خبر بعد صمود غزة... الاستعداد لمواجهة معركة الحسم ..فضل شرورو

الساعة 11:47 ص|02 فبراير 2009

 ـ السفير 2/2/2009

أثارت »القراءة« السابقة »خداع التسوية وضرورة المصالحة« جدلا واسعا، فقد اعتقد البعض أن لهيب محرقة نيران غزة التي طالت الأخضر واليابس، لم تصب بلظاها »القراءة« وأن الدم الذي نزف بغزارة في كل مكان في غزة والقطاع لم يلون »القراءة« بحيث كانت »باردة الأعصاب« أكثر مما هو مقبول ـ في مثل هذه الأوقات ـ في المقالات او التحليلات التي تنشر في زمن الحروب.. وأنها رغم كل الخلافات.. حسمت في أمرين: الأمر الأول: »خداع التسوية« بالرغم من الانخراط المريع لفريق السلطة في نهج التسوية مع مسلسل الاخفاقات، وتوالي خيبات الأمل.. والأمر الثاني: »ضرورة المصالحة« بالرغم من القصف والدمار، والقتل واستهداف الأطفال، وظهور أدلة على تورط البعض، أو شماتة هذا البعض إزاء ما يجري في غزة.. خاصة، تلك »التصريحات« التي جاءت على شاشات الفضائيات وظهرت خلالها وجوه، لا تزال ترتدي لباس »ادعاء« الشرعية وحاولت ان تلصق »تهمة« ما يحصل.. إلى تعنت تلك الفصائل التي لم تذهب إلى القاهرة، للاشتراك في حوار، تكررت أحداثه ووصلت إلى مستوى الضجر وأحيانا ـ الخفة ـ في التعاطي مع عقول المشاركين.. وغير ذلك.. كثير.

كان الرد على هذا الجدل ـ ولا يزال ـ أن »القراءة« انحازت بشكل واضح إلى دم الأطفال.. والعيون المفتوحة على الموت وقد تحولت من الرؤيا لتكون مرآة يرى من ينظر فيها نفسه.. هو في ذاته وفي عمق تحسسه.. قبل ان توارى هذه العيون التراب.

لقد رأيت آلاف عيون الأطفال المفتوحة بذهول موجع.. مسكونة بآلاف أسئلة الرحيل المبكر، والأخير.. عيون أطفال غزة والقطاع والأشلاء.. ستظل محفورة في الذاكرة الإنسانية إلى أمد بعيد.. ولن يحل محلها أبدا، إلا فرح عيون أطفال فلسطين.. حين يتحقق التحرير.. تحرير الأرض، والإنسان.. فالبعض، اعتقد، من أسف، حين سمح له بأن يكون فوق الأرض الفلسطينية.. أنه أنجز التحرير.. بينما اهانة وتكبيل، وقتل الانسان الفلسطيني يستمر ـ وبازدياد ـ ليطال الأطفال.

إنهم يقتلون الأطفال، عن سابق إصرار وترصد، وتعمد.. فحين يتكرر الخطأ.. يصبح خطة.. وقد تكرر استهداف الأطفال في غزة وقطاعها.. وكان أولئك الذين يطلقون الحمم من الطائرات او الدبابات، او المدفعية او القوارب، والبوارج.. كأن هؤلاء في مسابقة صيد »للعصافير« في غزة يتباهون.. فيما بينهم، أيهم أكثر قتلا لعصافير، لأطفال غزة وقطاعها ويعود القتلة في المساء إلى أهاليهم.. يشاركونهم إحصاء »الصيد« من عيون أطفال غزة، عصافيرها.. المفتوحة العيون رغم القهر، رغم الوجع، رغم الحصار.. حاولت، أن أقول الحقيقة.. كما هي، وكما كشفتها الحرب في ضروراتها، ووحشيتها، مقابل صمود.. الأهل، العزل، العراة، المحاصرين، بل المحشورين في ساحة قتل لم تسبق في التاريخ..

