خبر إسرائيل: بيريز لم يعتذر.. أردوغان: سجلنا المكالمة .. هل تصفي إسرائيل أردوغان سياسيا؟

الساعة 09:04 م|30 يناير 2009

فلسطين اليوم- وكالات

أكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اليوم الجمعة أن الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز قد اتصل به هاتفيا ليبلغه اعتذاره عن الموقف الذي دعا أردوغان للانسحاب من منتدى دافوس الاقتصادي العالمي على إثر مشادة بينه وبين بيريز بشأن غزة، بينما نفت الرئاسة الإسرائيلية حدوث هذه المكالمة.

واعتبرت صحف إسرائيلية حادثة مغادرة أردوغان منتدى دافوس غاضبا وما تلاها من تفاعلات دبلوماسية بمثابة "أزمة دبلوماسية عابرة، غير مرشحة للتصعيد".

 

ونقلت صحيفة "حريت" التركية عن أردوغان تأكيداته خلال مؤتمر صحفي عقده في إستانبول بعد عودته من دافوس، أن الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز اتصل به وقال: إنه "يأسف جدا لهذا الحادث"، وأضاف أردوغان أنه تم تسجيل هذا الاتصال الهاتفي.

 

وقالت وكالة أنباء "الأناضول" الرسمية التركية إن بيريز اعتذر هاتفيا لأردوغان في محادثة استغرقت خمس دقائق، وفي اتصاله قال بيريز: "أنا آسف جدا لما حدث، إلا أن الأصدقاء قد يحدث بينهم بعض المشادات والمساجلات، إنني دائما أكن كل الاحترام للجمهورية التركية ولرئيس وزرائها"، بحسب ما ذكرته الأناضول.

 

وقالت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية إن بيريز أضاف: "إنني أعتبر نفسي صديقا لتركيا، ولرئيس الوزراء أردوغان".

 

وحول ارتفاع حدة صوت بيريز خلال مساجلته مع أردوغان خلال الجلسة التي شهدت انسحاب الأخير من منتدى دافوس، ذكرت إذاعة "سي.إن.إن تركي" أن بيريز أبلغ أردوغان أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل "علاقات حيوية"، وأضاف بيريز أن صوته قد ارتفع "ليس لأنه غاضب، ولكن لكي يكون صوته مسموعا بشكل أفضل".

 

إلا أن الصحف الإسرائيلية تناقلت اليوم تصريحات لمتحدث باسم الرئاسة الإسرائيلية نفى فيها "بشدة" أن يكون بيريز قد اتصل بأردوغان للاعتذار له عما حدث مساء أمس في دافوس.

 

وانسحب أردوغان غاضبا من إحدى جلسات منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في سويسرا، احتجاجا على عدم إعطائه الفرصة للرد على كلمة مطولة للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز برر فيها المجزرة الإسرائيلية في قطاع غزة.

 

حتشد آلاف الأتراك في مطار أتاتورك بمدينة إستانبول صباح اليوم الجمعة  لاستقبال رئيس الوزراء التركي. وحمل المحتشدون الأتراك الأعلام التركية والفلسطينية ولوحوا بلافتات كتب عليها "مرحبا بعودة المنتصر في دافوس" و"أهلا وسهلا بزعيم العالم"، ورددوا شعارات مناوئة لإسرائيل .

 

وعقب وصوله ، قال أردوغان في مؤتمر صحفي في المطار: "شعبنا ينتظر نفس رد الفعل من أي رئيس لوزراء تركيا".

 

وأضاف: "القضية قضية تقدير لبلادي ومكانتها، لذلك كان من الواجب أن يكون رد فعلي واضحا، لم أكن لأسمح لأحد بتسميم هذه المكانة خاصة كرامة بلادي".

 

مواجهة علنية

 

وفي تعليقات الصحف الإسرائيلية حول الحدث قالت صحيفة "هاآرتس": "إن محاولة تخفيض التوتر بين تركيا وإسرائيل بسبب عملية الرصاص المصبوب تحولت مساء يوم الخميس إلى مواجهة علنية بين الرئيس شيمون بيريز وبين رئيس وزراء تركيا في منتدى دافوس الاقتصادي".

 

وأكدت الصحيفة أن الأزمة الجديدة تأتي في إطار البرود الذي شاب العلاقات بين البلدين بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والذي استمر لمدة 22 يوما، وما أعقبها من انتقادات حادة وجهها أردوغان لإسرائيل، ولاسيما رئيس الوزراء إيهود أولمرت.

