خبر أردوغان والدور التركي المرتقب ..وائل نجم

الساعة 02:13 م|02 فبراير 2009

 هل هي غَضْبةٌ لم يستطع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حَبْسها والسيطرةَ عليها في لحظة انفعال وعاطفة عندما وقف يُدافع عن أطفال فلسطين في منتدى دافوس العالمي، وأمام الرئيس الصهيوني شمعون بيريز، وعقب إلقاء كلمته، ليَتّهِمه وكيانَه بارتكاب المجازر بحق أولئك الأطفال؟ أم أنها لحظة انتقام للذات أرادها أردوغان بعد أن خدعه الصهاينة عندما وعَدَه أولمرت بعدم شنّ عدوانٍ على غزة، مع كونهم كانوا قد اتخذوا قرارهم بذلك عندما زار أولمرت أنقرة قبل الحرب بعدة أيام، وكذلك أثناء جلوس أردوغان إلى جانب بيريز في دافوس حيث لم يعرف الأخير أيَّ معنى للياقة والدبلوماسية والأخلاق السياسية، على عادته أثناء إلقاء كلمته؟ أم أنها الخلفية العقائدية والثقافية هي التي حرَّكت أردوغان فدفعته إلى ذلك التصرُّف، مضافًا إليها الحسابات الداخلية التي أظهرت أنّ الشعب التركي بجميع فئاته وتياراته يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني؟ أم أنه ليس كلّ ذلك إنَّما هو الدور الذي تطمح تركيا للعبه على مستوى المنطقة كغيرها من دولها، خاصة وأنها تتمتع بمزايا عديدة تُؤهّلها للعب مثل هدا الدور، كما أن مصالحها الحيوية باتت تفرض عليها ذلك، وبالتالي فإنّ أردوغان أراد من خلال تحرُّكه الأخير القول: إن تركيا قوية، وجاهزة لحماية مصالحها، ولتكون الرقم الصعب، إن لم نَقُل الأصعب على صعيد المنطقة الشرق أوسطية التي تتصارع فيها وعليها عدّة مشاريع وقوى دولية وإقليمية؟

 

لعلّ الشيء الواضح في التصرُّف- وليس الأخير فحسب- إنَّما حركته سياسته منذ مدة زمنية تمتدّ لأكثر من عدة أعوام أنه يطمح أن تلعب بلده دورًا محوريًا ورئيسيًا على مستوى المنطقة، وقد بدَا ذلك من خلال عدة أزمات، أو عدة مَحَطّات برز فيها الدور التركي بقوة، وأثبت جدارته وكفاءته وحكمته حيال هده الأزمات والمحطات، وبالتالي فإنّ أردوغان صاحب الشخصية الصلبة إلى أبعد الحدود، والمتميزة بالحكمة والصبر والحلم إلى أبعد الحدود، وقد خبر مثل هذه القضايا عبر حياته السياسية التي حفلت بالكثير من المحطات التي لا تَقِلّ إثارةً، بالنسبة إليه، عن منظر الجرائم المرتكبة بحقّ أطفال غزة، ومع ذلك أثبت أنه قائد يَتَحَلَّى بكل المزايا التي تجعله لا ينقاد إلى عواطفه، إنّما يعمل بحكمة لتأمين أهدافه التي آمن بها وعمل من أجلها، وذلك لا ينقص من تعاطفه وتفاعله مع أطفال غزة ولا مع القضية الفلسطينية عمومًا، وقد تَجَلَّى ذلك عندما تقدّم وباع قلمه الخاص في مزاد علني لصالح القضية الفلسطينية بألف دولار في خطوة رمزية تدلّ على حجم تفاعله مع هذه القضية.

 

إذًا الشيء الذي دفع أردوغان إلى اتخاذ جملة هذه المواقف والتي بدأت مؤخرًا في توجيه النقد اللاذع للقادة الصهاينة على جرائمهم، وقبلها موقفه من موضوع الصراع اللبناني بين القوى المختلفة، وقبلها أيضًا تحرُّكه باتجاه الساحة العراقية لوضع حدّ لبعض الطموحات الانفصالية، وبينها حركته كمفاوض ووسيط بين الجانبين الصهيوني والسوري في المفاوضات غير المباشرة، وكذلك حركته في الوساطة لوقف العدوان على غزة. كل ذلك يظهر عزم تركيا على القيام بمسئوليتها ولعب دور على مسرح المنطقة، حماية لمصالحها، وانطلاقًا من شعورها بالمسئولية تجاه هذه المنطقة، خاصة وهي التي حكمتها باسم الدولة العثمانية أكثر من أربعة قرون ونصف، لا ليعيد تلك الحقبة من الزمن الغابر، ولكن ليأتي بوجهٍ جديد يعيد لتركيا دورها، ولهده المنطقة بعضًا من حضورها.