قرأت الخداع، سافرا.. في التسوية التي لا يصر على نهجها إلا مكابر.. واستشرفت رؤية الحل، دون مكابرة، ودون القفز على مكونات الساحة الفلسطينية، وحقائق الجغرافيا السياسية العربية.. في تصنيفاتها، وكذلك في تنوعها، في اقترابها من نبض شارعها، وفي غلوها في تجاهل هذا النبض.. ثم مؤشرات ذلك.. في رسم ملامح تغيير.. على المدى القريب او المتوسط او البعيد. وناديت بمساع حميدة.. يمكن ان تقوم بها بعض الأطراف.. عربيا.. للوصول إلى مصالحة فلسطينية.. تضع نهج التسوية بعد انكشاف زيفها.. مماطلتها، خداعها، جانبا. وقد صادف ذلك أن الزميل محرر الصفحة، اقتطع لضرورات الإخراج.. فقرة.. يمكن لها ان توصل المعنى كاملا.. حيث كان ضمن تلك الفقرة المقتطعة.. ما يلي: »... البعض يقترح مساعي حميدة من الخيرين.. مع مصر.. وليس لتجاوزها، للتهيئة الى مصالحة وطنية فلسطينية جدية، وعلى رأس الذين يرشحون لهذه المساعي الحميدة الخيّرة، قائد ثورة الفاتح، الأخ معمر القذافي، إذ يرون في تحركه في هذه المساعي الحميدة ما لا يؤذي مصر.. وفي الآن معا، لا يؤذي التمني في حصول مصالحة ترسي القواعد الجادة والصادقة لتمكين الشعب الفلسطيني، شعب الشهداء، والمعاناة، والتضحيات من متابعة مقاومته لتحقيق طموحاته«.

وبالطبع، فلا يزال ندائي، قائما ومستمرا.. بل ملحا أكثر وأكثر.. بعد محرقة غزة والقطاع.. بحيث باتت الرعاية العربية إلى جانب مصر، أكثر إلحاحا..

كما لا يزال، برغم شطط البعض، ومكابرته.. موقفي من التسوية، بأنها عملية خداع طالت إلى حد السماجة، وأن الذين لا يزالون.. مكابرة.. او عن »قناعة« يعتقدون بأنها لا تزال ممكنة.. حتى بعد قول صاحب المبادرة العربية الأول، بأنها لن تستمر طويلا على الطاولة، وقول قمة غزة في الدوحة، أنها ماتت ـ هؤلاء ان استمروا في المكابرة ـ سيكونون اكثر المتضررين من المصالحة.. لأن الجمع والحشد العام للقوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية.. يؤمنون بنهج المقاومة صمودا، وردعا وحفاظا على الهوية.. كما أنه النهج الذي يفضي الى تحقيق طموحات الشعوب..

[ نتائج العدوان: بعيدا، عن الفذلكات التي قد يلجأ إليها البعض.. بالاتجاه السلبي أو بالاتجاه الايجابي.. حين التحدث عن نتائج العدوان على غزة من السبت ٢٧ ـ ١٢ ـ ٢٠٠٨ إلى موعد انسحاب آخر دبابة ٢١ ـ ١ـ ,.٢٠٠٩ وطرح السؤال الواحد في الاتجاهين..

كل، حرب فيها خاسر، ومنتصر حيث لا توجد حرب تنتهي بالتعادل، او يسمح لها بأن تحسم بالضربات الترجيحية.. قد يسمح لها بأن تمدد.. ان كان لأحد الأطراف فيها قوة سياسة غاشمة تستطيع تغطيته سياسيا.. كما حدث في حرب تموز ٢٠٠٦ وكما حدث في العدوان على غزة.. حيث مددت أيامها ولياليها الى المدى الذي بات فيه التمديد عبئا على من طلبه.. ويبقى السؤال: من هو الخاسر؟

اختصارا.. اذا أردنا تأخير الوصف العام لنتيجة العدوان، وبعيدا عن قواعد وعلوم الحروب، او بعيدا عن تعريفات »كارل فون كلاوزفيتس« صاحب المرجع الأهم عن الحرب.. نحاول الوصول، عبر التسلسل نحو النتيجة، الإجابة عن السؤال السالف الذكر: من هو، الخاسر في عدوان غزة:

ـ إن كان العدو، القوي، المتفوق عتادا وعديدا، نوعا وكما، والمستفرد في السيطرة على الجو العام للمعركة، والمستفرد في السيطرة على البحر، والمستفرد في السيطرة على مسرح العمليات كله.. والتفوق بحجم وكثافة المتفجرات والنيران، ان كان هذا العدو القوي، لم يحقق أهدافه، المعلن منها، والذي افتضح أثناء العدوان.. وبعض ما أعلن من هذه الأهداف.. هو:

ـ حماية غلاف غزة والقطاع، أي المستوطنات التي تقع في مدى، صواريخ المقاومة، تلك الصواريخ التي كان البعض يسميها عبثية وأثبتت الوقائع ان المقاومة حتى ما بعد إعلان العدو وقف إطلاق النار، من طرف واحد، أنها قادرة على مواصلة إطلاق الصواريخ أبعد مدى وأكثر تأثيرا وأن مخزون المقاومة من هذه الصواريخ لا يزال يهدد غلاف غزة او المستوطنات الصهيونية التي أقيمت على أرض فلسطين المحتلة العام .١٩٤٨

ـ ضرب البنية التحتية لحماس، او المقاومة.. لكن ثلاثة أسابيع من القصف والغارات والمدفعية الميدانية، ومدفعية الدبابات، والبوارج واستخدام القنابل المحرمة واستهداف الجوامع والمدارس ومقرات المؤسسات الدولية مع استهداف آلاف المؤسسات الرسمية.. لم تفلح جميعها بالقضاء على البنية التحتية لحماس.. وأعتقد ان الذين كانوا قرب أولمرت قبل ساعات من إعلانه وقف إطلاق النار من جانب واحد، لاحظوا كثافة الاتصالات الهاتفية مع مصر ومحاولاته نقل التهديد للمقاومة في غزة كيلا تتعرض لجيشه البري الذي أعلن أنه سيبقى الى مدة غير محددة، ثم أعلن أنه سيعيد انتشاره، ثم أعلن أنه لن يستمر طويلا.. كانت المحادثات الهاتفية تحاول استخدام كثافة ضغوط سياسية وحياتية للشعب المحاصر في غزة.. وتضغط بشكل خاص ليكون الإعلان عن وقف إطلاق النار اعلانا متزامنا مع تعهدات، ليس الآن، أوان الكشف عنها.

والشاهد من كل الذي ذكر آنفا.. ان أولمرت وهو يعلن وقف إطلاق النار، كان »يتسوّل« من الجهة التي أعلن أنه سيقوض بنيانها.. الاستجابة لهذا الوقف للنار.. والإعلان المتزامن من قبل حماس وبمعنى أدق.. ان أولمرت، كان يعرف ويكذب.. بأن العدوان الذي قاده لم يحقق أهدافه.

ـ أعلنت ليفني وهي أهم قادة العدوان.. بأن الحرب ضد حماس تهدف الى تغيير الوقائع في غزة.. وأن حماس لن تكون هي المسيطرة في غزة.. بل قالت أكثر من ذلك بما يخص بعض الرغبات الفلسطينية والعربية، وكراهية هؤلاء لحماس.

لكن الذي يفاوض في القاهرة، هم وفد حماس.. والذي يرسل مبعوثيه من ديوان حكومة أولمرت، وبمعرفة وثيقة من ليفني عاموس جلعاد.. الى القاهرة ليناقش »تثبيت« وقف اطلاق النار.. إنما ـ ينتظر ـ في كل مرة ـ رأي وفد حماس.. وستكشف الأيام عن محاولات حثيثة جرت.. تحت حجة وعنوان كسب الوقت لإبقاء مبعوث أولمرت ـ باراك ـ ليفني في القاهرة، وفي فندق معين.. وابقاء وفد حماس في القاهرة، وفي فندق آخر وإجراء مفاوضات غير مباشرة، لكن وفد حماس ـ التي قالت ليفني بأنها لن تكون بعد الحرب، هي المسيطرة في غزة والقطاع ـ رفض ذلك.

إذا.. فالقوي لم يحقق أهدافه.. في عدوانه الذي خطط له طويلا، وتدرب عليه زمنا، وحشد له كثيرا، ودرس توقيته الفاصل ما بين عهد أميركي منصرف وعهد أميركي وليد.. القوي لم يحقق أهدافه رغم عصيانه لقرار مجلس الأمن ومحاولاته كسب الوقت، ورغم التغطية السياسية التي ظل يقدمها له، لآخر ساعة، رئيس اللحظة الأخيرة جورج بوش.. ورغم عدم الكياسة التي عوملت بها كونداليزا رايس في آخر إطلالة لها في مجلس الأمن من قبل اولمرت وادعاءه انه وراء الامتناع الاميركي عن التصويت على القرار .١٨٦٠

انه يعني الخسران الواضح البين.. الصريح.. صراحة ما تكشف وما يمكن ان تكشفه الأيام.