 

أما صحيفة "معاريف"، فقد ذهبت لأبعد من ذلك في تعليقها على هذه الحادثة؛ حيث اعتبرت أنها زادت من حدة التوتر في العلاقات بين تل أبيب وأنقرة.

 

وأضافت الصحيفة أن بيريز تهرب من تساؤلات طرحها عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية حول موقف إسرائيل من عملية السلام في الشرق الأوسط، وركز خطابه للرد على كلام أردوغان بشأن العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

 

وذكرت الصحيفة أنه كان من المقرر أن يجرى لقاء اليوم الجمعة بين أردوغان وبيريز على هامش المنتدى، بهدف تخفيض حدة التوتر بين البلدين بسبب عملية الرصاص المصبوب، إلا أنه ألغي بسبب هذه الحادثة.

 

من وسيط.. لعدو

 

أما "يديعوت أحرونوت" فقد أشارت إلى أن هذه الحادثة تسببت في أزمة دبلوماسية أخرى بين إسرائيل وتركيا، واستطردت الصحيفة: إن أردوغان الذي نسج خلال السنوات الأخيرة "علاقات طيبة للغاية" مع إسرائيل، وقام بدور الوسيط بين سوريا وإسرائيل، تحول في الآونة الأخيرة إلى ألد أعدائها الدبلوماسيين، مشيرة إلى تصريحاته الحادة بشأن الحرب على غزة.

 

ودعا أردوغان في وقت سابق لإبعاد إسرائيل عن الأمم المتحدة لمخالفتها قوانين مجلس الأمن الدولي الذي انتقده أردوغان على "سلبيته" إزاء ما يجري في قطاع غزة من مجازر، التي وصفها أردوغان بـ"نقطة سوداء في تاريخ الإنسانية".

 

ففي لقاء جمع بينه وبين قيادات حزبه "العدالة والتنمية" في العاصمة أنقرة يوم التاسع من يناير الحالي، طالب أردوغان مجلس الأمن بمعاقبة إسرائيل، وقال في الاجتماع: "الصمت الدولي في وجه تحدي إسرائيل للقرارات الدولية غير مقبول، ويجب على مجلس الأمن أن يفرض عقوبات على إسرائيل لردعها عن الاستمرار في العدوان".

 

كما رفضت الحكومة التركية طلبات من السفير الإسرائيلي لدى أنقرة، لترتيب زيارات لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ووزيرة خارجيته تسيبي ليفني، ما لم يتوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

 

وقالت وزارة الخارجية التركية ردا على طلب ليفني زيارة تركيا لشرح مبررات الحرب على غزة: "إذا كان هذا هو سبب الزيارة فلا تأتي"، بحسب ما ذكرته صحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية في حينه.

 

وبحسب ما نشرته صحيفة (زمان) التركية وقتها، فإن رد فعل الخارجية التركية توافق مع رفض أردوغان الرد على اتصال هاتفي من أولمرت؛ احتجاجا على العدوان على غزة.

 

هل تصفي إسرائيل أردوغان سياسيا؟

استبعد خبيران في الشأن التركي أن تنجح إسرائيل في تصفية رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان سياسيا على خلفية مواقفه الرافضة بشدة للعدوان على غزة، وآخرها انسحابه من جلسة جمعته برئيس إسرائيل شيمون بيريز في منتدى دافوس الاقتصادي، مستندين في ذلك إلى "الشعبية الجارفة" التي يتمتع بها أردوغان، وإلى "انكسار" الجبروت الإعلامي والسياسي للحركة الصهيونية العالمية بعد "الانتصارات" المتوالية للمقاومة في لبنان وفلسطين، على حد قولهم.

وثارت توقعات بأن تسعى إسرائيل ومن ورائها الصهيونية العالمية لتصفية أردوغان سياسيا - أي إزاحته من الحكم أو إضعافه في موقعه - تنفيذا لعادتها في تشويه أي نموذج يعلو صوته بنقدها أو ينقل صورتها الحقيقية أمام العالم، كما حدث سابقا مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، والمفكر الفرنسي روجيه جارودي.

 

وفي تصريحات لـ"إسلام أون لاين" الجمعة، رأى المحلل السياسي التركي إبراهيم أقباب أن إشاعة بعض الكتاب مثل هذه الفكرة (تصفية أردوغان) هدفها "إرهاب الناس، وتخويف الآخرين من تكرار مواقف أردوغان، حتى تغلق الطريق الذي انفتح لفضح جرائمها وعنصريتها في غزة وغيرها".