 

لقد أدرك الجميع أن أمريكا فشلت في جزء من مشروعها الذي أعدّته للمنطقة، واعترفت أمريكا بذلك من خلال التصويت لباراك أوباما، الذي تعهّد بسحب الجيش الأمريكي من العراق، وربما عدم التدخُّل كثيرًا في شؤون هذه المنطقة، ولكن ذلك لا يعني أبدًا أن أمريكا ستدير ظهرها لهذه المنطقة وتتركها، خاصة وأن لها فيها قواعد ومصالح، ولكنها ستبحث عن القوة التي يمكن أن تشكل ضمانة فيها، ويمكن التفاهم معها على ضبطها ضمن حدود لا تجعلها تخرج إلى دائرة الفوضى أو سيطرة القوى الدولية الأخرى المنافسة. بمعنى آخر أمريكا ستبحث عن الذي يمكن أن تعهد إليه ضبط الأمور في المنطقة، أو بشكلٍ آخر الدول الموجودة في هذه المنطقة ستعمل على إثبات دورها وحضورها المباشر، ولهذه الدول مصالح في كل ذلك، ومنها تركيا. وعليه فإنّ تحرُّك أردوغان لتأمين مصالِح بلاده ليس مستغربًا، بل إنّه مطلوب في ظلّ الخوف المتنامي من تقسيم دول هذه المنطقة إلى ما يمكن أن يُهدّد وحدة الكيانات الموجدة فيها.

 

أمام هدا التفسير يمكن القول: إنّ أوروبا عاجزة عن أن تكون هذا الوريث؛ لأنها تتخذ موقفًا منحازًا بشكل سافر إلى الكيان الصهيوني، وهي على علاقة غير طيبة مع بعض دول المنطقة كسوريا وإيران فضلاً عن أنها بعيدة جغرافيًا وإن كانت تحاول أن تكون قريبة من خلال جيوشها التي تنشرها في المنطقة تحت عنوان حفظ السلام.

 

أما الكيان الصهيوني فهو الطرف الذي يحاول الهيمنة على المنطقة وفرض أجندته عليها، ولكنه مُحاط بدول لا تُكِنّ له سوى العداء وإن كانت بعض أنظمتها تَعْقِد معه الاتفاقات والمعاهدات.

 

إيران هي الأخرى قد أخافت المنطقة من خلال استحضار البُعْد المذهبي في تحركها وعلاقتها بدول المنطقة، ما جعل الكثير من هذه الدول تخشى المشروع الإيراني كخشيتها المشروعين الصهيوني والأمريكي، إن لم تجعله مقدمًا عليهما أحيانًا. وسوريا لا تستطيع أن تقوم بالدور المأمول؛ لأنها تعاني العديد من المشاكل التي لا تؤهلها للقيام بها منفردة، وإن كانت تطمح لتكون جزءًا من صانعي قرار المنطقة. وأما بقية الأنظمة العربية فهي عاجزة عن فعل شيء نتيجة الفجوة التي تفصلها عن شعوبها، وهي نقطة ضعف أساسية في سياستها. وتبقى تركيا المرشح الأبرز لذلك، فهي على علاقة طيبة مع أمريكا لأنها عضو في حلف الأطلسي، وقد تكون نافذة وبوابة أوروبا على المنطقة أيضًا، كما أنها على علاقة جيدة مع الكيان الصهيوني جرَّاءَ الاتفاقات القائمة، وهي حاجة بالنسبة لكل من إيران وسوريا والعرب لاعتبارات كثيرة، وبالتالي فهي نقطة الارتكاز في حفظ توازن المنطقة في المرحلة الجديدة، وأردوغان يدرك دلك جيدًا، ولكنه يريد أن يثبت هذه النظرية للجميع حتى يقتنع الجميع بذلك، ويثبت بالتالي هدا الدور، وهو ما دفعه لهده المواقف، لذا فإننا في المنطقة أمام دور جديد لتركيا سيكون متناميًا مع الأيام القادمة، وهو الذي قد يشكل نقطة التوازن في المنطقة.