وفي الطرف المقابل من خندق الحرب.. كانت المقاومة.. الطرف الأضعف عتادا وعديدا، تفتقر الى الأسلحة المضادة للطيران والأسلحة المضادة للدروع، والأسلحة المضادة للبوارج والمعارك البحرية بكل مفرداتها.. المقاومة التي لا تمتلك مساحات للمناورة، وتفتقر للتضاريس الطبيعية التي يمكن لها ان توفر أبسط القواعد الأمنية لتحرك الفدائيين.

هذا الطرف، تلقى »المجزرة الأولى« في تخريج عناصر شرطة المرور.. استوعبها سريعا، وقاوم ثم قاوم وأطلق صواريخه على معظم الأهداف السابقة. وأضاف عليها أهدافا أخرى، أبعد مدى، وأكثر تحصينا.. ثم تلقى مذبحة »مدرسة الفاخورة« وما شكلت من مآس طالت الأطفال والعزل.. ثم قاوم.. ثم قاوم وأطلق صواريخه على مسافات أبعد، وعلى أهداف عسكرية، كالقواعد العسكرية والجوية للعدو الذي استخدم نصف سلاحه الجوي في العدوان وألقى ما مجموعه مليون كيلو غرام من المتفجرات بواسطة الطيران فقط.. ومع ذلك فإن الطرف الأضعف.. المقاومة، حماس، الجهاد الإسلامي، القيادة العامة، ألوية الناصر صلاح الدين وكتائب الشعبية.. وكل الشرفاء.. تشبثوا في الأرض وقاوموا.

ورغم الإعلان عن المرحلة الثانية.. ورغم الإعلان عن بدء المعركة البرية، وبعدها المرحلة الثالثة والتوغل.. فإن طرف المقاومة ظل صامدا، صلبا، يتصدى ويطلق صواريخه، يقاوم ويصبر على المذابح، والمجازر والحصار وإغلاق معبر التنفس الوحيد.. وظل واقفا لم ينكسر، لم يرفع الراية البيضاء، لم يئن ولم يستصرخ أحدا.. وكتب بالدم والدمار.. ان المقاومة لم تهزم.

وما معنى أن المقاومة لم تهزم؟

إن ذلك يعني.. ان المقاومة كرست نهجها وان ثقافة المقاومة سجلت نصرها.. العدو لم يحقق أهدافه.. والمقاومة كرست نهجها.. تلك هي نتيجة العدوان على غزة.. لا يستطيع حاقد ان يدعي غير هذا.. ولا يستطيع مكابر ان يتجاوز هذه النتائج أيضا.

لكن هذه النتيجة.. تبقى »مقلقة« او هي نتيجة تجعل العدو يدرك ان لا قوته المفرطة ولا تفوقه ولا المدة التي أعطيت له.. استطاعت ان »تحسم الأمر« بالنسبة للمقاومة في غزة.. او بالنسبة لحماس في غزة.. وأنه بحاجة الى ما يفوق كل الذي بحوزته.. انه بحاجة إلى حصار من نوع آخر، معركة من نوع آخر.

ونتيجة من نوع آخر.. والعدو لا يستطيع ان يبقى حيث سحب قواته طويلا.. كذلك لا يستطيع ان يرجع هذه القوات الى مواقعها السابقة وهي أول من يعرف بالإخفاق الذي حصل.. وهي التي تدرك ان صواريخ المقاومة المحلية الصنع، لا تزال تشكل حالة ردع لا يمكن تجاهلها كذلك لا يمكن القول ان كل »جبروت العدوان« استطاع ان يضعف حالة الردع التي تملكها المقاومة.. قبل بداية العدوان، وأثناء العدوان.. وما بعد العدوان.

ما بعد غزة:

حيث ان النتيجة التي جاء بها العدوان على غزة، لا تزال »مقلقة« وغير حاسمة.. فإن هذه الأيام، ما بعد العدوان على غزة.. ستكون حبلى بالأحداث.. عربيا، إقليميا، ودوليا.. وسيكون عنوان كل هذه التحركات او الأحداث.. التوجه نحو »الحسم« التوجه نحو تحقيق ما عجز العدوان عن تحقيقه بالقوة المفرطة، عن طريق قتل الأطفال، وتجاوز كل المحرمات.. واللجوء إلى القوة في حضيض فظاعتها..

