خبر امريكا تنكمش في اليابسة استعدوا لحروب البحار!

الساعة 02:17 م|02 فبراير 2009

 

اثنان وعشرون يوماً وآلاف المشاهد، والروايات عن الموت غير المألوف، وعن حياة قصيرة تختزن الحب، وتختزل الأمل، حتى صار الموت الرائع في غزة ذلك الموت الذي يأخذ كل العائلة، ولا يبقي منها أحداً يحزن على أحد، وصار الموت المألوف في غزة أن تموت ألأم مع أبنائها الثلاثة، أو الأربعة، وأن تموت الأم من عائلة 'البطران' في مخيم 'البريج' مع أبنائها الخمسة مرة واحدة، ومع ذلك، فإن بعض الموت في غزة طويل الأجل، يواصل النبض، وله رائحة الحقد، والعنصرية، وله ذائقة الليمون.

[1] الطبيب [عز الدين أبو العيش] كان واثقاًٍ من لغته العبرية، إنه يعمل طبيباً في مستشفى 'سوروكا' في بئر السبع، وله علاقة قوية مع العديد من اليهود بحكم المهنة، والبحث العلمي المشترك الذي يجريه مع طبيبة يهودية، بعد الحرب صار يمارس عمله طبيباً متنقلاً في سيارة الإسعاف في شمال قطاع غزة، يقدم الخدمات الطبية للمصابين وسط القصف اليومي، لقد تعود أن يجري مكالمة تلفونية مع الصحافي اليهودي' شلومو إلدار'، إذ يقدم تقريراً يومياً باللغة العبرية لتلفزيون القناة العاشرة عن أوضاع الناس في غزة في ظل الحرب، لقد صرخ على الهواء مباشرة، أولادي، بعد أن انطلقت قذيفة إسرائيلية على بيته فقتلت ثلاثة من بناته في لحظة، وأصابت اثنين من أولاده، وابنته، وقتلت شقيقته، واثنتين من بناتها، وأصابت شقيقه، وابنته، ليدور كالمذهول بين الجثث، يفتش في أحلام الصغار، وأماني الكبار، ويعد الضحايا، ويتركهم على حالهم، ليجاهد كي يوصل المصابين إلى المستشفيات الإسرائيلية، ونجح في ذلك، ولم يغب التلفزيون الإسرائيلي عن تصوير مشهد الطبيب المشدوه، المنكوب من لحظة وصوله إلى المعبر، وهو يصرخ، ويقفز، ويبكي، ويصيح، وفي حالة حزن، وفقد غريبة.

في اليوم الثاني حاولت القناة التلفزيونية العاشرة أن تجري معه مقابلة ليشرح للرأي العام الإسرائيلي حالته، وحالة القذيفة التي قتلت عائلته. ولكن قبل أن ينطق الطبيب الذي في حاجة إلى مواساة في مأساته، انقضت عليه نسوة يهوديات داخل المستشفى، هجمن عليه، وهن يصرخن في وجهه بأقذع الألفاظ، يا قاتل، يا مجرم، ألا يكفيك أنك تعالج ابنتك هنا في إسرائيل، كلكم قتلة، أنتم العرب قتلة، الجيش الإسرائيلي كان يؤدي واجبه المقدس.

ثلاثة أيام والدكتور عز الدين أبو العيش يعمل سفيراً للجرح الفلسطيني في إسرائيل، كل فضائيات إسرائيل التقت معه، وكتبت عنه الصحافة، والآن صارت قصته المأساوية تستقطب كل فضائيات العالم، فلم يعد لديه وقت ليبكي فقدان بناته الثلاثة، إنه يشرح لكل العالم من داخل إسرائيل، وباللغة العبرية تفاصيل الموت الذي داهم سكان غزة على ظهر دبابة، ويقول: يدعي الجيش الإسرائيلي: أنه رد على قذيفة أطلقها مسلحون من بيتي، وأنا أؤكد لكم أنه لم يكن في بيتي سوى أفراد عائلتي، وبناتي المسلحات بالأمل، والحب، والحياة، والرغبة في التعليم، فإن كان إدعاء الجيش الإسرائيلي صحيحاً، فأين هم المسلحون الذين أطلق عليهم قذائفه، لماذا لم تصبهم القذيفة؟!!!.

