خبر حالات نفسية وقلق دائم.. آثار مشاهد الدم الراسخة في أذهان الأطفال والباقية في ذاكرتهم

الساعة 08:23 ص|31 يناير 2009

فلسطين اليوم- غزة(تقرير خاص)

كان مشهد تطاير أشلاء جثتي الطفلين الشهيدين عبد الله وشروق ناجي حسنين اللذان استشهدا على مرأى من ابن عمهما صبحي (9 سنوات) إثر انفجار جسم مشبوه خلفته قوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة الشعف شرق مدينة غزة، كفيلاً أن يفقده الراحة والنوم وتصيبه بحالة نفسية صعبة لن تنته طالما بقيت الصورة عالقة في ذاكرته.

 

ففي العشرين من الشهر الجاري كان صبحي على موعد مع مشهد سيبقى باقياً معه، عندما كان يلهو مع ابني عمه عبد الله وشروق (10- 11 عام)، بجوار منزلهم في منطقة الشعف والتي تراجعت منها تلك القوات بعد إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار من طرف واحد، حيث انفجر جسم مشبوه وتطايرت أشلاء ابن عمه أمام عينه وفقد القدرة على فهم مايجري حوله.

 

يقول نبيل حسنين لـ"فلسطين اليوم":" إن ابني أصبح بحالة غير طبيعية بعد رؤيته لأشلاء ابن عمه عبد الله المرتبط به بعلاقة قوية، فأصبح يستيقظ من نومه ليلاً لينادي على عبد الله ويستذكر صورته وهو مقطع الأجزاء فيما كان أقاربه يلملمونه فور استشهاده".

 

وأضاف حسنين أنه بدأ بسبب نفسية ابنه بالغة الصعوبة وخوفه من النوم وحده في الليل، أن ينكر له أن مارآه من أشلاء هي "لمعزة أو خروف" نفقت في المنطقة وذلك حتى لا يتأذى أكثر من منظر استشهاد ابن عمه، ولينسى ما حدث له.

 

ونوه حسنين إلى أنه يقوم بمساعدة أخصائيين نفسيين بمحاولة تغيير أجواء الحرب على ابنه ولكن الذعر والخوف لا ينتهي في حياة ابنه خاصةً أن الأوضاع بشكل عام في قطاع غزة مازالت صعبة ولا توجد بالأصل أماكن ترفيهية يمكن تنشيط الأطفال فيها.

 

وتظل حالة الطفل صبحي حالة من بين آلاف الأطفال الذي تعرضوا للقصف والتدمير وعاشوا 22 يوماً من حرب إسرائيلية عليهم، استخدموا فيها وسائل قتالية وعسكرية كبيرة جداً، وقتلوا من الأطفال أكثر من  450، فيما أصيب مئات الآخرين.

 

بدوره حذر سائد السرساوي الأخصائي النفسي في برنامج حماية الطفولة في المركز الفلسطيني لحل النزاعات المجتمعية في حديث لـ"فلسطين اليوم"، من خطورة وتبعات ما تعرض له الأطفال خلال العدوان الإسرائيلي من قتل وجرح وتشريد المئات منهم، فضلاً عن حالات الهلع والخوف.

 

وطالب السرساوي جميع المؤسسات المعنية القيام بجهود جبارة تخطو خطوات جدية لتقديم مساعدات تربوية ونفسية للأطفال تحاول من خلالها تحريرهم من كافة المشاهد والمخاوف التي تعرضوا لها ودعمهم نفسياً.

 

وحول حالة الأطفال خلال العدوان على غزة، نوه السرساوي إلى أن الأطفال كانوا أكثر الفئات التي تضررت بفعل العدوان الإسرائيلي على غزة حيث تعرضوا لكافة أشكال العنف من قتل وتشريد فضلاً عن حالات الهلع والخوف الذي أصابهم بسبب هذه الأعمال الوحشية.

 

وبين السرساوي، أن حالات الأطفال الذي استقبله الهاتف المجاني الذي أنشأه المركز خلال أيام العدوان تظهر أن 288 حالة من سن 3 سنوات إلى سن 17 سنة من كافة المناطق في قطاع غزة خاصةً الشمال وغزة، تعرضت لضغوطات نفسية وأمراض عدة.

 

وذكر، أن من بين الحالات 7 حالات صدمة نفسية وشعور بالفقدان نتيجة لفقدان أحد المقربين كالوالدين أو الأقارب، و70 حالة كوابيس ليلية وهلع، و52 حالة تبول لاإرادي ، و36 حالة استغاثة وحماية وحالات عدة عانت من صعوبة في النطق وفقدان للشهية.

 

ونوه السرساوي، إلى أنه كان هناك ارتفاع بارز وملحوظ في أعداد الحالات في فترة الحرب خاصةً في ظل غياب مفهوم القلق الواعي والذي يعني عدم قدرة الأطفال على التفكير في أسباب مايحدث واستيعاب ما يجرب من حولهم من أحداث مما أحدث اختلافاً عن الحالات العادية في العالم.

 

وأكد السرساوي على ضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال ومساعدة الأهالي على تجاوز الأزمة خاصةً أن الأهالي تظهر مخاوفها وهلعها للأطفال في الوقت الذي يجب فيه إشغال الطفل بأي نشاطات أخرى تبعد تفكيره بقدر الإمكان عن الحرب وأحداثها كالمساهمة في الأعمال المنزلية الرسم.

 

وطالب السرساوي الأهالي، بتوفير الأمن والحماية للأطفال بعيداً عن أماكن القصف والدمار وعدم ترك الأطفال وحدهم في أماكن بعيدة عن الأهل كالشارع أو الأسطح المنزلية وساحات المنزل، وأن يبقى الأهالي بقدر الإمكان أكثر هدوءاً وضبطاً للنفس حتى لا ينعكس توترهم وخوفهم على أبنائهم.

 

وشدد، على أهمية متابعة الأطفال والحديث معهم ومصارحتهم بكلمات بسيطة عما يجري من حولهم من أحداث حتى لا ينصدمون ويتفاجأون بحجم الدمار والقصف الذي يتعرضون له، ومحاولة توعيتهم بمخاطر وأضرار الاقتراب من الأجسام المشبوهة التي تخلفها قوات الاحتلال في كثير من أماكن توغلاتها في المناطق الفلسطينية.

 

كما دعا الأخصائي النفسي المواطنين بضرورة التوجه للمراكز المتخصصة عند ملاحظة أي تغيرات على سلوك أطفالهم لعلاجها بالشكل المطلوب ولحل أزمة الصدمات النفسية واضطرابات ما بعد الحرب وتعلم كيفية ممارسة الأعمال بالشكل الطبيعي بعد انتهاء الحرب.

 

وحول دور المدارس في هذه الخصوص، دعا السرساوي إلى ضرورة تخصيص أوقات معينة في المدارس للتفريغ النفسي والقيام بنشاطات تبعد الطالب عن جو الحرب وما عايشه خلال أيام العدوان، مع أهمية التواصل بين المدرسة والأهل خاصةً المرشد التربوي في المدرسة لملاحظة ومتابعة أي تغيرات على سلوك الأطفال وخلق حالة من التعاون من أجل مصلحة الأطفال.