كان المنظر المتوقع نتيجة العدوان على غزة.. هو طوابير تحمل الراية البيضاء او الألبسة الداخلية البيضاء.. تسلم سلاحها، تنكس الرأس والعيون نحو الأرض ذليلة تطلب الصفح.

لكن المشهد الذي انقشعت عنه أدخنة القذائف والصواريخ والأدخنة السوداء، والبيضاء والرمادية.. كان المشهد المذهل للجميع.. أطفال يتحدثون وكأنهم الرجال الرجال.. يقدمون شهادات عن الحرب، شهادات عفوية صادقة.. ويقدمون شهادات الصمود والاصرار على التمسك بالأرض والهوية و.. المقاومة.

هذا المشهد.. شكل، من حيث لا ندري، حافزا، مخيفا، لدى كل الذين لا يؤمنون بنهج المقاومة، ولدى الذين يسايرون ويظهرون غير ما يبطنون، وأولئك، الذين ظنوا ان الحديث مع حماس.. والمقاومة بعد العدوان.. سيكون أسهل من الحديث الذي كان قبل العدوان.

وهنا يتضافر جميع الخصوم والأعداء.. ليعدوا، كرة أخرى، لمعركة حسم من نوع آخر، او من عدة أنواع.. في توقيت هجوم كاسح، من جهات عدة، وتسميات عديدة.. وكل ذلك في وقت واحد.. هو الآن، أيضا، موضع درس وتدقيق وفحص.

ها ان الرئيس الأميركي الجديد قد عين مبعوثه للشرق الأوسط. جورج ميتشل وهو زميل طوني بلير.. في حل مسألة ايرلندا.. وفي تسميته الجديدة سيكون مرة أخرى زميلا لطوني بلير الذي يعمل منسقا للرباعية.

وقبل ذلك بأيام، انتقل الى القدس للقاء أولمرت، كل من برلسكوني، ساركوزي، وميركل.. ايطاليا، فرنسا، وألمانيا.. هؤلاء الذين خبرناهم في حرب تموز .٢٠٠٦ والذين تولوا مراقبة إمدادات حزب الله.

وهم، هنا، جاؤوا إلى نفس المهمة.. ونتيجة للاتفاق الأمني الذي وقعته ليفني في واشنطن مع كونداليزا رايس التي كان توقيعها على هذا الاتفاق، آخر توقيع رسمي، كوزيرة خارجية لأميركا.

العنوان: «هجمة سلام»

المهمة: القضاء على كل ما يهدد أمن »اسرائيل« وتمكين قوى الاعتدال في القضاء على المقاومة.. في محاصرتها وإذلالها. وبسط الإحباط في محيط من يؤمن بنهج المقاومة هذا النهج الذي اثبت فعالية ووجودا شاملا على امتداد الوطن العربي، والعواصم العالمية والاسلامية بخاصة.

الوسائل: كل الأعتدة والأسلحة، العسكرية، الاعلامية، الدبلوماسية، الثقافية، المالية، الحصار، الخنق، الاغتيالات، الاعتقالات، تضييق هامش الوجود، منع الإيواء، المزيد من تجفيف شرايين الدعم، تقطيع أوصال شبكة العلاقات والاختراقات الأمنية. حيث ما كان ذلك ممكنا.

أما أسلوب المواجهة.. لهذه الهجمة ـ وقد استحالت، عبر قمم ثلاث العودة الى مفهوم التضامن العربي ـ أسلوب المواجهة أصبح وحيدا. وهو المزيد من التمسك بالمقاومة ونهجها. في مواجهة هجمة »سلام« تدعي »السلام« وتريد أمن العدو على حساب الحق الفلسطيني، العربي في فلسطين.. وإكمال الدائرة بمحاصرة قوى الدعم والممانعة التي تصب في نهج المقاومة.. لتكون عملية الحصار.. أوسع.. وأنجح.. وأكثر وطأة، وتاليا، أكثر تأثيرا، وأقصر وقتا.

