استمعوا لعباس - هآرتس

الساعة 01:26 م|05 أغسطس 2019

بقلم: رونيت مرزان

(المضمون: محمود عباس يعطي اشارات لاسرائيل بأنه يجدر بها التقدم في تسوية معه وإلا فهي ستضطر الى أن تواجه وحدها الارهاب من الضفة وتحمل عبء أمني واقتصادي ثقيل - المصدر).

التصريح الشخصي الذي اصدره محمود عباس في اجتماع القيادة الفلسطينية في 26 تموز الماضي بشأن وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع اسرائيل، يمكن أن يكون تصريح آخر فارغ من تصريحاته الكثيرة. ولكن العمليات التاريخية لها وتيرة وزمن خاص بها، وايضا هناك محطات في الطريق، تؤدي في النهاية الى نقطة فيها يحطمون الأدوات.

عباس يشغل منذ العام 2005 منصب رئيس السلطة الفلسطينية. وأساس النضال مع دولة اسرائيل يديره عبر القنوات السياسية والدبلوماسية والقانونية. ورغم تصريحات سابقة عن النية لالغاء الاتفاقات السياسية والاقتصادية والامنية مع اسرائيل، فان عباس لم يحطم الأدوات بعد. "حل المشكلات بطرق سلمية من خلال الاتفاقات واحترام القوانين، مفضل أكثر من اطلاق الصواريخ ودهورة العالم الى شفا حرب كبرى"، قال عباس للمراسلين الاجانب. "نحن ما زلنا نؤمن بالسلام ونسعى الى تطبيقه حسب القرارات الدولية المتعلقة بالعملية السلمية، لا سيما مبادرة السلام العربية من العام 2002"، قال للحضور في المؤتمر الاسلامي الاخير الذي عقد في شهر حزيران في مكة.

عباس يفضل حل النزاع بالطرق السلمية والامتناع عن الغاء الاتفاقات مع اسرائيل. وكل ذلك من خلال الادراك بأن هذه الخطوة ستؤدي الى حل السلطة ونقل السيطرة في الضفة الى اسرائيل وتراجع كبير لا يغتفر في مكانة حركة فتح كقائدة لنضال التحرر الوطني. ولكنه لا يستطيع تجاهل المزاج الحزين السائد في المجتمع الفلسطيني وفي الاجهزة الامنية الفلسطينية وفي حركة فتح وفي فروع الشبيبة فيها، أو الانتقادات المتزايدة ضد الفساد في السلطة الفلسطينية.

المواجهات الاستثنائية بين قوات الجيش الاسرائيلي والاجهزة الامنية الفلسطينية في نابلس وفي منطقة "اتش 1" وفي قرية بني نعيم، التي في واحدة منها كان تبادل لاطلاق النار، والدعم الذي تعطيه حركة فتح للجان الدفاع الليلية التي تعمل على وقف استفزازات المستوطنين، والشرعية التي تعطيها الاجهزة الامنية للتطرف في خطاب حركة الشبيبة في فتح وعودتها الى لغة الميثاق الفلسطيني من العام 1968 – كل ذلك يبرهن على أن هناك شيء ما سيء يحدث في حركة فتح، وليس بالضبط بصورة موجهة، بل بالاساس بسبب الاهانة والخجل.

عباس لا يمكنه السماح لنفسه باستبدال مبدأ "الارض مقابل السلام" بـ "النمو الاقتصادي مقابل السلام" (مؤتمر البحرين و"صفقة القرن")؛ وهو لا يمكنه الاعتراف بأن السجناء والشهداء الفلسطينيين هم ارهابيين وليس مقاتلون من اجل الحرية. ولا يستطيع ايضا تقليص اموال المساعدات لعائلاتهم؛ ولا يستطيع ضرب نفسه ازاء الاهانة التي هو والسلطة يتعرضون لها من اسرائيل من خلال خرق السيادة الفلسطينية في مناطق أ (البحث عن المطلوبين وهدم البيوت). اذا فعل ذلك فيتوقع أن يفقد حتى ما بقي له من ثقة أبناء شعبه به.

رئيس السلطة يعرف جيدا معطيات الاستطلاع الاخير للدكتور خليل الشقاقي في حزيران 2019، الذي بحسبه 80 في المئة من المستطلعين في الضفة الغربية يعتقدون أن مؤسسات السلطة الفلسطينية فاسدة، 50 في المئة منهم غير راضين عن أداء عباس، 49.4 في المئة يريدون منه الاستقالة. 42.5 في المئة منهم كانوا سيصوتون لمروان البرغوثي، مقابل 23.2 في المئة لعباس اذا جرت انتخابات للرئاسة. عباس اعترف اكثر من مرة بأنه كان يفضل أن يكون في الطرف الاسرائيلي شخص يشبه اسحق رابين أو اهود اولمرت. ولكن في الواقع السياسي الذي نشأ في اسرائيل في اعقاب الانتخابات الاخيرة لا يوجد يقين بأنه يستطيع ايجاد الشريك المتخيل الذي يبحث عنه. وهو لا يستطيع ايضا مواصلة طرح مشكلاته امام الزعماء العرب والغربيين لأنهم هم ايضا كفوا عن الثقة بتصريحات السلام التي يرددها، وهم يعتبرونه عبء أكثر مما هو فرصة.

بالاكراه عباس بدأ في البحث عن حل في بيته: تجديد جهود المصالحة مع حماس من اجل تشكيل حكومة وحدة وطنية وصياغة استراتيجية سياسية واحدة وواضحة امام اسرائيل. نشر تصريحه عن الغاء الاتفاقات مع اسرائيل بعد خمسة ايام فقط على زيارة وفد حماس الى ايران، ليس صدفيا كما يبدو، وهو استهدف استخدام الضغط على حماس من اجل المصالحة معه، والضغط على اسرائيل من اجل التقدم معه نحو تسوية سياسية. للزعماء المعتدلين من حماس في غزة، يحيى السنوار، وفي قطر، خالد مشعل، يعطي عباس اشارات بأنه يجدر بهم الاسراع الى التصالح معه قبل أن يضطر الى التنازل عن السيطرة في الضفة وعن احتمال ضمها لقطاع غزة. وقبل أن يزج صالح العاروري وايران حماس في مواجهة عسكرية، تجر اسرائيل الى داخل القطاع وتؤدي الى انهيار نهائي لحكم حماس. ولاسرائيل يعطي عباس اشارات بأنه يجدر بها التقدم نحو تسوية سياسية معه، وإلا فانها ستضطر الى أن تواجه وحدها الارهاب الذي سيأتي من الضفة وتحمل عبء امني واقتصادي ثقيل، الذي تحررت منه في العام 1994 بعد التوقيع على اتفاقات اوسلو.

التصريح هو علامة فارقة في الطريق، واذا لم يكن الاخير فهو يضاف الى تصريحات سابقة. وكلما زادت هذه التصريحات فان الابتعاد عن نقطة التحول آخذ في التقلص. هذه المرة التصريح جاء من عباس وليس من مؤسسات م.ت.ف. وهو يمكن أن يدل على أن صبره وصبر حركة فتح له حدود.

كلمات دلالية