتلاع. الاماكن التي تم اقتراحها في النقاشات سيناء والاردن والجزائر والمغرب وسوريا والعراق وامريكا الجنوبية. في كتاب توم سيغف بعنوان "1967" يتم تفصيل مبادرات كهذه لاقتلاع اللاجئين من جديد. تفصيل المبادرات وطابع مناقشتها تدل على من وضعها، الذين حافظوا على نمط تفكير كولونيالي متعال، ينظر الى الفلسطينيين كرعايا ليس لهم ارتباط بوطنهم وأنه يمكن تحريكهم على لوحة الشطرنج.

 

          احدى المبادرات التي ظهرت تقريبا خيالية بالنسبة لايامنا، كانت لنقل لاجئين فلسطينيين من القطاع الى الضفة الغربية – مثلما اقترح في ايلول 1967 يوسف فايتس، من رؤساء الكيرن كييمت ومن الداعين الى الترحيل حتى قبل قيام الدولة. وزير الداخلية في حينه حاييم موشيه شبيرا اقترح أن يتم استيعاب 200 ألف لاجيء من القطاع في اسرائيل. وموازنتها بزيادة الهجرة اليهودية. يغئال الون في حينه اقترح توطينهم في العريش في شمال سيناء وفي الضفة. ولكنه عارض توطينهم في الغور. بيغن في حينه أيد توطينهم في العريش لكنه عارض نقلهم الى الضفة الغربية.

 

          سغيف تحدث عن اقتراح الاستاذ روبرتو باكي، مدير المكتب المركزي للاحصاء، ورجل الرياضيات آريه دوفرتسكي والاقتصادي ميخائيل برونو لنقل 40 ألف عائلة، ما يعادل 250 ألف نسمة، أكثر من نصف سكان القطاع في ذلك الحين، الى الضفة الغربية خلال عقد. وقد افترضا أن المشروع سيولد زخم اقتصادي كبير. ووزير الاسكان مردخاي بن طوف (مبام) أيد هذا الامر. هكذا، في عدد من مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية تعيش حتى الآن عائلات لاجئين وافقوا في السبعينيات على مغادرة القطاع، لكن عددهم أقل بكثير من العدد في الخطة الأصلية.

 

          قبل شهرين كتب في موقع "972" تقرير عن بحث جديد يتناول بحث البروفيسورين ويعتبره "تقرير لجنة" شارك فيها ايضا رجل علم الاجتماع شاؤول آيزنشتات. صحيح أنه كتب أن البحث استند الى وثائق كشفت مؤخرا، لكن في كتابه الذي صدر في 2005 اقتبس سغيف محادثات للاساتذة مع رئيس الحكومة ليفي اشكول. وهذا ما كتب: "باكي قدم لاشكول استعراض مقلق: معدل وفاة الاطفال في غزة يمكن أن ينخفض. اذا واصلنا أن نكون رحيمين مثلما نحن الآن"، قال. "موت الاطفال في المناطق يمكن حتى أن يشبه الموجود لدى عرب اسرائيل. هذا وضع صادم". دفورتسكي في المقابل اقترح نقل لاجئي غزة الى بيوت من تم ترحيلهم في 1967، لا سيما في غور الاردن. استاذ الرياضيات شرح لاشكول بأنه اذا احتل اللاجئون البيوت فان احتمالية عودة المهجرين ستنخفض. "اضافة الى ذلك أنت تثير في اوساط السكان نزاعات داخلية، بينهم وبين انفسهم، لأنهم لا يريدون اضافة سكان في اراضيهم". الافتراض غير الاخلاقي خلف تشجيع الانتقال الى الضفة كان أن الكثيرين سيغادرون بعد ذلك الى الاردن. ولكن وزير الدفاع موشيه ديان عارض توطين اللاجئين وقال "أنا أوافق أن تتم هجرة الجميع".

 

منذ بداية 1968 كتب سغيف "عملت في غزة مجموعة من خمسة اسرائيليين استعانوا بمتعاونين، تجولوا في مخيمات اللاجئين ووعدوا الناس بالمال مقابل الموافقة على المغادرة. الحكم العسكري والشباك ومستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية وقفوا خلف نشاطهم. اشكول عين بالتنسيق بين هذه الاجسام عاده سيرني، من مواليد ايطاليا. وهي عضوة في الكيبوتس وذات مواقف سياسية صقرية وهي ارملة انتشو سيرني، المظلي الذي مات في دخاو. سيغف كتب أنها اختيرت لهذه الوظيفة ايضا بسبب أن اشكول أمل بأن تسمح علاقتها مع ايطاليا بنقل عدد كبير من اللاجئين من غزة الى ليبيا. في اسرائيل تم الحفاظ على نشاطات الترحيل بسرية. ولكن في قطاع غزة نشاطها كان مكشوفا مثل الاموال التي تم عرضها على المغادرين وصيغة النموذج (الذي طلب منهم التوقيع عليه) والذي يقضي بأنهم يغادرون بارادتهم. وكتب ايضا أنه في المقابل، وزارة الخارجية شجعت كما يبدو بالتنسيق مع الموساد هجرة لاجئين الى البرازيل والى دول اخرى في امريكا الجنوبية. ايضا مدير منظمة "جوينت" كان مشاركا في محاولة تنظيم هجرة فلسطينيين.