 

وشدد أقباب في اتصال هاتفي مع "إسلام أون لاين" على أن هذا المخطط الإسرائيلي الصهيوني "لن ينجح"، مستدلا على ذلك بـ"التأييد الشعبي الجارف" لأردوغان من الجماهير والمؤسسات الرسمية، كما أشار إلى أن أردوغان في مواقفه ضد العدوان الإسرائيلي على غزة "لم يكن يعبر عن موقف فردي، بل عن اتجاه عام يسري في أوصال الدولة التركية ككل، ويمثل فيها موقف دولة تركيا".

 

وبالنسبة للموقف الإسرائيلي من أردوغان قال أقباب: إن "إسرائيل تعرف أن تركيا سائرة في هذا الاتجاه وفق إستراتيجية محددة لا تتعلق بمن هو رئيس الوزراء، وهو ما لفت إليه أردوغان حين قال مساء الخميس إن الجميع يعرف أن تركيا لها وجود قوي بالمنطقة، وقادرة على ضمان الحفاظ على عملية السلام، وعلى الجميع أن يضعوا هذا في حساباتهم"، في إشارة إلى إسرائيل.

 

ولم يستبعد أقباب استهداف إسرائيل لأردوغان جسديا، قائلا إنه تم استهدافه بالفعل 5 أو 6 مرات بمحاولات اغتيال خلال 3 سنوات، وهناك محاولات أخرى إعلامية للانتقاص من شخصيته أمام الرأي العام، و"لكن كل المحاولات باءت بالفشل لأنه يمثل النفسية التركية التي كان يتوق لها الشعب وينتظرها منذ سقوط الدولة العثمانية".

 

عرفات وجارودي

 

وبحسب محللين فقد نجحت إسرائيل فيما سبق في تصفية الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات سياسيا عندما فرضت عليه الحصار في رام الله إثر رفضه التنازل عن القدس الشرقية في عام 2000، وانتهى الأمر بتسميمه، وفق أقوال فلسطينية.

 

وكذلك لاحق اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل في فرنسا الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي روجيه جاردوي ردا على إنكاره رقم الـ6 ملايين يهودي الذي تدعي إسرائيل أنهم قضوا نحبهم في محارق النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وانتهى الأمر إلى إصدار محكمة فرنسية عام 1998 حكما بإدانة جارودي بتهمة التشكيك في محرقة اليهود، وسجنه 9 شهور مع إيقاف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 100 فرنك فرنسي، وهو ما دعا وسائل الإعلام الفرنسية لتجنبه في السنوات التالية خشية تعرضها لاتهامات بمعاداة السامية.

 

"تضخيم العدو"

 

واتفق الدكتور إبراهيم بيومي غانم، رئيس قسم الرأي العام بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر والخبير في الشأن التركي، مع أقباب في أن إسرائيل لن تنجح في تصفية أردوغان سياسيا، مبررا ذلك بأن ما عرفه العالم من "جبروت القوى الصهيونية الذي ينال كل من يقف في طريق تحقيق أهدافها، أصبح فكرة من الماضي، ولم يعد لها حضور في عالم اليوم بعد أن انكشف ضعف إسرائيل في حروبها الأخيرة بالأراضي المحتلة".

 

وفي اتصال هاتفي مع "إسلام أون لاين" أرجع غانم تفاؤله بنجاة أردوغان من أي استهداف سياسي إسرائيلي إلى شخصيته التي تجمع بين العناد والمرونة في آن واحد، مستشهدا بما قاله أردوغان لمنتقديه عقب انسحابه من مؤتمر دافوس مساء الخميس حيث قال: "أنا لدي رأس مرن، ولكني لست خروفا خاضعا".

 

فأردوغان "شخصية عالية القامة وسط أقزام، وقادرة على فرض آرائها من موقع القوة"، بحسب تعبير غانم.

 

وحذر المحلل السياسي من "الانسياق" وراء الترويج لما تشيعه إسرائيل وأذرعها في المنطقة من "ترويع وإرهاب" لمنتقديها، وذلك عبر تضخيم التهديدات التي يتعرضون لها، مشددا على أن هذا "الانسياق" سيكون تهويلا من شأن العدو الذي يمر بـ"لحظة ضعف" بعد أن كسرت حرب لبنان في عام 2006 وحرب غزة في 2009 احتكاره للإعلام الغربي، وبعد أن خسر المعركة الإعلامية والأخلاقية، بدليل المظاهرات الضخمة التي عمت دول العالم في الأسابيع الأخيرة تنديدا بمجازره في غزة.