[2]حالة اخرى

بادرني بالقول: هل رأيت أمواتاً يرزقون؟ أولادي يرزقون، إنهم أحياء! ثم يواصل المهندس [محمد شراب] لقد صدقت الإذاعة الإسرائيلية عن التهدئة لعدة ساعات، فركبت سيارتي الساعة الثانية عشر ظهراً، وتوجهت مع ولديّ [كساب 23عاماً، وعباس 19عاماً] من 'الفخاري' إلى بيتي في خان يونس، ولكن ما أن صار على مسافة كيلومتر واحد من المستشفى الأوروبي حتى عاجله الجيش الإسرائيلي بالرصاص، فأصيب بيده، وأصيب ابنه [عباس] في ساقه، توقفت السيارة بعد اصطدامها بحائط، فسارع الابن [كساب] غير المصاب بالنزول، فعاجله الجيش الإسرائيلي بعشرات الرصاصات القاتلة، فارتقى شهيداً أمام عيني أبيه، الذي تحامل على جرحه، ونزل من السيارة هو، وابنه الثاني جريحين على قارعة الطريق، ينظران إلى الجثمان الممدد أمامها، يبكيان فقيدهما، ويتوجعان من جراحهما، تحت بصر، وسمع الجيش الإسرائيلي.

باللغة الإنكليزية، طلب المهندس [محمد شراب] من الجيش الإسرائيلي المساعدة، ولكن دون جدوى، فراح يتصل تلفونياً من مكانه بمن يعرف طلباً للمساعدة، وحصل أن اتصلت فيه أكثر من إذاعة، وتم نقل حالته الصحية، وحالة أولاده على الهواء مباشرة بعد ساعة من إصابته، وظل ينتظر المساعدة، وظل يجيب على الاتصالات التلفونية من عدة إذاعات، وفضائيات، وظلت قصته تبث على الهواء مباشرة، مع وصف لحالته الصحية، وحالة ابنه المصاب، والمكان الذي يحاصرهم فيه الجيش الإسرائيلي حتى الساعة الثانية عشر ليلاً، عندها استشهد ابنه الثاني [عباس] أمام ناظريه، وتحت بصر، وسمع الجيش الإسرائيلي الذي رفض أن يمد له يد المساعدة.

ظل المهندس [محمد شراب] ينزف على قارعة الطريق، تحت السماء والطارق في درجة حرارة 6 مئوية، وبين يديه جثة ولديه، ينظر إلى نفسه مرة، وينظر إلى ولديه الممددين على الأرض مرة، وينظر إلى السماء مرة، حتى الساعة الثانية عشر ظهراً من اليوم التالي عندما سمح الجيش الإسرائيلي لمنظمة الصليب الأحمر بنقله مع الجثتين إلى المستشفى.

[3] أيضاً الشهيد [محمود الريفي] ظل في مكانه أربعة أيام يتغذى على حبات تمر، وجرعة ماء، لا يتحرك من مكمنه، وهو يراقب، ويتربص، رغم ما يتفجر حوله من قذائف، وما تحلق في سمائه من طائرات، وما تمر بجواره من دبابات، وما يتناثر حوله من رصاص، ظل كامناً للهدف الذي صمم عليه، لقد كان بإمكانه أن يدمر دبابة، أو أن ينسف تجمعاً للجنود، ولكنه أصر على أسر جندي إسرائيلي حياً، فظل كامناً أربعة أيام بلياليها إلى أن لاحت الفرصة، وثب من مكمنه، وأطلق لرشاشه العنان، لقد أثمر صبره نصراً، وتمكن من أخذ الجندي الإسرائيلي أسيراً، وأبلغ مجموعته بذلك.

ولكن قبل أن يوصله إلى النفق المعد لذلك، قصفت الطائرات الإسرائيلية وبشكل متعمد الجندي الأسير، وقصفت معه الشهيد محمود الريفي.

كاتب فلسطيني