خبر ضربة موجعة لتوظيف الأموال في تجارة الأنفاق..وشرطة غزة تلاحق السماسرة

الساعة 09:34 ص|02 فبراير 2009

فلسطين اليوم-غزة

تلوح في قطاع غزة بوادر أزمة مالية كبيرة، بسبب ضرب إسرائيل للأنفاق الرابطة بين رفح المصرية والفلسطينية، والتي تستخدم لتهريب البضائع إلى القطاع المحاصر.

 

تباشير هذه الأزمة بدأت، حينما بدأ الآلاف من المواطنين، يطالبون باسترداد الأموال التي يستثمرونها لدى التجار في تجارة الأنفاق، والتي تقدر بعشرات ملايين الدولارات، في حين عجز التجار عن سداد الأموال التي لا يعرف بالتحديد أين هي الآن.

 

وكان "استثمار" الأموال في تجارة الأنفاق، قد استحوذ على اهتمام عدد كبير من سكان القطاع، الذين هرعوا إلى هذه التجارة بعد ما درّته من ربح على العاملين في هذا المجال، ما دفع بآلاف المواطنين إلى استدانة النقود أو بيع ممتلكاتهم ومصاغ زوجاتهم، طمعا بالربح الوفير الذي قدمه المستثمرون للمواطنين.

 

"الأسواق.نت" تابعت الأمر عن كثب والتقت بعدد من المواطنين الذين "تورطوا"، في هذه التجارة، وباتوا مهددين بفقدان مدخراتهم، وتكبد ديون فادحة، كما استطلعت آراء بعض الخبراء والمسؤولين.

يرى الخبير الاقتصادي عمر شعبان أن ما جرى خلال الفترة السابقة، كان عملية معقدة تشابك فيها "الاستثمار مع النصب والاحتيال والهروب بالأموال إلى الخارج".

 

وحمّل شعبان المواطن الذي اقتحم هذا المجال المسؤولية الأولى والأساسية عن ضياع مدخراته، حيث قال: إن القانون في أي دولة لا يحمي المغفلين، ويجب على المواطن التوقف عن البحث عن الربح السريع بغض النظر عن حقيقته.

 

وأوضح شعبان أن الجزء الأكبر من الأموال التي كانت تجمع لم تكن تستثمر في تجارة الأنفاق، حيث كانت الأخيرة بمثابة غطاء، لجمع الأموال واستثمارها في الخارج بأمور أخرى، أو محاولة سرقتها والهروب بها.

 

وتابع: لا توجد أي تجارة في العالم يمكن أن تدر أربحا تصل إلى 50% شهريا، وهذا يضع علامات استفهام كبيرة، حول حقيقة ما جرى.

 

والتقت "الأسواق.نت" مع العديد من هؤلاء المواطنين، والذين خاضوا تجربة الاستثمار في الأنفاق، والذين يعيشون على أمل تمكن جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة المقالة في غزة من إعادة أموالهم أو حتى بعضها.

 

سامي وهو شاب عاطل عن العمل، قال إنه دفع مبلغا يصل إلى 16 ألف دولار، لأحد التجار من أجل أن يقوم باستثماره، وذلك بعد أن أغرته الأرباح الكبيرة التي كان يحصل عليها، والتي تصل نسبتها شهريا إلى ما بين 30- 60% من أصل رأس المال.

 

وكان حال أخيه سمير أفضل حالا؛ حيث أنه لم يستثمر سوى 6 آلاف دولار، لكن المشكلة لدى الأخوين أن غالبية المبلغ قاما باستدانته من أقاربهم ومعارفهم، طمعا في استثماره، وباتا ملزمين اليوم بإعادته لهم.

 

بعض السماسرة الذين كانوا يجمعون أموال المواطنين محدودي الدخل من أجل استثمارها، قالو أن بعض المواطنين قاموا ببيع ممتلكاتهم من أجل استثمارها، وذلك طمعا بالربح الوفير والسهل الذي كانت تدره الأنفاق.

 

كما أن بعض صغار السماسرة تمكنوا من جمع مبالغ تفوق المليون دولار، من مئات المواطنين، وباتوا اليوم في مأزق كبير، نتيجة تعثر عمل الأنفاق، ووجود هذه المبالغ لدى تجار خارج القطاع.

 

ولم تستبعد مصادر أمنية وجود شبهات نصب واحتيال، في هذا المجال، لكنها أوضحت أن الحديث يدور في الأساس عن عملية هائلة لتوظيف الأموال من قبل تجار وسماسرة، نتيجة الحاجة الكبيرة للسيولة المالية، حيث يشترط التجار في الطرف المصري التعامل نقدا.