 

أما عن الأصوات المعارضة الداخلية التي رفضت بشدة انتقادات أردوغان لإسرائيل، واتهمته بأنه يتحدث بلسان "التطرف والأصولية" فقد وصفها المحلل السياسي إبراهيم أقباب بأن كثيرا منها "معروف عن أصحابها أنهم مرتزقة إسرائيل في تركيا، وهو ما أكد عليه أردوغان لدى عودته لإستانبول بقوله: إن من انتقدوا موقفي في دافوس هم محامون لجهات أخرى، وليسوا أبناء هذا البلد".

 

منذ عبد الحميد

 

وفي تقييمه لموقف أردوغان خلال وبعد الحرب الإسرائيلية على غزة قال أقباب إن تصريحات أردوغان "ليست رد فعل انفعالي مفاجئ أو وقتي.. فتركيا منذ أكثر من عقدين، وتحديدا منذ عهد تجوت أوزال رئيس وزراء تركيا الأسبق الذي كان إسلامي التوجه، خططت لنفسها الابتعاد عن التبعية للخارج، واستهدفت العودة مجددا صوتا قويا في العالم، وهذا بدا في مواقف أخرى سابقة رافضة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط".

 

واعتبر غانم أن ما حدث بدافوس هو "أول حدث من نوعه في تركيا منذ مائة عام، وتحديدا منذ عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني الذي رفض التخلي عن أرض فلسطين لليهود.. هناك بهجة تعم الشعب التركي وتأييد جارف وشامل.. أما المنتقدون فهم أصوات شاذة.. لا أحد يبالي بها".

 

وكان السلطان عبد الحميد الثاني قد رفض بشدة عام 1901 طلب مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل تخصيص أرض فلسطين للم الشتات اليهودي في العالم مقابل إغراءات مالية لتخفيف أزمة الديون التي كانت تعاني منها سلطنته، وقال السلطان العثماني حينها: قطعوا جسدي إربا إربا ولا أقطع من أرض فلسطين لليهود، مبررا ذلك بأن الإمبراطورية العثمانية "ليست ملكي بل هي ملك المسلمين جمعيا الذين حصلوا عليها بالدماء".

 

"إشاعة"

 

وفي سياق آخر فسر مراقبون مواقف أردوغان بأنها لم تكن سوى "انفعالات فردية" لم يتردد في إظهارها دون تحسب للعواقب وسط أنباء عن اعتزامه الانسحاب من الساحة السياسية التركية عقب إجراء الانتخابات المحلية مارس القادم.

 

ونفى أقباب وجود أي مؤشرات داخل تركيا حول اعتزام أردوغان القيام بهذه الخطوة، مستدلا على ذلك بـ"شعبية أردوغان التي تزداد يوما بعد يوم.. وهذا الذي يتردد هو مجرد إشاعة لإضعاف دوافع موقف أردوغان وتشويهه وإظهاره بمظهر من لا يحسب حسابا لمصلحة شعبه"، كما وصفها بأنها "مجرد تهديدات على شكل مقالات صحفية يكتبها مؤيدون للصهيونية".

 

وبدوره، قال د. غانم إن أردوغان "لا يفكر بهذه الطريقة، خاصة أن كل المؤشرات ونتائج استطلاعات الرأي تدل على أن حزبه (العدالة والتنمية) يزداد شعبية، وسيكسب في الانتخابات"، مستدلا على ذلك بالآلاف الذين تدافعوا إلى مطار أتاتورك في إستانبول فجرا رغم الأجواء الباردة لاستقبال أردوغان لدى عودته من دافوس.

 

وكانت حشود جارفة توافدت على المطار، وهي تردد هتافات وصفت فيها أردوغان بأنه "زعيم العالم" والقائد المنتصر، وهو الاستقبال الذي قال غانم إن تركيا "لم تشهد له مثيلا منذ عهد السلطان محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية (الاسم القديم لتركيا) في القرن الخامس عشر الميلادي".

 

"نقطة فاصلة"

 

وفي نظرة استشرافية لتبعات انسحاب أردوغان من دافوس، اعتبر غانم أن هذا الموقف "نقطة تحول فاصلة" في تاريخ العلاقات الدولية، وأوضح أن ما حدث سينتج عنه هدم الصورة الذهنية لإسرائيل التي "لا تُقهر" سياسيا بعد أن رفض أردوغان قبول الإهانة، بل كال له بالصاع صاعين.

