خبر التغيير الأميركي في ظل أوباما: رايس بدلاً من رايس!

الساعة 06:44 م|31 يناير 2009

فلسطين اليوم – قسم المتابعة

انتهت حقبة بوش ووزيرة خارجيته كوندوليسا رايس. وبعد أيام على رحيلهما، يتردد اسم رايس بغزارة في نشرة إخبارية. رايس ما زالت تصرح وتقرر وتهدد وتأمر وتنهى. أمر غريب. لكن المستمع للنشرة لا يلبث أن يكتشف، ويا للغرابة، أن المتحدثة ليست كوندوليسا رايس، بل سوزان رايس. نحن إذاً إزاء رايس جديدة. تشبه رايس القديمة من جميع الوجوه، مع فرق واحد هو اسمها الصغير، سوزان.

أمر لا يدعو إلى التفاؤل، من منظور العيافة والقيافة والتفاؤل وما إلى ذلك من أشكال مقاربة المستقبل انطلاقاً من معطيات الحاضر. وخصوصاً أنه لا يعزز التفاؤل الذي شاء كثيرون أن ينظروا من خلاله إلى حقبة أوباما. لا بل إن التفاؤل الذي كان قد بدأ بالانحسار حتى قبل وصول أوباما إلى البيت الأبيض، يبدأ بالتحول إلى تشاؤم مع تصريحاته العديدة التي نضحت بالمألوف والمعروف في إناء أميركا. لا سيما عندما ساوى بين الضحية والجلاد في الحرب على غزة، وعندما أكد بأن أمن "إسرائيل" يظل أولى ثوابت السياسة الأميركية.

ومع تعيين سوزان رايس سفيرة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، تنقطع آخر شعرة للتفاؤل ليخيم التشاؤم على جميع أرجاء المسرح. لو لم يكن في أميركا كلها رجل أو امرأة يمكنه/ أو يمكنها/ تبوؤ هذا المنصب غير سوزان رايس، لكان حرياً بباراك أوباما أن يكتفي بأي كان، وأن يتجنب اختيار شخص يمت بأية صلة شبه إلى كوندوليسا رايس. هذا إذا كان أوباما يعني فعلاً ما يقوله عندما يتكلم عن التغيير، اللهم إلا إذا كان التغيير المقصود هو تغيير الأساليب التي قادت أميركا إلى الفشل في ظل بوش وصقوره، عبر استبدالها بأساليب يراهن عليها من أجل إعادة أميركا إلى سابق سطوتها في ظل الديموقراطيين المعروفين، كغيرهم من الأحزاب الاجتماعية الديموقراطية في الغرب، يبزون الأحزاب اليمينية في العدوانية والسادية.

لا تغيير إذاً في سياسة أميركا تجاه العالم. وخصوصاً تجاه منطقتنا. يبدو ذلك واضحاً، طالما أن الكلام يدور على سوزان رايس، في كلام قالته تعليقاً على قرار الإدانة الصادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بحق "إسرائيل" لما ارتكبته من جرائم حرب خلال حربها على غزة. فـ"إسرائيل" تلقى، بنظر سفيرة الولايات المتحدة في المنظمة الدولية، معاملة غير منصفة في المنظمة الدولية. والكثير من الدول تحاول استخدام المنظمة لإدانة حليفتنا "إسرائيل" بقصد وبشكل غير منصف. والكلام لسوزان رايس. وذلك يشكل بنظرها تعارضاً تاماً مع مبادئ تأسيس منظمة الأمم المتحدة.

"إسرائيل" المشهود لها باحتقار الأمم المتحدة، وبعدم الانصياع لأي من قراراتها، ولا سيما قرار وقف إطلاق النار الأخير، مظلومة إذاً من قبل الأمم المتحدة. ذلك هو رأي سوزان رايس، وبالتالي رأي باراك أوباما. والظالم هو بطبيعة الحال، في المعطى الراهن، هو حركة حماس. وفي المعطى القديم والمستجد والمستقبلي هو الفلسطينيون والعرب والمسلمون وكافة الشعوب التواقة إلى الانعتاق في العالم. تماماً كما كان عليه الأمر، على الأقل، طيلة الحقبة الممتدة من ترومان إلى بوش.

وهو بالطبع رأي المبعوث الأميركي، جورج ميتشيل، إلى الشرق الأوسط، برغم ابتهاج عرب الاعتدال بمقدمه لأنه وضع في الماضي تقريراً ينم عن شفقة على الفلسطينيين. فجورج ميتشيل، شأنه شأن غيره من المبعوثين الأوروبيين الذين يجوبون أرجاء الساحة حالياً، يريد وقف إطلاق النار الذي خرقته "إسرائيل" تسع مرات منذ توقف العمليات الحربية. لكن ميتشل يتبنى الشروط الإسرائيلية: وقف تهريب السلاح والعودة إلى اتفاق العام 2005 بشأن المعابر، إضافة إلى مصالحة فلسطينية تعيد الأمور إلى حظيرة سلطة تنظر إلى المقاومة على أنها عبثية وتسعى حالياً إلى التسلل إلى غزة في شاحنات المساعدات التي يسيل لها لعاب مقاوليها بمشاريعهم المعدة سلفاً لشراء مواد الإعمار من "إسرائيل". ومستقبلياً إلى إرساء سلام على أساس دولتين، إحداهما فلسطين مستباحة بلا لون ولا طعم ولا رائحة غير رائحة العيش الذليل على أموال المساعدات الدولية والعربية، في دولة يكون عماد اقتصادها توظيف اليد العاملة الفلسطينية في بناء المستوطنات الإسرائيلية... كلام هو سليل الكلام الذي سمعناه على ضفاف أوسلو يوم كانت الأحلام تدور حول معجزة تطلقها الخبرة الإسرائيلية المتعانقة مع الأموال والأيدي العاملة والأسواق العربية، وعلى ضفاف الحرب الأميركية على العراق ورهان المراهنين على أن ما ينتظر العراق بعد الاحتلال هو مصير مشابه لمصير ألمانيا واليابان. على أساس أن الخضوع لأميركا و"إسرائيل" هو الطريق الوحيد نحو جنة الازدهار. وإذا جاز لهذه الأحلام أن تراود بعض النفوس في أيام العز الأميركي والإسرائيلي، فكيف يمكنها أن تكون غير أضغاث أحلام في زمن تقهر فيه الجيوش التي لا تقهر على يد المقاومة التي تزداد تجذراً في الوعي الفلسطيني وفي خارج فلسطين؟ وفي زمن تتكسر فيه أسنان الوحش المالي الأميركي بشكل يدعو إلى الرثاء؟!