وفي المواجهة أيضا، رغم التحفظات، من هنا، او من هناك.. ضرورة التوجه الى مصالحة فلسطينية.. ترتكز على حق شعبنا في المقاومة. وأن من حق شعبنا ان ينتفض على تجربة ما سمي بالتسوية منذ أوسلو الى لقاءات أولمرت الاسبوعية وملهاة ما سمي »رؤية بوش« التي كانت تعد بدولة فلسطينية، قبل نهاية العام ٢٠٠٨ وبداية العام ٢٠٠٩ فإذا بهذا الوعد يتحول الى أكبر سلسلة مجازر يتعرض لها شعب محصور بهذه المساحة من الأرض وبهذه الكثافة السكانية.

وبأكبر نسبة قتل للأطفال في أي حرب معروفة على مر تاريخ الحروب مع استخدام الأسلحة المحرمة.. والأسلحة الافتك.. من حق المقاومة في هذا الوقت بالتحديد، ان نعطيها ما تستحق من جهد.. قد يكون هذا الوقت الأصلح للحديث دون حساسية، ومنظر عيون أطفالنا وهم يغادرون باكرا ولآخر مرة.. قد يكون مؤثرا لدى الجميع، ومن أجل فلسطين.. يجب ان تكون لعيون الأطفال الشهداء من هدية من قادتهم.. او من جاء بهم القدر قادة في هذا الزمن.

من حق المصالحة الفلسطينية ان تعطى فرصة.. فرصة وليس خدعة.. فرصة وليس استقواء.. فرصة وليس استفرادا.. فرصة. وليس تخليا عن الوعود وتجاوزا للاتفاقات.

من حق اعادة بناء م ـ ت ـ ف ان تكون تتويجا لصمود أبطال غزة أطفالها أولا والنساء والشيوخ الذين ما نطقوا، أبدا، بكلمة واحدة.. يفيد التململ من المقاومة. بل كان كلامهم، تحت القصف، وبين الركام الصمود والتشبث بالأرض والثبات على الحق.

وأول ذلك.. تكريس الجهد على إعادة بناء المرجعية الفلسطينية وإطارها العام. إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بمؤسساتها وباشتراك الكل.. أما الباقي.. فهو تفاصيل.. من هنا فهي مسكونة بالشياطين.. لأنها تفاصيل تحاول.. عن قصد.. تجاهل الأصل.

الأصل.. هو منظمة التحرير الفلسطينية بمؤسساتها وباشتراك الكل وما يتفرع عن ذلك.. يجب ان تلجمه المرجعية لا العكس.

»فالحكومة« هي نتاج أوسلو.. ويجب ان يكون لها مرجعية والمجلس التشريعي، هو ما بعد أوسلو، ويجب ان يكون له مرجعية والاختلاف.. يجب ان ينظم ويؤطر ضمن المرجعية التي هي منظمة التحرير الفلسطينية التي تنظم الكل في إطارها.. كل الطيف السياسي الفلسطيني هو الذي يشكل الجوهر والإطار لمنظمة التحرير الفلسطينية.

قد ننسى ان الخلاف الفلسطيني الحاد.. ليس هو وليد اليوم، انه وليد التسويات. والانفراد في اختيار طريقها دون رأي الساحة الفلسطينية فلنرجع الأمور الى بداياتها وجذورها. دعونا نحيي الاطار المادي المعنوي للشعب الفلسطيني.. ثم نختلف الاختلاف السياسي الطبيعي ضمن هذا الاطار.

وعلى كافة الخيرين المساعدة في بذل المساعي الحميدة في هذا الاتجاه.. اتجاه تحقيق اعادة بناء م ـ ت ـ ف، شفافة، تقوم على حق شعبنا في مقاومة المحتل.. وممارسة هذه المقاومة بكافة أشكالها.

فليس من سبيل لمواجهة ما يعد من أدوات وعدة لمعركة »الحسم« القادمة بأشكالها المتعددة وبأسمائها والاتجاهات. إلا مواجهة فلسطينية واحدة، تنظم الخلافات، لا تقفز عنها. بعيدة عن هدف الالغاء، بعيدة عن التفرد بامتلاك الحقيقة. وبعيدة عن الحق الإلهي في الاستفراد في هذا الشعب. رغم كل التجارب السوداء التي لا تزال ماثلة في الأذهان والعيون، مطالبون.. كلنا في البحث عن أرضية لقاء.

أهل الخير.. مطالبون بالمساعي الحميدة.

وقبل بداية هجمة الشر التي تتجمع في الأفق تحت الاسم الكودي. هجمة »السلام« هذا السلام الذي عاش شعبنا تحت خداعه كل المآسي والمجازر.