 

كما رأى أن "موقف أردوغان ينبئ بأن هناك عالما جديدا يتشكل على أساس وجود وجهات نظر متعددة، تسهم فيه قوى إقليمية كبرى صاعدة مثل تركيا وفنزويلا والهند، تجتمع على موقف موحد في رفض الغطرسة الغربية والصهيونية".

 

وأوضح أن "هذه الملامح التي تتشكل تفرض على كل القوى والأنظمة العربية أن تعيد حساباتها من جديد برؤية إستراتيجية مختلفة عما درجت عليه سابقا، لأنه بالفعل قد ولى عصر الانتصارات العسكرية والسياسية لإسرائيل".

 

وتابع غانم قائلا إن ما لحق بإسرائيل في دافوس "هزيمة سياسية لإسرائيل" لا تقل عما لقيته من "هزيمة عسكرية أمام المقاومة اللبنانية عام 2006 والمقاومة الفلسطينية في غزة 2009".

 

واختتم غانم وجهة نظره بالقول: "لقد تحولت القضية من مجرد انتقاد لإسرائيل كان سيوجهه أردوغان إلى مسألة مقاطعة رئيس وزراء دولة كبيرة ومنعه من إبداء رأيه لصالح طرف واحد"، مشيرا إلى مقاطعة منسق الجلسة الكاتب الأمريكي اليهودي ديفيد إيجناتيوس بصحيفة "واشنطن بوست" لأردوغان.

 

وأضاف بالقول: "إنها لحظة قصيرة جدا في تاريخ العالم، ولكنها عميقة جدا في تأثيرها"، بتعبير غانم.

 

يهود أمريكا والأتاتوركيون يفتحون النار على أردوغان

هدد اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة اليوم الجمعة بأنه "لن يقف صامتا" بعد انسحاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من جلسة جمعته مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في منتدى دافوس الاقتصادي؛ احتجاجا على عدم إعطائه الفرصة لتفنيد مزاعم بيريز بشأن العدوان على غزة.

وبالتوازي تواصل الهجوم الذي يشنه أطراف من المعارضة العلمانية الأتاتوركية على أردوغان، متهمين إياه بأنه "يكشف يوما بعد يوم عن أيدولوجيته الإسلامية المناهضة للنظام العلماني لتركيا"، وهي التهمة التي تطارده بها أحزاب المعارضة العلمانية الأتاتوركية منذ بدء حكمه عام 2002، وتسببت في أن رفعت ضده قضية حظر أمام المحكمة الدستورية العليا في عام 2008.

 

ويأتي رد فعل اللوبي اليهودي في تصعيد للانتقادات التي سبق أن وجهها لأردوغان بسبب نقده الشديد للحرب الإسرائيلية على غزة، ودعمه لحركة المقاومة الإسلامية حماس أثناء وبعد الحرب.

وذكرت صحيفة "حريت" العلمانية، التي وصفت موقف أردوغان بالحاد، اليوم الجمعة أن ممثلين عن اللوبي اليهودي بالولايات المتحدة انتقدوا بشدة كلمة أردوغان في دافوس قائلين: "هذا السلوك عار، وربما يشعل المشاعر ضد اليهود وإسرائيل ويعزز معاداة السامية"، وهددوا بأن اللوبي "لن يظل صامتا" أمام هذا الموقف لأردوغان.

 

وأضاف ديفيد أ. هاريس، المدير التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية، في بيان أصدرته اللجنة على موقعها على الإنترنت: "تعليقات أردوغان غير المنصفة والتي لا تحترم الرئيس الإسرائيلي (بيريز) تعد مظهرا آخر على أن النقد الذي تتعرض له إسرائيل يزداد ضراوة".

 

وبالرغم من أن أردوغان أكد في مؤتمر صحفي عقب انسحابه من الجلسة أنه لم يستهدف بكلماته الغاضبة إسرائيل، وإنما رئيس الجلسة الذي لم يعطه الوقت الكافي لإتمام كلمته، وهو ما يعد "إهانة" لتركيا كدولة وشعب، لكن اللجنة الأمريكية أكدت أنها "لن تقف صامتة بعد هذه الكلمة" التي أدلى بها الزعيم التركي.