 

          حسب سغيف، في أيار 1968 كتبت سيرني بأنه في الاشهر الثلاثة الاولى من عملها خرج من القطاع 15 ألف شخص تقريبا. المكتب المركزي للاحصاء وجد أنه في النصف الاول من العام 1968 هاجر نحو 20 ألف فلسطيني. ولكن السياسيين والاساتذة لم يفهموا أن آمال اللاجئين بالعودة الى بيوتهم داخل اسرائيل لم تخبو. وفي المقابل تطور في القطاع وعي جماعي له هوية مشتركة ومتماسك. المغادرة الطوعية وبشكل دائم لا تعتبر خيارا، خلافا للمغادرة من اجل التعليم والعمل والعودة اليها في كل عطلة، مثلما سمح بذلك اثناء الحكم المصري.

 

          هنا وهناك الوثائق تظهر نوايا اسرائيل لاستخدام ضغط سلبي يؤدي الى الهجرة. في رسالة لشخص من وزارة الخارجية قرأ توم سغيف أن قائد القطاع، مردخاي غور، يميل الى خفض مستوى الحياة في القطاع من اجل حث السكان على مغادرته. حتى قبل تعيين سيرني أمل اشكول بأنه "بالتحديد بسبب هذا الاختناق والسجن، ربما يتحرك العرب من انفسهم – وربما اذا لم نعط لهم الماء بدرجة كافية فلن يكون امامهم خيار لأن البيارات ستصبح صفراء وتجف". هذا الاقتباس أورده عوفر اديرت في مقال نشره في "هآرتس" في تشرين الثاني 2017، من خلال محاضر سرية لنقاشات الوزراء التي تم الكشف عنها بعد اربعين سنة.

 

       طريقة واحدة فقط نجحت

 

          حتى نشر تصريحات كهذه واشباهها، كان هناك فلسطينيون استنتجوا أن اساءة ظروف حياتهم هي جزء من المؤامرة الصهيونية. وأن الحدود بين بوادر حسن النية لتشجيع الهجرة وبين اساءة ظروفهم (من اجل نفس الهدف) هي دقيقة جدا. النقص في المياه في القطاع الآن صعب اكثر من تجفيف البيارات. ايضا ظروف الفقر والاختناق والسجن في القطاع أكثر بعشرة اضعاف. الحصار الاسرائيلي الذي تعزز بالتدريج منذ العام 1991 هو العامل الرئيس في تدهور الاقتصاد والتشغيل والبيئة في القطاع، مع كل تأثيراته الاجتماعية، الصحية والنفسية. النتيجة هي ازدياد عدد من يرغبون في المغادرة وعدد المغادرين.

 

          المحاولة الاخيرة المعروفة لاسرائيل والتي فسرت كاغراء للمغادرة تمت في شباط 2016 عندما اعلنت اسرائيل أن سكان القطاع يمكنهم السفر الى الخارج من جسر اللنبي شريطة تعهدهم بعدم العودة خلال سنة. وأن لا يتوقفوا في الطريق وأن لا ينزلوا في جيوب مناطق السلطة الفلسطينية. قبل ثلاثة اشهر تم تغيير الفترة الى نصف سنة غياب. الاستعداد للسماح بالسفر في جسر اللنبي اعتبر خطوة تسهيلية لأنه منذ العام 1997 اسرائيل تمنع سكان القطاع من الخروج والدخول عبر الاردن، بل بواسطة تصاريح مسبقة تعطى بعدد قليل. هذا الحظر يعارض اتفاقات اوسلو التي حددت بأن تعامل الطرفين مع القطاع والضفة الغربية سيكون مثل وحدة جغرافية واحدة. مصر التي تدرك اوهام اسرائيل بشأن مغادرة جماعية للفلسطينيين، زادت شدة ترتيبات العبور في معبر رفح منذ 2005 الى درجة اغلاقه لعدة اشهر. رغم عدد الفلسطينيين الكبير الذين يرغبون في الهجرة، إلا أن بضع مئات من الاشخاص استغلوا الاجراء الاسرائيلي الجديد وخرجوا عبر جسر اللنبي. فتح معبر رفح لفترات اطول يسمح لهم بالعودة الى القطاع بدون علاقة بالتعهدات التي وقعوا عليها.

 

          في العام 1967 منحت اسرائيل نفسها الصلاحية بسحب مكانة المواطنة في المناطق التي احتلت من فلسطينيين لم يكونوا موجودين فيها اثناء الحرب، أو في وقت اجراء الاحصاء السكاني أو أنهم خرجوا الى الخارج ومكثوا خارج المناطق فترة طويلة. هذه كانت طريقة "تشجيع الهجرة" الوحيدة التي نجحت. هذه الصلاحية سحبت من اسرائيل عند التوقيع على اتفاقات اوسلو (وإن لم يكن في شرقي القدس). ايضا الذين غادروا منذ ذلك الحين القطاع والضفة بسبب ظروف الحياة الصعبة وخيبة الأمل، ما زالوا يحملون جواز السفر الفلسطيني وبطاقة الهوية الفلسطينية. وهناك من يكتشفون أن دول اخرى لا تحسن استقبال الجميع. الكثيرون يحاولون أن يسجلوا اولادهم كمواطنين في السجل الفلسطيني للسكان، رغم ذلك، ورغم كل اخفاقاته، فان اليمين الاسرائيلي الذي يتسع يواصل اوهامه بشأن "ترحيل طوعي". والفلسطينيون اثبتوا منذ زمن بأنه ليس هناك مخلوق كهذا.