 

أحد المواطن فضل عدم ذكر اسمه، أكد أنه يستثمر مبلغا يصل إلى 60 ألف دولار، وقام بتشجيع آخرين على خوض هذا المجال، وقام باستثمار مبالغ تعود لنحو 20 شخصا تصل قيمتها إلى 40 ألف دولار.

 

وكانت إسرائيل قد قصفت الشريط الحدودي بين غزة ومصر، والذي يضم نحو ألف نفق، تستخدم لتهريب البضائع والوقود إلى القطاع، ما أدى لتدمير كثير منها، وهو الأمر الذي أثار قلق المواطنين على أموالهم، سيما وأن معظمها ديون من الأهل والأقارب.

 

وقد أكدت مصادر أمنية بغزة أن كبار التجار الذي كانوا يستثمرون أموال المواطنين، باتوا في قبضة جهاز الأمن الداخلي، وتم الحجز على أموالهم، موضحة أن الحكومة بغزة شكلت لجانا على مستوى عال من أجل متابعة هذه القضية ومحاولة رد الأموال إلى أصحابها.

 

وقد درت تجارة الأنفاق الكثير من الأرباح على من باتوا يسمون بتجار الأنفاق، حيث ظهر على الكثيرين منهم مظاهر الثراء، خلال فترة قصيرة، وتمكنوا من شراء عقارات وسيارات حديثة.

 

وما يثير القلق في الأوساط الفلسطينية، إمكانية أن تكون تجارة الأنفاق مسألة "غطاء" تمكن من خلاله بعض هؤلاء التجار من جمع الكثير من الأموال، وتهريبها إلى الخارج أو استثمارها في أماكن متعددة.

وهذا ما أكدته مصادر في وزارة الاقتصاد التابعة لحكومة غزة"؛ حيث أوضحت أن نسبة كبيرة من هذه الأموال توجد الآن خارج فلسطين، وأن غالبيتها لم تستخدم فعليا في تجارة الأنفاق"، مضيفة: نتابع مع الجهات الأمنية هذا الملف الشائك بشكل حثيث، بهدف معرفة حقيقة ما جرى وأن توجد الأموال الآن وسبل إعادتها لأصحابها.

 

وكان وزير الاقتصاد بغزة  زياد الظاظا، قد كشف في حديث مع صحيفة الشرق الأوسط يوم 24 ديسمبر 2008 (أي قبل أيام من بدء الحرب على غزة)، النقاب عن قيام مستثمرين، بجمع ملايين الدولارات من الفلسطينيين في غزة بحجة استثمارها في التجارة عبر الأنفاق، مشيرا إلى أنه تبين أن هؤلاء الأشخاص يقومون بتوظيف هذه الأموال في الخارج في صفقات غير معروفة المعالم.

 

وقال الظاظا: إن الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة المقالة اعتقلت شخصا قام بجمع 15 مليون دولار من الناس. ونجحت في إرجاع 12 مليون دولار من هذه المبالغ لأصحابها، في حين يتم التحري عن مصير ما تبقى من هذه الأموال لإرجاعها للمودعين.

 

وأوضح أن حكومته لا يمكن أن توافق على هذا النوع من المعاملات بسبب ضبابية طبيعة أوجه الاستثمار، منوهاً بأن الأموال يجب أن تستثمر في غزة وليس خارجها.

 

وأشار الظاظا إلى أن التجارة عبر الأنفاق أبعد من أن تشكل حلاً لمشكلة الحصار المفروض على غزة، مشيراً إلى أن ما يمر عبر الأنفاق يمثل فقط 2%، مما يحتاجه القطاع من مستلزمات.

وحسب قوله فإنه باستثناء الوقود ممثلا بالسولار والبنزين، لا تساهم الأنفاق في سد حاجة القطاع من السلع الغذائية الأساسية مثل القمح والأرز والزيوت، ولا المواد التي تستخدم في مشاريع البنية التحتية مثل الأسمنت وأدوات البناء والنسيج وغيرها.

 

وفي الوقت الذي قدرت فيه مصادر رفضت الكشف عن هويتها في أحد أكبر البنوك العاملة في قطاع غزة وجود أزمة سيولة نقدية في القطاع، نتيجة لخروج هذه الأموال لخارج القطاع، نفت المصادر الحكومية بشدة، هذا الأمر، مؤكدة أن أزمة السيولة النقدية الحالية سببها الحصار ومنع دخول الأموال إلى البنوك في قطاع غزة.