 

وقال هاريس: "العلاقة بين تركيا وإسرائيل حيوية وتتمتع بدعم اللوبي اليهودي لها"، في إشارة ضمنية إلى اعتزام اللوبي سحب هذا الدعم في المستقبل.

 

ونفس الإشارة تضمنتها رسالة احتجاج بعثت بها 4 جماعات ضغط يهودية أمريكية قبل أيام إلى أردوغان، أعربت فيها عن قلقها بشأن ما وصفته بـ"موجة معاداة السامية" التي تسري في تركيا على خلفية العدوان على غزة الذي استمر أكثر من 22 يوما.

 

وكان اللوبي اليهودي قد منح أردوغان في عام 2005 جائزة "رابطة مناهضة التشهير"؛ مكافأة على الجهد الدبلوماسي التركي التاريخي الذي أنقذ اليهود من محارق النازية في عهد الدولة العثمانية، وتأكيد أردوغان على أن معاداة السامية هي "جريمة ضد الإنسانية".

 

وفي الجلسة التي انعقدت حول غزة مساء أمس في منتدى دافوس وجمعت أردوغان وبيريز والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، تحدث بيريز لمدة 25 دقيقة مبررا المجزرة الإسرائيلية على غزة قائلا إن حماس هي من دفعت إسرائيل لهذه الحرب، وكان يتكلم بحدة وينظر إلى أردوغان مباشرة بين الحين والآخر.

 

وبدوره، علق أردوغان قائلا: "إن بيريز استخدم لغة عنيفة"، وتابع موجها حديثه إلى الرئيس الإسرائيلي بحزم: "أتذكر الأطفال الذين قتلوا على الشاطئ، أتذكر كم قتلتم في غزة"، ولكن رئيس الجلسة لم يمهله أكثر من 15 دقيقة للحديث، وقاطعه قائلا: "إن الوقت انتهى"، وهو ما اعتبره أردوغان "إهانة" له ولشعب تركيا؛ فانسحب غاضبا، وهو يؤكد أنه لن يعود إلى المنتدى مرة أخرى, بحسب ما صرح به إثر عودته لإستانبول.

 

"غير مباشرة"

 

ونقلت صحيفة "حريت" عن مصادر دبلوماسية من وزارة الخارجية التركية قولها إن رد فعل أردوغان خلال جلسة غزة في منتدى دافوس "من غير المرجح أن يكون له تأثير مباشر على مستقبل العلاقات بين تركيا وإسرائيل، فلن يتم استدعاء السفير التركي من تل أبيب على سبيل المثال، ولكن نتوقع أن يكون لها تأثيرات غير مباشرة" وهي:

 

1- اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة قد يسحب دعمه التقليدي لتركيا في مسألة الأرمن، بعد أن ساعد خلال السنوات الماضية في منع الرئيس الأمريكي من استخدام كلمة "الإبادة الجماعية" في وصف ما يقولون إنها مذابح ارتكبتها الدول العثمانية في حق الأرمن عام 1915، وهي الاتهامات التي تنفيها تركيا.

 

2- أن يسمح اللوبي للكونجرس الأمريكي بأن يمرر اعتماد استخدام مصطلح "إبادة جماعية" على  أحداث 1915.

 

3- إسرائيل قد تشن حملة في العالم تساوي فيها بين حربها ضد حماس وحرب تركيا ضد حزب العمال الكردستاني، وهو ما يعني أن اللوبي اليهودي قد يسحب تأييده أيضا للحرب التركية ضد حزب العمال ردا على الانتقاد التركي للحرب الإسرائيلية ضد حماس.

 

4- واقعة دافوس سيكون لها تأثير سلبي على العلاقات بين أرمينيا وتركيا، والتي بذلت الأخيرة جهودا دبلوماسية مكثفة على مدار العام الماضي من أجل تحسينها، شملت زيارة تاريخية قام بها الرئيس التركي عبد الله جول إلى أرمينيا.

 

5- قد ينهي موقف دافوس جهود الوساطة التركية في عدد من النزاعات بين الدول وبشكل خاص في صراع الشرق الأوسط.

 

6- موقف دافوس قد يضر أيضا بصورة تركيا باعتبارها دولة "محايدة" في مجلس الأمن الدولي الذي تتولي فيه حاليا مقعدا غير دائم لمدة عامين، وتسعى منذ الآن لتجديدهما.

 

"العثمانية الجديدة"

 

وعلى الرغم من شجب المعارضة العلمانية الأتاتوركية للعدوان الإسرائيلي على غزة، فإن نقدها لمواقف أردوغان التي وصفتها بـ"الحادة" في نقد إسرائيل، و"المتحيزة" في دعم حركة حماس لم تهدأ، خاصة بعد واقعة دافوس.

 

وهذا ما فسره مراقبون بأن المعارضة تسعى لاستغلال موقف أردوغان في تعزيز اتهاماتها له بالسعي لإقامة نظام "إسلامي" في تركيا، وهو ما سيؤثر على نتيجة المنافسة بين الجانبين في الانتخابات المحلية المزمعة في مارس القادم.

 

ومن هؤلاء الكاتب بوراك بيكديل في صحيفة "حريت" واسعة الانتشار الذي حذر في مقالة نشرها اليوم الجمعة من أن "جعل الدين ركنا من أركان السياسة الخارجية سيضع أردوغان في خانة الأصولية والتطرف التي يعاديها الغرب، كما أنه سيشعل غضب الأقليات الدينية داخل تركيا"، في إشارة إلى الأقلية اليهودية التي انتقدت بشدة مواقف أردوغان إزاء غزة.

 

كما انتقد بيكديل اتباع أردوغان ما أسماه بنموذج "العثمانية الجديدة" التي تسعى لتعزيز صورة تركيا الإسلامية في العالم الإسلامي، لافتا إلى أن "العرب أنفسهم الذين يدافع عنهم أردوغان اختاروا منذ سنوات طويلة أن يكونوا قوميين وليسوا إسلاميين، وعلى أردوغان أن يفهم هذا".

 

انتقادات داخلية

 

وتركز الانتقادات الداخلية العلمانية الأتاتوركية لأردوغان على أنه "يهمل المصالح العليا لدولته" في مقابل مساندته لـ"الفلسطينيين الذين يقتل بعضهم بعضا"، مع التذكير بـ"خيانة" العرب للدولة العثمانية في الحرب العالمية الثانية.

 

وفي هذا الصدد قال الجنرال ميتين جوراك متحدثا باسم الجيش في تعليقه اليوم على حادثة دافوس: "إن المصالح القومية لتركيا يجب أن يكون لها الأولوية في السياسة الخارجية لتركيا"، وذلك في إشارة إلى العلاقات العسكرية القوية بين إسرائيل وتركيا، خاصة أن إسرائيل تزود تركيا بالأسلحة خلال الحرب التي تقودها الأخيرة على حزب العمال الكردستاني.

 

كما شاركت الأقلية اليهودية في انتقاد أردوغان متهمة إياه بأنه "يغذي معاداة السامية"، و"يهدد وجودها في الدولة" بسبب موقفه "الحاد" من إسرائيل.

 

غير أن الحكومة التركية رفضت انتقادات المعارضة وأكدت أكثر من مرة أن "رد فعل أنقرة المساندة لغزة، نابع من موقف إنساني".

 

وقال المتحدث باسمها جميل جيجك عقب اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي: "إن رد فعلنا لا علاقة له لا بالشعب الإسرائيلي ولا المنحدرين من أصول يهودية".

 

وفي نفس الوقت أكد وزير الخارجية على بابا جان، "أهمية" استمرار العلاقات بين بلاده وإسرائيل، مبررا ذلك بأن هذا الأمر سيساعد تركيا في الوصول إلى حل سلمي لقضية الشرق الأوسط عبر "الحوار وليس الاقتتال" بين أطراف الصراع.

 

ولخص أحمد دواوود أوغلو، المستشار السياسي لأردوغان والذي يطلق عليه مهندس السياسة الخارجية التركية، خلفية الموقف التركي غير المسبوق في حرب غزة بقوله خلال مقابلة تلفزيونية: إن "تركيا تدور منذ عقود في فلك تحالفها مع الغرب، وآن الأوان لأن تحصل توازنات في علاقاتها مع العالم، حتى لا تبقى أسيرة الارتباط بمحور واحد".

 

اللوبي اليهودي بأمريكا " يهدد" أردوغان

أرسلت جماعات ضغط يهودية بالولايات المتحدة رسالة احتجاج إلى رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، على ما اعتبرته "معاداة السامية" في المواقف التركية الرسمية والشعبية حيال محرقة غزة، وهو ما وصفه مراقبون بأنه "تهديد مبطن" لأنقرة بأنها قد تفقد دعم هذه الجماعات في قضية مذابح الأرمن، بحسب صحيفة "زمان" التركية.

يأتي ذلك، بينما أعلنت منظمة إغاثة تركية أن العديد من الأسر التركية استجابت لحملة أطلقتها لكفالة أطفال غزة الذين يتمتهم الحرب الإسرائيلية على القطاع؛ حيث تم الإعلان عن كفالة 1200 طفل، والعدد مرشح للزيادة.

 

وقالت الصحيفة التركية في عددها الصادر اليوم السبت إن جماعات ضغط يهودية أمريكية بعثت برسالة احتجاج مشتركة إلى أردوغان، أعربت فيها عن قلقها بشأن ما وصفته بـ"موجة معاداة السامية" في أعقاب "حرب كسر الإرادة -3" التي استمرت أكثر من 22 يوما، وأدت لاستشهاد أكثر من 1300 شخص معظمهم من الأطفال والنساء، وإصابة أكثر من 5400 آخرين، كثير منهم إصابته خطيرة.

 

محاصرة القنصلية الإسرائيلية

 

واعتبرت الرسالة أن ردود الفعل التركية "كانت عنيفة جدا " إزاء العدوان الأخير على غزة، مشيرة إلي أن محاصرة متظاهرين لمقر القنصلية الإسرائيلية في إستانبول في إحدى التظاهرات يعد من أكثر الحوادث التي أثارت غضب يهود الولايات المتحدة" والتى كشفت عن كراهية الأتراك لليهود، على حد قول جماعات الضغط.

 

وانتشرت ملصقات دعائية معادية لليهود في أرجاء عديدة من إستنابول، فضلا عن تغطية واجهة أحد المحلات اليهودية القريبة من جامعة إستنابول بملصق كبير مكتوب عليه "لا تشتر أي سلع منها، لأن المحل مملوك ليهودي"، بحسب الخطاب.

 

ووقع على تلك الرسالة رؤساء: "اللجنة اليهودية الأمريكية"، و"منظمة مناهضة التشهير"، و"ائتلاف رؤساء المنظمات اليهودية بالولايات المتحدة"، و"المعهد اليهودي لشئون الأمن القوي الأمريكي".

 

وفي السياق ذاته، ذكرت جماعات الضغط الموقعة على الرسالة الاحتجاجية أن تشويه أحد المعابد اليهودية بمدينة أزمير التركية احتجاجا على عملية "الرصاص المتدفق" التي نفذتها إسرائيل في غزة، تسبب في إغلاق جميع معابد المدينة باستثناء معبد واحد.

 

ووجهت الرسالة الحديث لأردوغان قائلة: "نؤكد لك أننا لا نوافق على موقف حكومتك من العملية الإسرائيلية بغزة، وبعض من تصريحاتكم الفظة"..

 

وأضافت: "نؤكد أن حماس هي التي تتحمل مسئولية ما حدث بغزة، وأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها".

 

وفي الوقت ذاته اعتبرت الرسالة أن "في تركيا التي طالما افتخرت بأنها استطاعت على مدى قرون عديدة التعايش مع اليهودي، يشعر أصدقاؤنا اليهود بأنهم محاصرون ومهددون".

 

ومنذ بدء العدوان على غزة يوم 27-12-2008 رفضت تركيا تحميل حماس مسئولية محرقة غزة، وأطلقت حملة جهود دبلوماسية مكثفة في العالم الإسلامي والغربي لوقف العدوان، أبرزها إرسال مستشار أردوغان، أحمد داود أوغلو، على رأس وفد دبلوماسي إلى القاهرة بناء على طلب من الرئيس المصري، حسني مبارك، للمشاركة في المفاوضات الجارية بين الحكومة المصرية ووفد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" حول المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار.

 

واتخذ أردوغان عدة خطوات أعرب بها عن "غضبه" من التعنت الإسرائيلي أمام جهود وقف الحرب؛ حيث رفض طلبا من وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، لزيارة أنقرة من أجل عرض وجهة نظر حكومتها بشأن العدوان، مشترطا أن يكون مجيئها فقط لإعلان موافقتها على وقف إطلاق النار.

 

كما رفض الرد على اتصال هاتفي أجراه رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، وقال إنه لن يجري اتصالا من أي نوع مع أي مسئول إسرائيلي إلى أن "يصدر عن إسرائيل إشارة فعلية على قبول وقف إطلاق النار".

 

رسالة جماعات الضغط الاحتجاجية، وصفها مراقبون بأنها تمثل "تهديدا مبطنا لترك